أحداث السنة التاسعة من هجرة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم

Events of the ninth year of the Hijrah of the Messenger of Allah, Muhammad (peace and blessings of Allah be upon him)

بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عُيينة بن حصن الفزاري إلى بني تميم في خمسين فارسًا من العرب، ليس فيهم مهاجريٌ ولا أنصاري، فكان يسير الليل ويكمن النهار، فهجم عليهم في صحراء، فدخلوا وسرحوا مواشيهم، فلما رأوا الجمع ولَّوا، وأخذ منهم أحد عشر رجلاً، ووجدوا في المحلة إحدى وعشرين امرأة وثلاثين صبيًا، فجلبهم إلى المدينة، فأمر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فحُبسوا في دار رملة بنت الحارث

قدم فيهم عِدَّة من رؤسائهم؛ عطارد بن حاجب، والزِّبرقان ابن بدر، وقيس بن عاصم، والأقرع بن حابس، وقيس بن الحارث، ونعيم بن سعد، وعمرو بن الأهتم، ورباح بن الحارث بن مجاشع، فلما رأوهم بكى إليهم النساء والذراري فعجلوا وجاءوا إلى باب النبي صلى الله عليه وسلم، فنادوا: يا محمَّد اخرج إلينا، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقام بلال الصلاة وتعلَّقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم يكلمونه، فوقف معهم، ثم مضى فصلى الظهر، ثم جلس في صحن المسجد، فقدَّموا عطارد بن حاجب فتكلم وخطب، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثابت بن قيس بن شماس فأجابهم، ونزل فيهم: {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (4)} [الحجرات: 4]، فرَّد عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسرى والسبي

قيل أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه إلى بني حارثة بن- عمرو بن قُريط، يدعوهم إلى الإِسلام، فأخذوا الصحيفة فغسلوها، ورقعوا بها أسفل دَلْوهم، فدعا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم

بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم قُطبة في عشرين رجلاً إلى حي من خثعم، بناحية تَبالة، وأمره أن يشنَّ الغارة، فخرجوا على عشرة أبعرة يعتقبونها، فأخذوا رجلاً فسألوه، فاستعجم (3) عليهم، فجعل يصيح بالحاضرة ويحذِّرهم، فضربوا عنقه، ثم أقاموا حتى نام الحاضر، فشنُّوا عليهم الغارة فاقتتلوا قتالاً شديدًا حتى كثرت الجرحى في الفريقين جميعًا، وقُتِل قطبة بن عامر فيمن قُتل،وساقوا النَّعم والشاء والنساء إلي المدينة

قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في صفر سنة تسع وفد عُذرة اثنا عشر رجلاً، فيهم حمزة بن النعمان العُذري، وسُليم وسعد ابنا مالك، ومالك بن أبي رباح، فنزلوا دار رملة بنت الحارث النجَّارية، ثم جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فسلموا بسلام أهل الجاهلية، وقالوا: نحن إخوة قصي لأمه، ونحن الذين أزاحوا خزاعة وبني بكر عن مكة، ولنا قرابات وأرحام، وسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أشياء في أمر الدين، وأسلموا

بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشًا إلى القرطاء عليها الضحاك بن سفيان بن عوف بن أبي بكر الكلابي، ومعه الأَصْيَد بن سلمة بن قرط، فلقوهم بالزُّج، زج لاوة، فدعوهم إلى الإِسلام فأبوا، فقاتلوهم فهزموهم، فلحق الأصْيدُ أباه سلمة، وسلمة على فرس له، فدعا أباه إلى الإِسلام، وأعطاه الأمان، فسبَّه وسبَّ دينه، فضرب الأصيد عرقوبي فرس أبيه، فلما وقع الفرس على عرقوبيه ارتكز سلمة على رمحه في الماء، ثم استمسك حتى جاءه أحدهم فقتله، ولم يقتله ابنه

عن رويفع بن ثابت البلوي قال: قدم وفد قومي في شهر ربيع الأول سنة تسع، فأنزلتهم في منزلي ببني جديلة ثم خرَّجتهم حتى انتهينا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس مع أصحابه في بيته في الغداة، فقدم شيخ الوفد أبو الضباب فجلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتكلم، وأسلم القوم وسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الضيافة وعن أشياء من أمر دينهم، فأجابهم، ثم رجعت بهم إلى منزلي، فأقاموا ثلاثًا، ثم جاءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يودعونه، فأمر لهم بجوائز كما كان يجيز قبلهم، ثم رجعوا إلى بلادهم

بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّ ناسًا من الحبشة رآهم أهل جُدَّة، فبعث إليهم علقمة بن مُجزَّر في ثلثمائة، فانتهى إلى جزيرة في البحر، وقد خاض إليهم البحر فهربوا منه، فلما رجع تعجل بعض القوم إلى أهليهم فأذن لهم وعَنْ أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عَلْقَمَةَ بن مُجَزِّرٍ عَلَى بَعْثٍ، وَأَنَا فِيهِمْ، فَلَمَّا انْتَهَى إلى رَأْسِ غَزَاتِهِ، أَوْ كَانَ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ، اسْتَأْذَنَتْهُ طَائِفَةٌ مِنْ الْجَيْشِ، فَأَذِنَ لَهُمْ وَأَمَّرَ، عَلَيْهِمْ عبد الله بن حُذَافَةَ بن قَيْسٍ السَّهْمِيَّ، فَكُنْتُ فِيمَنْ غَزَا مَعَهُ، فَلَمَّا كَانَ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ أَوْقَدَ الْقَوْمُ نَارًا لِيَصْطَلُوا أَوْ لِيَصْنَعُوا عَلَيْهَا صَنِيعًا، فَقَالَ عبد الله -وَكَانَ فِيهِ دُعَابَةٌ- أَلَيْسَ لِي عَلَيْكُمْ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: فَمَا أَنَا بِآمِرِكُم بِشَيءٍ إِلَّا صَنَعْتُمُوهُ؟ قَالُوا: نَعَم، قَالَ: فَإِنِّي أَعْزِمُ عَلَيْكُمْ إِلَّا تَوَاثَبْتُمْ في هَذِهِ النَّارِ، فَقَامَ نَاسٌ فَتَحَجَّزُوا، فَلَمَّا ظَنَّ أَنَّهُمْ وَاثِبُونَ قَالَ: أَمْسِكُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، فَإِنَّمَا كُنْتُ أَمْزَحُ مَعَكُمْ، فَلَمَّا قَدِمْنَا ذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: “مَنْ أَمَرَكُمْ مِنْهُمْ بِمَعْصِيَةِ الله فَلَا تُطِيعُوهُ”

بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عليَّ بن أبي طالب في خمسين ومائة رجل من الأنصار على مائة بعير وخمسين فرسًا، ومعه راية سوداء ولواء أبيض إلى الفلس ليهدمه، فشنُّوا الغارة على محلَّة آل حاتم مع الفجر، فهدموا الفُلْس وحرقوه، وملأوا أيديهم من السبي والنَّعم والشاء، وفي السبي أخت عدي بن حاتم، وهرب عدي إلى الشام ووجد في خزانة الفُلْس ثلاثة أسياف، وثلاثة أدرع، واستعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم على السبي أبا قتادة، واستعمل على الماشية والأموال عبد الله بن عَتيك

سرية عُكَّاشة بن محصن إلى الجناب أرض عُذْرة وبلي، وكانت في شهر ربيع الآخر سنة تسع من الهجرة.

خرج عُكَّاشة على رأس 40 رجلًا بأمرٍ من النبي ﷺ لمحاربة قبائل كانت تعادي المسلمين أو تتحالف مع أعدائهم. وحين وصل إلى هناك، فرّ القوم، فغنم المسلمون بعض الإبل والماشية وعادوا إلى المدينة دون قتال.

بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ناسًا من المنافقين يجتمعون في بيت سُويلم اليهودي، يُثبِّطون الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، فبعث إليهم النبي صلى الله عليه وسلم طلحة بن عُبيد الله في نفر من أصحابه، وأمره أن يُحرِّق عليهم بيت سويلم، ففعل طلحة فاقتحم الضحاك بن خليفة من ظهر البيت، فانكسرت رجله، واقتحم أصحابه فأفلتوا

تقع تبوك شمال الحجاز، وتبعد عن المدينة المنورة 778 كم حسب الطرق المعبدة في الوقت الحاضر، وكانت من ديار قُضاعة الخاضعة لسلطان الروم آنذاك (1).
وقد عزم النبي صلى الله عليه وسلم غزو الروم لنشر الدين الإِسلام في هذه البلاد التي هي من أقرب البلاد إلى أرض الحجاز، والتي تقع تحت السيطرة الرومية، ولتكون تلك هي المواجهة الثانية مع الروم بعد غزوة مؤتة التي لم تحقق جميع أهدافها المرجوَّة؛ فبرغم أنها أظهرت للعالم قدرة المسلمين الفائقة، حتى في مواجهة أعظم إمبراطورية في العالم حينها، وهي إمبراطورية الروم، إلَّا أنها لم تحقق الهدف الأسمى الذي ينشده المسلمون، ألا وهو إخضاع هذه الإمبراطورية وتلك الدول للإسلام والمسلمين وبالتالي توسيع المجال أمام الدعوة الإِسلامية أن تنشر بين ساكني تلك الدول، التي يمنع حكامها الظالمون المسلمين من نشر الدين الحق فيها.
والذي جعل النبي صلى الله عليه وسلم يخرج في هذا الوقت بالذات، رغم ما كان بالمسلمين من شدة وعُسرة، وصول خبر إلى المدينة أنَّ أحد ملوك غسان تجهز لغزو المسلمين، مما جعل النبي صلى الله عليه وسلم يسارع في الخروج لملاقاتهم في بلادهم، قبل مباغتتهم المسلمين في بلادهم (2).
فنادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصحابة بالجهاد لغزو الروم، ولم تكن تلك عادة النبي صلى الله عليه وسلم أن يعلم الصحابة بوجهته الحقيقة إنما كان صلى الله عليه وسلم إذا أراد غزوة يغزوها وَرَّى بغيرها عن كَعْبِ بن مَالِكٍ رضي الله عنه قال: كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم قَلَّمَا يُرِيدُ غَزْوَةً يَغْزُوهَا إِلَّا وَرَّى بِغَيْرِهَا، حَتَّى كَانَتْ غَزْوَةُ تَبُوكَ، فَغَزَاهَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم في حَرٍّ شَدِيدٍ، وَاستَقْبَلَ سَفَرًا بَعِيدًا، وَمَفَازًا (1)، وَاسْتَقْبَلَ غَزْوَ عَدُوٍّ كَثِيرٍ، فَجَلَّى (2) لِلْمُسْلِمِينَ أَمْرَهُمْ؛ لِيَتَأَهَّبُوا أُهْبَةَ عَدُوِّهِمْ، وَأَخْبَرَهُمْ بِوَجْهِهِ الَّذِي يُرِيدُ (3).
وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بالإنفاق لتجهيز جيش العُسْرة (4)، فقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم: “مَنْ جَهَّزَ جَيْشَ العُسْرَةِ فَلَهُ الْجَنَّةُ”، فَجَهَّزَهُ عُثْمَانُ بن عفان رضي الله عنه (5).
وقد تبرع عُثْمَانُ رضي الله عنه من المال فقط بِأَلْفِ دِينَارٍ، فَجاء بها فنْثُرَهَا في حِجْرِ النبي صلى الله عليه وسلم، فجعل النَّبِي صلى الله عليه وسلم يُقَلِّبُهَا في حِجْرِهِ، وَيَقُولُ: “ما ضَرَّ عُثْمَانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ الْيَوْمِ، مَا ضَرَّ عُثْمَانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ الْيَوْمِ” (6).
وأخذ المنافقون في تثبيط المؤمنين عن الخروج والجهاد في سبيل الله وقالوا: {لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ} [التوبة: 81].
وفي ذلك يقول الله تعالى: {فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ (81)}يُبلغهم الله تعالى أن نار جهنم التي سيصيرون إليها بسبب مخالفتهم أمره صلى الله عليه وسلم أشد حرًا مما فروا منه.
وجاء المعذّرون من الأعراب الذين يسكنون حول المدينة يشكون للنبي صلى الله عليه وسلم ضعفهم وفقرهم وعدم استطاعتهم الخروج معه صلى الله عليه وسلم، كما جاء المنافقون مبدين الأعذار الكاذبة والحجج الواهية مستأذنين النبي صلى الله عليه وسلم في عدم الخروج.
وفي ذلك يقول الله تعالى: {وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (90)} [التوبة: 90].
ثم بيَّن الله تعالى حال أصحاب الأعذار الحقيقية، وأنه لا سبيل عليهم، فقال تعالى: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (91)} [التوبة: 91].
كما بيَّن الله عز وجل تقبله عذر الفقراء الذين جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليحملهم معه في تلك الغزوة، فلم يجد النبي صلى الله عليه وسلم ما يحملهم عليه، فتولَّوا وهم يبكون من شدة حزنهم لعدم استطاعتهم الخروج، فقال تعالى: {وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ (92)} [التوبة: 92].
ثم قال الله تعالى: {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (93)} [التوبة: 93].
وكان أكثر المنافقين الذين تخلَّفوا من الأعراب أهل البادية، ولذلك يقول الله تعالى: {الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (97) وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (98)} [التوبة: 97، 98].
ثم بيَّن الله تعالى أنه ليس كلهم كذلك، بل منهم من هو مؤمن، فقال تعالى: {وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (99)} [التوبة: 99].
ثم أوضح الله تعالى أن بالمدينة منافقون أيضًا، فقال تعالى: {وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ (101)} [التوبة: 101].
وعمومًا فقد أذن النبي صلى الله عليه وسلم لكل من جاءه معتذرًا، فهو صلى الله عليه وسلم لم يشُق عن قلوبهم ولا يعلم ما بداخلها.
فعاتبه الله تعالى فأنزل عليه: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ (43)} [التوبة: 43].
يقول الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: هلَّا تركتهم لمَّا استأذنوك، فلم تأذن لأحد منهم في القعود، لتعلم الصادق منهم في إظهار طاعتك من الكاذب، فإنهم إن كانوا مؤمنين حقًا ثم وجدوك لم تأذن لهم في القعود لخرجوا معك ولو كان بهم شدَّة.
وعلى أية حال فقد كان عدم خروجهم في مصلحة المؤمنين يقول الله تعالى: {وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ (46) لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (47)} [التوبة: 46، 47].
ويحكي أبو مُوسَى الأشعري رضي الله عنه قصة الأشعريين الذين أرسلوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسألونه الحُملان لهم، فيقول رضي الله عنه: أَرْسَلَنِي أصحابي إلى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم أَسْأَلُهُ الْحُمْلَانَ لَهُمْ إِذْ هُمْ مَعَهُ في جَيْشِ الْعُسْرَةِ، وَهِيَ غَزْوَةُ تَبُوكَ، فَقُلْتُ: يَا نَبِي الله إِنَّ أصحابي أَرْسَلُونِي إِلَيْكَ لِتَحْمِلَهُمْ، فَقَالَ: وَاللهِ لَا أَحْمِلُكُمْ عَلَى شَيءٍ،- يقول أبو موسى-: وَوَافَقْتُة وَهُوَ غَضْبَانُ وَلَا أَشْعُرُ، وَرَجَعْتُ حَزِينًا مِنْ مَنْعِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَمِنْ مَخَافَةِ أَنْ يَكُونَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَجَدَ في نَفْسِهِ عَلَيَّ، فَرَجَعْتُ إلى أصحابي فَأَخْبَرْتُهُمْ الَّذِي قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم، فَلَمْ أَلْبَثْ إِلَّا سُوَيْعَةً إِذْ سَمِعْتُ بِلَالًا يُنَادِيِ أَيْ عبد الله بن قَيْسٍ، فَأَجَبْتُهُ، فَقَالَ: أَجِبْ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَدْعُوكَ، فَلَمَّا أَتَيْتُهُ، قَالَ: خُذْ هَذَيْنِ الْقَرِينَيْنِ، وَهَذَيْنِ الْقَرِينَيْنِ (1) -لِسِتَّةِ أَبْعِرَةٍ ابْتَاعَهُنَّ حِينَئِذٍ مِنْ سَعْدٍ- فَانْطَلِقْ بِهِنَّ إلى أَصْحَابِكَ، فَقُلْ: إِنَّ الله -أَوْ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ الله- يَحْمِلُكُمْ عَلَى هَؤُلَاءِ فَارْكَبُوهُنَّ فَانْطَلَقْتُ إِلَيْهِم بِهِنَّ، فَقُلْتُ: إِنَّ النَّبِي صلى الله عليه وسلم يَحْمِلُكُمْ عَلَى هَؤُلَاءِ، وَلَكِنِّي وَاللهِ لَا أَدَعُكُمْ حَتَّى يَنْطَلِقَ مَعِي بَعْضُكُمْ إلى مَنْ سَمِعَ مَقَالَةَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، لَا تَظُنُّوا أَنِّي حَدَّثْتُكُم شَيئًا لَم يَقُلْهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، فَقَالُوا لِي: وَاللهِ إِنَّكَ عِنْدَنَا لَمُصَدَّقٌ وَلَنَفْعَلَنَّ مَا أَحْبَبْتَ، فَانْطَلَقَ أبو مُوسَى بنفَرٍ مِنْهُمْ حَتَّى أَتَوْا الَّذِينَ سَمِعُوا قَوْلَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم مَنْعَهُ إِيَّاهُمْ ثُمَّ إِعْطَاءَهُمْ بَعْدُ فَحَدَّثُوهُمْ بِمِثْلِ مَا حَدَّثَهُمْ بِهِ أبو مُوسَى وخرج النبي صلى الله عليه وسلم متوجهًا إلى تبوك بجيش يقرب من الثلاثين ألف مقاتل (1)، معهم حوالي عشرة آلاف فرس، وخلَّف على المدينة عليَّ بن أبي طالب رضي الله عنه (2)، فَقَالَ عليٌّ للنبي صلى الله عليه وسلم: أَتُخَلِّفُنِي في الصِّبْيَانِ وَالنِسَاءِ؟ قَالَ: “أَلَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى؟ إِلَّا أَنَّهُ لَيْسَ نَبِيٌّ بَعْدِي (3).
وكان خَرَوجَ النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذه الغزوة يَومَ الْخَمِيسِ حيث كَانَ صلى الله عليه وسلم يُحِبُّ أَنْ يَخْرُجَ يَوْمَ الْخَمِيسِ في جميع أصفاره (4).
وفي الطريق أصاب المسلمين مجاعة شديدة وعطش، فعَنْ أبي هُرَيْرَةَ أَوْ أبي سَعِيدٍ (شَكَّ الْأَعْمَشُ) قَالَ: لَمَّا كَانَ غَزْوَةُ تَبُوكَ أَصَابَ النَّاسَ مَجَاعَةٌ، قَالُوا: يَا رَسُولَ الله لَوْ أَذِنْتَ لَنَا فَنَحَرْنَا نَوَاضِحَنَا، فَأَكَلْنَا وَادَّهَنَّا، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: افْعَلُوا، قَالَ فَجَاءَ عُمَرُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله إِنْ فَعَلْتَ قَلَّ الظَّهْرُ وَلَكِنْ ادْعُهُمْ بِفَضْلِ أَزْوَادِهِمْ ثُمَّ ادْعُ الله لَهُمْ عَلَيْهَا بِالْبَرَكَةِ لَعَلَّ الله أَنْ يَجْعَلَ في ذَلِكَ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: “نَعَمْ”، فَدَعَا بنطَعٍ فَبَسَطَهُ ثُمَّ دَعَا بِفَضْلِ أَزْوَادِهِم،قَالَ: فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِيءُ بِكَفِّ ذُرَةٍ، وَيَجِيءُ الْآخَرُ بِكَفِّ تَمْرٍ، وَيَجِيءُ الْآخَرُ بِكَسْرَةٍ، حَتَّى اجْتَمَعَ عَلَى النِّطَعِ مِنْ ذَلِكَ شَيءٌ يَسِيرٌ، فَدَعَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَلَيْهِ بِالْبَرَكَةِ، ثُمَّ قَالَ: خُذُوا في أَوْعِيَتِكُمْ، قَالَ: فَأَخَذُوا في أَوْعِيَتِهِمْ حَتَّى مَا تَرَكُوا في الْعَسْكَرِ وِعَاءً إِلَّا مَلَئُوهُ، قَالَ: فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا وَفَضَلَتْ فَضْلَةٌ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: “أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله وَأَنِّي رَسُولُ الله، لَا يَلْقَى الله بِهِمَا عبد غَيْرَ شَاكٍّ فَيُحْجَبَ عَنْ الْجَنَّةِ” (1).
فأكل الصحابة رضي الله عنهم وشربوا، بعد ما نالوه من جوع وعطش شديَدْين.
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: خرجنا إلى تبوك في قَيظ شديد، فنزلنا منزلًا وأصابنا فيه عطش حتى ظننا أن رقابنا ستنقطع، حتى إن كان أحدنا ليذهب فيلتمس الرحل فلا يرجع حتى يظن أن رقبته ستنقطع، حتى إنَّ الرجل لينحر بعيره فيعتصر فرْثه فيشربه، ثم يجعل ما بقي على كبده، فقال أبو بكر الصديق: يا رسول الله إن الله قد عودك في الدعاء خيرًا، فادع الله لنا، فقال: أتحب ذلك؟ قال: نعم، قال: فرفع يديه نحو السماء، فلم يرجعها حتى قالت السماء فأظلت ثم سكبت، فملئوا ما معهم، ثم ذهبنا ننظر فلم نجدها جاوزت العسكر (2).
فقال الصحابة لأحد المنافقين ممن كان معهم: وَيْحَك؛ هَلْ بَعْدَ هَذَا شَئءٌ؟! قَالَ: سَحَابَةٌ مَارّةٌ وفي الطريق فُقدت ناقة النبي صلى الله عليه وسلم، فقال أحد المنافقين -واسمه زيد بن اللُّصيت- وكان في رَحْل صحابي اسمه عُمارة بن حزم: أليس محمَّد يزعم أنه نبي ويخبركم عن خبر السماء، وهو لا يدري أين ناقته؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمارة عنده: إن رجلاً قال: هذا محمَّد يخبركم أنه نبي، ويزعم أنه يخبركم بأمر السماء وهو لا يدري أين ناقته، وأنا والله ما أعلم إلا ما علمني الله، وقد دلني الله عليها، وهي في هذا الوادي في شِعب كذا وكذا، قد حبستها شجرة بزمامها، فانطلقوا حتى تأتوني بها، فذهبوا فجاءوا بها، فرجع عمارة بن حزم إلى رحله، فقال: والله لعجبٌ من شيء حدثناه رسول الله صلى الله عليه وسلم آنفًا، عن مقالة قائل أخبره الله عنه بكذا وكذا -للذي قال زيد بن اللُّصيت- فقال رجل: ممن كان في رحل عُمارة ولم يحضر رسول الله صلى الله عليه وسلم: زيد والله قال هذه المقالة قبل أن تأتي، فأقبل عمارة على زيد يجأ في عنقه، ويقول: إلى عباد الله، إن في رحلي لداهية وما أشعر، اخرج أي عدو الله من رحلي، فلا تصحبني (1).
ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل يتخلف عنه الرجل، فيقولون: تخلف فلان، فيقول: دعوه فإن يك فيه خير فسيلحقه الله بكم، وإن يك غير ذلك، فقد أراحكم الله منه.
وتلوَّم على أبي ذر بعيرُه، فلما أبطأ عليه، أخذ متاعه فجعله على ظهره، ثم خرج يتبع أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم ماشيًا، ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض منازله، فنظر ناظر من المسلمين، فقال: يا رسول الله، إن هذا الرجل ماش على الطريق، وحده، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كن أبا ذر”، فلما تأمله القوم، قالوا: يا رسول الله هو والله أبو ذر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “رحم الله أبا ذر يمشي وحده، ويموت وحده، وببعث وحده” (1).
وكان أبو خَيْثَمَةَ رضي الله عنه رَجَعَ -بَعْدَ أَن سَارَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أَيّامًا- إلَى أَهْلِهِ في يَوْمٍ حَارّ، فَوَجَدَ امْرَأَتَيْنِ لَهُ في عَرِيشَيْنِ (2) لَهُمَا في حَائِطِهِ، قَدْ رَشّتْ كُلّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَرِيشَهَا، وَبَرّدَتْ لَهُ فِيهِ مَاءً، وَهَيّأَتْ لَهُ فِيهِ طَعَامًا، فَلَمّا دَخَلَ قَامَ عَلَى بَابِ الْعَرِيشِ، فَنَظَرَ إلَى امْرَأَتَيْهِ وَمَا صَنَعَتَا لَهُ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم في الضّحّ (3) وَالرّيحِ وَالْحَرّ، وَأبو خَيْثَمَةَ في ظِلّ بَارِدٍ، وَطَعَامٍ مُهَيّأٍ، وَامْرَأَةٍ حَسْنَاءَ، في مَالِهِ مُقِيمٌ، مَا هَذَا بِالنّصَفِ، ثُمَّ قَالَ: وَاَللهِ لَا أَدْخُلُ عَرِيشَ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا حَتّى أَلْحَقَ بِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَهَيّئا لِي زَادًا، فَفَعَلَتَا، ثُمَّ قَدّمَ نَاضِحَهُ فَارْتَحَلَهُ، ثُمَّ خَرَجَ في طَلَبِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم حَتّى أَدْرَكَهُ حِينَ نَزَلَ تَبُوكَ، وَقَدْ كَانَ أَدْرَكَ أَبَا خَيثَمَةَ عُمَير بن وَهْبٍ الْجُمَحِي في الطّرِيقِ، يَطْلُبُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم، فَتَرَافَقَا، حَتّى إذَا دَنَوَا مِنْ تَبُوكَ، قَالَ أبو خَيْثَمَةَ لِعُمَيْرِ بن وَهْبٍ: إنّ لي ذَنْبًا، فَلَا عَلَيْك أَنْ تَخَلّفَ عَنّي حَتّى آتِيَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم، فَفَعَلَ حَتّى إذا دَنَا مِنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وَهُوَ نَازِلٌ بِتَبُوكَ، قَالَ النّاسُ: هَذَا رَاكِبٌ عَلَى الطّرِيقِ مُقْبِلٌ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: “كُنْ أَبَا خَيثَمَةَ”، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ الله هُوَ وَاَللهِ أبو خَيْثمَةَ، فَلَمّا أَنَاخَ أَقْبَلَ فَسَلّمَ عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: “أَوْلَى لَكَ (4) يَا أَبَا خَيثَمَة”، ثُمَّ أَخْبَرَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم الْخَبَرَ؛ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: “خَيرًا”، وَدَعَا لَهُ بِخَيرِ (1).
ولما وصلوا إلى تبوك حدث أيضًا ما يرويه مُعَاذ بن جَبَلٍ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كَانَ يَجْمَعُ الصَّلَاةَ، فَصَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمًا أَخَّرَ الصَّلَاةَ، ثُمَّ خَرَجَ، فَصلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا، ثُمَّ دَخَلَ، ثُمَّ خَرَجَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَصَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا، ثُمَّ قَالَ: “إِنكُمْ سَتَاْتُونَ غَدًا إِنْ شَاءَ الله عَيْنَ تَبُوكَ، وَإِنكم لَنْ تَأْتُوهَا حَتَّى يُضْحِيَ النَّهَارُ، فَمَنْ جَاءَهَا مِنْكُمْ فَلَا يَمَسَّ مِنْ مَائِهَا شَيْئًا حَتَّى آتِيَ”، فَجِئْنَاهَا وَقَدْ سَبَقَنَا إِلَيْهَا رَجُلَانِ، وَالْعَيْنُ مِثْلُ الشِّرَاكِ تَبِضُّ بِشَئءٍ مِنْ مَاءٍ، قَالَ: فَسَأَلَهُمَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: “هَلْ مَسَسْتُمَا مِنْ مَائِهَا شَيئًا؟ “، قَالَا: نَعَمْ، فَسَبَّهُمَا النَّبِي صلى الله عليه وسلم، وَقَالَ لَهُمَا: “مَا شَاءَ الله أَنْ يَقُولَ”، ثُمَّ غَرَفُوا بِأَيْدِيهِمْ مِنْ الْعَيْنِ قَلِيلًا قَلِيلًا حَتَّى اجْتَمَعَ في شَئءٍ، وَغَسَلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فِيهِ يَدَيْهِ وَوَجْهَهُ، ثُمَّ أَعَادَهُ فِيهَا، فَجَرَتْ الْعَيْنُ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ -أَوْ قَالَ: غَزِيرٍ- حَتَّى اسْتَقَى النَّاسُ، ثُمَّ قَالَ: “يُوشِكُ يَا مُعَاذُ إِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ أَنْ تَرَى مَا هَا هُنَا قَدْ مُلِئَ جِنَانًا” (2).
وأَقَامَ النبي صلى الله عليه وسلم بِتَبُوكَ عِشْرِينَ يَوْمًا (3)، فلم يلق كيدًا؛ حيث خافه ملكُ بني الأصفر والقبائل العربية المتنصّرة، فلم يحضروا.
فقفل النبي صلى الله عليه وسلم بجيشه راجعًا إلى المدينة، بعد ما عرف الجميع قوة الجيش الإسلامي التي ظنوا أنها ستضعف بعد مؤتة، فوجودوها قد ازدادت قوة وصلابة، حتى إنهم قد خافوا الخروج إليهم.
وصدق رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم حيث قام من الليل يصلي -وهو في تَبُوكِ- فَاجْتَمَعَ وَرَاءَهُ رِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِهِ يَحْرُسُونَهُ، حَتَّى إِذَا صَلَّى وَانْصَرَفَ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ لَهُمْ: “لَقَدْ أُعْطِيتُ اللَّيلَةَ خَمْسًا، مَا أُعْطِيَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي: أَمَّا أَنَا فَأُرْسِلْتُ إلى النَّاسِ كُلِّهِمْ عَامَّةً، وَكَانَ مَنْ قَبْلِي إِنَّمَا يُرْسَلُ إِلَى قَوْمِهِ، وَنُصِرْتُ عَلَى الْعَدُوِّ بِالرُّعْبِ، وَلَوْ كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ مَسِيرَةُ شَهْرٍ لَمُلِئَ مِنْهُ رُعْبًا، وَأُحِلَّتْ لِي الْغَنَائِمُ آكُلُهَا، وَكَانَ مَنْ قَبْلِي يُعَظِّمُونَ أَكْلَهَا؛ كَانُوا يُحْرِقُونَهَا، وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسَجِدًا وَطَهُورًا، أَيْنَمَا أَدْرَكَتْنِي الصَّلَاةُ تَمَسَّحْتُ وَصَلَّيْتُ، وَكَانَ مَنْ قَبْلِي يُعَظِّمُونَ ذَلِكَ، إِنَّمَا كَانُوا يُصَلُّونَ في كَنَائِسِهِم وَبِيَعِهِمْ، وَالْخَامِسَةُ هِيَ مَا هِيَ، قِيلَ لِي: سَلْ، فَإنَّ كُلَّ نَبِيٍّ قَدْ سَأَلَ، فَأَخَّرْتُ مَسْأَلَتِي إلى يَوْمِ الْقِيَامة، فَهِيَ لَكُم وَلِمَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله” (1).
ومما حدث أيضًا في هذه الغزوة ما يرويه أبو حُمَيْد الساعدي رضي الله عنه حيث قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم في غَزْوَةِ تَبُوكَ، ثُمَّ أَقْبَلْنَا حَتَّى قَدِمْنَا وَادِي الْقُرَى، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: “إِنِّي مُسْرِعٌ، فَمَنْ شَاءَ مِنْكُنم فَلْيُسْرِعْ مَعِي، وَمَنْ شَاءَ فَلْيَمْكُثْ”، فَخَرَجْنَا، حَتَّى أَشْرَفْنَا عَلَى الْمَدِينَةِ، فَقَالَ: “هذِهِ طَابَةُ، وَهَذَا أُحُدٌ وَهُوَ جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ” (2).
وفي مرَجَعَ النبي صلى الله عليه وسلم مِنْ تَبُوكَ، وحين دَنَا مِنْ الْمَدِينَةِ، قال صلى الله عليه وسلم: “إِنَّ بِالْمَدِينَةِ أَقْوَامًا، مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا وَلَا قَطَعْتُمْ وَادِيًا إِلَّا كَانُوا مَعَكُمْ”، قَالُوا: يَا رَسُولَ الله وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ؟ قَالَ: وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ حَبَسَهُمْ الْعُذْرُ

عَنْ عبد اللهْ بن عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم لَمَّا نَزَلَ الْحِجْرَ في غَزْوَةِ تَبُوكَ أَمَرَهُمْ أَنْ لَا يَشْرَبُوا مِنْ بِئْرِهَا وَلَا يَسْتَفوا مِنْهَا، فَقَالُوا: قَدْ عَجَنَّا مِنْهَا وَاسْتَقَيْنَا؟ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَطْرَحُوا ذَلِكَ الْعَجِينَ وَيُهَرِيقُوا ذَلِكَ الْمَاءَ (1).
وفي رواية عَنِ ابْنِ عُمَرَ أيضًا أن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يُهَرِيقُوا مَا اسْتَقَوْا مِنْ بِئْرِهَا، وَأَنْ يَعْلِفُوا الْإِبِلَ الْعَجِينَ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَسْتَقُوا مِنْ الْبِئْرِ الَّتِي كَانَتْ تَرِدُهَا النَاقَةُ (2).
وعنه أيضًا رضي الله عنه أَنَّ النَّبِي صلى الله عليه وسلم لَمَّا مَرَّ بِالْحِجْرِ (3)، قَالَ: “لَا تَدْخُلُوا مَسَاكِنَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ إِلَّا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ؛ أَنْ يُصِيبَكُمْ مَا أَصَابَهُمْ”، ثُمَّ تَقَنَّعَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بِرِدَائِهِ وَهُوَ عَلَى الرَّحْلِ.
وفي رواية: ثُمَّ زَجَرَ فَأَسْرَعَ حَتَّى خَلَّفَهَا

ولما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك أتاه يحنة بن رؤبة، صاحب أَيْلَة، فصالح رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعطاه الجزية، وأتاه أهل جَرْباءَ وأذرح فأعطوه الجزية، فكتب ليحنة بن رؤبة:
(بسم الله الرحمن الرحيم، هذه أمنة من الله ومحمد النبي ليُحنَّة بن رُؤبة وأهل أيلة، سفنهم وسيارتهم في البر والبحر: لهم ذمة الله، وذمة محمد النبي، ومن كان معهم من أهل الشام، وأهل اليمن، وأهل البحر، فمن أحدث منهم حدثًا، فإنه لا يحول ماله دون نفسه، وإنه طيِّب لمن أخذه من الناس، وإنه لا يحل أن يُمنعوا ماءً يردُونه، ولا طريقًا يريدونه، من برٍّ أو بحر)

وكتب صلى الله عليه وسلم لأهل جَرْباءَ وأذرح:
(بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من محمد النبي رسول الله لأهل جَرْباء وأذرح، أنهم آمنون بأمان الله وأمان محمد، وأن عليهم مائة دينار في كلِّ رجب، ومائة أوقيَّة طيبة، وأن الله عليهم كفيل بالنصح والإحسان إلى المسلمين، ومن لجأ إليهم من المسلمين

بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد، إلى أكُيدر بن عبد الملك، وهو رجل من كندة كان ملكًا عليها، وكان نصرانيًا، فخرج خالد في ليلة مقمرة صائفة، وخرج أكيدر مع أهل بيته، فيهم أخ له يقال له: حسان، يصطادون البقر، فتلقتهم خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذته، وقتلوا أخاه، وقد كان عليه قباء من ديباج مُخوَّص بالذهب، فاستلبه خالد، فبعث به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل قدومه به عليه (1).
ثم إنَّ خالدًا قدم بأكيدر على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحقن له دمه، وصالحه على الجزية (2).
وعن أَنَسِ بن مَالِكٍ رضي الله عنه أن أكيدر دومة الجندل أهدى لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم حُلَّة مِنْ سُنْدُسٍ، فَعَجِبَ النَّاسُ مِنْهَا، فَقَال: “وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنَّ مَنَادِيلَ سَعْدِ بن مُعَاذٍ في الْجَنَّةِ أَحْسَنُ مِنْ هَذَا”

عن الْمُغِيرَةِ بن شُعْبَةَ قال: عَدَلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وَأَنَا مَعَهُ في غَزْوَةِ تَبُوكَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَعَدَلْتُ مَعَهُ، فَأَنَاخَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَتَبَرَّزَ، ثُمَّ جَاءَ فَسَكَبْتُ عَلَى يَدِهِ مِنْ الْإِدَاوَةِ، فَغَسَلَ كَفَّيْهِ ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ، ثُمَّ حَسَرَ عَنْ ذِرَاعَيْهِ فَضَاقَ كُمَّا جُبَّتِهِ، فَأَدْخَلِ يَدَيْهِ فَأَخْرَجَهُمَا مِنْ تَحْتِ الْجُبَّةِ، فَغَسَلَهُمَا إلى الْمِرْفَقِ وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ، ثُمَّ تَوَضَّأ عَلَى خُفَّيْهِ، ثُمَّ رَكِبَ، فَأَقْبَلْنَا نَسِيرُ حَتَّى نَجِدَ النَّاسَ في الصَّلَاةِ قَدْ قَدَّمُوا عبد الرَّحْمَنِ بن عَوْفٍ، فَصلَّى بِهِمْ حِينَ كَانَ وَقْتُ الصَّلَاةِ، وَوَجَدْنَا عبد الرَّحْمَنِ وَقَدْ رَكَعَ بِهِمْ رَكْعَةً مِنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ، فَقَامَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فَصَفَّ مَعَ الْمُسْلِمِينَ، فَصَلَّى وَرَاءَ عبد الرَّحْمَنِ بن عَوْفٍ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ، ثُمَّ سَلَّمَ عبد الرَّحْمَنِ، فَقَامَ النبي صلى الله عليه وسلم في صَلَاتِهِ فَفَزعَ الْمُسْلِمُونَ فَأَكْثَرُوا التَّسْبِيحَ؛ لِأَنَّهُمْ سَبَقُوا النَّبِي صلى الله عليه وسلم بِالصَّلَاةِ، فَلَمَّا سَلَّمَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُمْ: “قَدْ أصَبتُمْ أَوْ قَدْ أَحْسَنْتُمْ”.
وفي رواية: قال الْمُغِيرَةُ فَانْتَهَيْنَا إلى الْقَوْمِ وَقَدْ قَامُوا في الصَّلَاةِ يُصَلِّي بهِمْ عبد الرَّحْمَنِ بن عَوْفٍ، وَقَدْ رَكَعَ بِهِمْ رَكْعَةً، فَلَمَّا أَحَسَّ بِالنَّبِيّ ذَهَبَ يَتَأخَّرُ فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ فَصَلَّى بِهِمْ، فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَقُمْتُ، فَرَكًعْنَا الرَّكْعَةَ الَّتِي سَبَقَتْنَا

عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قمت من جوف الليل، وأنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، قال: فرأيت شعلة من نار في ناحية العسكر، قال: فاتَّبعتها أنظر إليها، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر، وعمر، وإذا عبد الله ذو البجادين المزنيُّ قد مات، وإذا هم حفروا له، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في حفرته، وأبو بكر وعمر يدنيانه إليه، وهو يقول: “ادنيا إلى أخاكما”، فدلَّياه إليه، فلما هيأه لشقه قال: “اللهم إني أمسيت راضيًا عنه، فارض عنه”. قال: يقول عبد الله بن مسعود: يا ليتني كنت صاحب الحفرة

عَنْ أبي الطُّفَيلِ قَالَ: لَمَّا أَقْبَلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ أَمَرَ مُنَادِيًا فَنَادَى: إِنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم أَخَذَ الْعَقَبَةَ فَلَا يَأْخُذْها أَحَدٌ، فَبَيْنَمَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَقُودُهُ حُذَيْفَةُ، وَيَسُوقُ بِهِ عَمَّارٌ إِذْ أَقبَلَ رَهْطٌ مُتَلَثِّمُونَ عَلَى الرَّوَاحِلِ غَشَوْا عَمَّارًا وَهُوَ يَسُوقُ بِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وَأَقْبَلَ عَمَّارٌ يَضْرِب وُجُوهَ الرَّوَاحِلِ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم لِحُذَيْفَةَ: “قَدْ قَدْ” حَتَّى هَبَطَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا هَبَطَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم نَزَلَ وَرَجَعَ عَمَّارٌ فَقَالَ: “يَا عَمَّارٌ هَلْ عَرَفْتَ الْقَوْمَ؟ ” فَقَالَ: قَدْ عَرَفْتُ عَامَّةَ الرَّوَاحِلِ، والْقَوْمُ مُتَلَثِّمُونَ، قَالَ: “هَلْ تَدْرِي مَا أَرَادُوا؟ ” قَالَ: الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: “أَرَادُوا أَنْ يَنْفِرُوا بِرسولِ الله فَيَطْرَحُوهُ”

أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل بذي أوان -بلد بينه وبين المدينة ساعة من نهار- وكان أصحاب مسجد الضرار قد كانوا أتوه وهو يتجهز إلى تبوك،فقالوا: يا رسول الله، إنا قد بنينا مسجدًا لذي العلة والحاجة والليلة المطيرة والليلة الشاتية، وإنا نحب أن تاتينا، فتصلي لنا فيه؛ فقال: “إني على جناح سفر، وحال شغل، ولو قد قدمنا إن شاء الله لأتيناكم، فصلينا لكم فيه”.
فلما نزل بذي أوان أتاه خبر المسجد، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك بن الدُّخْشُم، أخا بني سالم بن عوف ومعن بن عدي، أو أخاه عاصم بن عدي، أخا بني العجلان، فقال: “انطلقا إلى هذا المسجد الظالم أهله، فاهدماه وحرقاه”، فخرجا سريعين حتى أتيا بني سالم بن عوف -وهم رهط مالك بن الدُّخْشَم- فقال مالك لمعن: أنظرني حتى أخرج إليك بنار من أهلي، فدخل إلى أهله، فأخذ سعفًا من النخل، فأشعل فيه نارًا ثم خرجا يشتدَّان حتى دخلاه وفيه أهله، فحرقاه وهدماه، وتفرقوا عنه، ونزل فيهم من القرآن ما نزل: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (107) لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108) أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (109) لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (110)} [التوبة: 107 – 110]عَنْهَا إِنَّمَا خَرَجَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يُرِيدُ عِيرَ قُرَيْشٍ حَتَّى جَمَعَ الله بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ عَدُوِّهِمْ عَلَى غَيْرِ مِيعَادٍ وَلَقَدْ شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ حِينَ تَوَاثَقْنَا عَلَى الْإِسْلَامِ وَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِهَا مَشْهَدَ بَدْرٍ وإِنْ كَانَتْ بَدْرٌ أَذْكَرَ في النَّاسِ مِنْهَا كَانَ مِنْ خَبَرِي أَني لَمْ أَكُنْ قَطُّ أَقْوَى وَلَا أَيْسَرَ حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْهُ في تِلْكَ الْغَزَاةِ وَاللهِ مَا اجْتَمَعَتْ عِنْدِي قَبْلَهُ رَاحِلَتَانِ قَطُّ حَتَّى جَمَعْتُهُمَا في تِلْكَ الْغَزْوَةِ وَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يُرِيدُ غَزْوَةً إِلَّا وَرَّى بِغَيرِهَا حَتَّى كَانَتْ تِلْكَ الْغَزْوَةُ غَزَاهَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم في حَرٍّ شَدِيدٍ وَاسْتَقْبَلَ سَفَرًا بَعِيدًا وَمَفَازًا وَعَدُوًّا كَثِيرًا فَجَلَّى لِلْمُسْلِمِينَ أَمْرَهُمْ لِيَتَأَهَّبُوا أُهْبَةَ غَزْوِهِمْ فَأَخْبَرَهُمْ بِوَجْهِهِ الَّذِي يُرِيدُ وَالْمُسْلِمُونَ مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم كَثِيرٌ وَلَا يَجْمَعُهُمْ كِتَابٌ حَافِظٌ يُرِيدُ الدِّيوَانَ قَالَ كَعْبٌ فَمَا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَتَغَيَّبَ إِلَّا ظَنَّ أَنْ سَيَخْفَى لَهُ مَا لَمْ يَنْزِلْ فِيهِ وَحْيُ الله وَغَزَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم تِلْكَ الْغَزْوَةَ حِينَ طَابَتْ الثِّمَارُ وَالظِّلَالُ وَتَجَهَّزَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وَالْمُسْلِمُونَ مَعَهُ فَطَفِقْتُ أَغْدُو لِكَيْ أَتَجَهَّزَ مَعَهُم فَأَرْجِعُ وَلَمْ أَقْضِ شَيْئًا فَأَقُولُ في نَفْسِي أَنَا قَادِرٌ عَلَيْهِ فَلَمْ يَزَلْ يَتَمَادَى بِي حَتَّى اشْتَدَّ بِالنَّاسِ الْجِدُّ فَأَصْبَحَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وَالْمُسْلِمُونَ مَعَهُ وَلَمْ أَقْضِ مِنْ جَهَازِي شَيْئًا فَقُلْتُ أَتَجَهَّزُ بَعْدَهُ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ ثُمَّ أَلْحَقُهُمْ فَغَدَوْتُ بَعْدَ أَنْ فَصَلُوا لِأَتَجَهَّزَ فَرَجَعْتُ وَلَمْ أَقْضِ شَيْئًا ثُمَّ غَدَوْتُ ثُمَّ رَجَعْتُ وَلَمْ أَقْضِ شَيئًا فَلَمْ يَزَلْ بِي حَتَّى أَسْرَعُوا وَتَفَارَطَ الْغَزْوُ وَهَمَمْتُ أَنْ أَرْتَحِلَ فَأُدْرِكَهُمْ وَلَيْتَنِي فَعَلْتُ فَلَمْ يُقَدَّرْ لِي ذَلِكَ فَكُنْتُ إِذَا خَرَجْتُ في النَّاسِ بَعْدَ خُرُوجِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَطُفْتُ فِيهِمْ أَحْزَنَنِي أَنِّي لَا أَرَى إِلَّا رَجُلًا مَغْمُوصًا عَلَيهِ النِّفَاقُ أوْ رَجُلًا مِمَّنْ عَذَرَ الله مِنْ الضعَفَاءِ وَلَمْ يَذْكُرنِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم حَتَّى بَلَغَ تَبُوكَ فَقَالَ وَهُوَ جَالِسٌ في الْقَوْمِ بِتَبُوكَ مَا فَعَلَ كَعْبٌ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بني سَلِمَةَ: يَا رَسُولَ الله حَبَسَهُ بُردَاهُ وَنَظَرُهُ في عِطْفِهِ فَقَالَ مُعَاذُ بن جَبَلٍ: بِئْسَ مَا قُلْتَ وَاللهِ يَا رسُولَ الله مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ إِلَّا خَيْرًا فَسَكَتَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ كَعْبُ بن مَالِكٍ فَلَمَّا بَلَغَنِي أَنَّهُ تَوَجَّهَ قَافِلًا حَضَرَنِي هَمِّي وَطَفِقْتُ أَتَذَكَّرُ الْكَذِبَ وَأَقُولُ بِمَاذَا أَخْرُجُ مِنْ سَخَطِهِ غَدًا وَاسْتَعَنْتُ عَلَى ذَلِكَ بِكُلِّ ذِي رَأْيٍ مِنْ أَهْلِي فَلَمَّا قِيلَ إِنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَدْ أَظَلَّ قَادِمًا زَاحَ عَنِّي الْبَاطِلُ وَعَرَفْتُ أَنِّي لَنْ أَخْرُجَ مِنْهُ أَبَدًا بِشَيءٍ فِيهِ كَذِبٌ فَأَجْمَعْتُ صِدْقَهُ وَأَصْبَحَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم قَادِمًا وَكَانَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَيَركَعُ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ جَلَسَ لِلنَّاسِ فَلَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ جَاءَهُ الْمُخَلَّفُونَ فَطَفِقُوا يَعْتَذِرُونَ إِلَيْهِ وَيَحْلِفُونَ لَهُ وَكَانُوا بِضْعَةً وَثَمَانِينَ رَجُلًا فَقَبِلَ مِنْهُم رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَلَانِيَتَهُمْ وَبَايَعَهُمْ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ وَوَكَلَ سَرَائِرَهُمْ إلى الله فَجِئْتُهُ فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَيهِ تَبَسَّمَ تَبَسُّمَ الْمُغْضَبِ ثُمَّ قَالَ: “تَعَالَ” فَجِئْتُ أَمْشِي حَتَّى جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ لِي: “مَا خَلَّفَكَ أَلَمْ تَكُنْ قَدْ ابْتَعْتَ ظَهْرَكَ” فَقُلْتُ: بَلَى إِنِّي وَاللهِ لَوْ جَلَسْتُ عِنْدَ غَيرِكَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا لَرَأَيْتُ أَنْ سَأَخْرُجُ مِنْ سَخَطِهِ بِعُذْرٍ وَلَقَدْ أُعْطِيتُ جَدَلًا وَلَكِنِّي وَاللهِ لَقَدْ عَلِمْتُ لَئِنْ حَدَّثْتُكَ الْيَوْمَ حَدِيثَ كَذِبٍ تَرضَى بِهِ عَنِّي لَيُوشِكَنَّ الله أَنْ يُسْخِطَكَ عَلَيَّ وَلَئِنْ حَدَّثْتُكَ حَدِيثَ صِدْقٍ تَجِدُ عَلَىَّ فِيهِ إِنِّي لَأَرْجُو فِيهِ عَفْوَ الله لَا وَاللهِ مَا كَانَ لِي مِنْ عُذْرٍ وَاللهِ مَا كُنْتُ قَطُّ أَقْوَى وَلَا أَيْسَرَ مِنِّي حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْكَ فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: “أَمَّا هَذَا فَقَدْ صَدَقَ فَقُمْ حَتَّى يَقْضِيَ الله فِيكَ” فَقُمْتُ وَثَارَ رِجَالٌ مِنْ بني سَلِمَةَ فَاتَّبَعُونِي فَقَالُوا لِي وَاللهِ مَا عَلِمْنَاكَ كُنْتَ أَذْنَبْتَ ذَنْبًا قَبْلَ هَذَا وَلَقَدْ عَجَزْتَ أَنْ لَا تَكُونَ اعْتَذَرْتَ إلى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم بِمَا اعْتَذَرَ إِلَيْهِ الْمُتَخَلِّفُونَ قَدْ كَانَ كَافِيَكَ ذَنْبَكَ اسْتِغْفَارُ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم لَكَ فَوَاللهِ مَا زَالُوا يُؤَنِّبُونِي حَتَّى أَرَدْتُ أَنْ أَرْجِعَ فَأُكَذِّبَ نَفْسِي ثُمَّ قُلْتُ لَهُمْ: هَلْ لَقِيَ هَذَا مَعِي أَحَدٌ؟ قَالُوا: نَعَمْ رَجُلَانِ قَالَا مِثْلَ مَا قُلْتَ فَقِيلَ لَهُمَا مِثْلُ مَا قِيلَ لَكَ فَقُلْتُ: مَنْ هُمَا؟ قَالُوا: مُرَارَةُ بن الرَّبِيعِ الْعَمْرِيُّ وَهِلَالُ بن أُمَيَّةَ الْوَاقِفِيُّ فَذَكَرُوا لِي رَجُلَيْنِ صَالِحَيْنِ قَدْ شَهِدَا بَدْرًا فِيهِمَا أُسْوَةٌ فَمَضَيْتُ حِينَ ذَكَرُوهُمَا لِي وَنَهَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم الْمُسْلِمِينَ عَنْ كَلَامِنَا أَيُّهَا الثَّلَاثَةُ مِنْ بَيْن مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ فَاجْتَنَبَنَا النَّاسُ وَتَغَيَّرُوا لَنَا حَتَّى تَنَكَّرَتْ في نَفْسِي الْأَرْضُ فَمَا هِيَ الَّتِي أَعْرِفُ فَلَبِثْنَا عَلَى ذَلِكَ خَمْسِينَ لَيْلَة فَأَمَّا صَاحِبَايَ فَاسْتَكَانَا وَقَعَدَا في بُيُوتِهِمَا يَبْكِيَانِ وَأَمَّا أَنَا فَكُنْتُ أَشَبَّ الْقَوْمِ وَأَجْلَدَهُمْ فَكُنْتُ أَخْرُجُ فَأَشْهَدُ الصَّلَاةَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ وَأَطُوفُ في الْأَسْوَاقِ وَلَا يُكَلِّمُنِي أَحَدٌ وَآتِي رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم فَأُسَلِّمُ عَلَيْهِ وَهوَ في مَجْلِسِهِ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَأَقُولُ في نَفْسِي هَلْ حَرَّكَ شَفَتَيْهِ بِرَدِّ السَّلَامِ عَلَىَّ أَمْ لَا ثمَّ أُصَلِّي قَرِيبًا مِنْهُ فَأُسَارِقُهُ النَّظَرَ فَإِذَا أَقْبَلْتُ عَلَى صَلَاتِي أَقْبَلَ إِلَيَّ وإِذَا الْتَفَتُّ نَحْوَهُ أَعْرَضَ عَنِّي حَتَّى إِذَا طَالَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ جَفْوَةِ النَّاسِ مَشَيْتُ حَتَّى تَسَوَّرْتُ جِدَارَ حَائِطِ أبي قَتَادَةَ وَهُوَ ابْنُ عَمِّي وَأَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَوَاللهِ مَا رَدَّ عَلَيَّ السَّلَامَ فَقُلْتُ: يَا أَبَا قَتَادَةَ أَنْشُدُكَ بِاللهِ هَلْ تَعْلَمُنِي أُحِبُّ الله وَرَسُولَهُ فَسَكَتَ فَعُدْتُ لَهُ فَنَشَدْتُهُ فَسَكَتَ فَعُدْتُ لَهُ فَنَشَدْتُهُ فَقَالَ: الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ فَفَاضَتْ عَيْنَايَ وَتَوَلَّيْتُ حَتَّى تَسَوَّرْتُ الْجِدَارَ قَالَ: فَبَيْنَا أَنَا أَمْشِي بِسُوقِ الْمَدِينَةِ إِذَا نَبَطِيٌّ مِنْ أَنْبَاطِ أَهْلِ الشَّأْمِ مِمَّنْ قَدِمَ بِالطَّعَامِ يَبِيعُهُ بِالْمَدِينَةِ يَقُولُ مَنْ يَدُلُّ عَلَى كَعْبِ بن مَالِكٍ فَطَفِقَ النَّاسُ يُشِيرُونَ لَهُ حَتَّى إِذَا جَاءَنِي دَفَعَ إِلَيَّ كِتَابًا مِنْ مَلِكِ غَسَّانَ فَإِذَا فِيهِ أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي أَن صَاحِبَكَ قَدْ جَفَاكَ وَلَمْ يَجْعَلْكَ الله بِدَارِ هَوَانٍ وَلَا مَضْيَعَةٍ فَالْحَقْ بنا نُوَاسِكَ فَقُلْتُ لَمَّا قَرَأْتُهَا: وَهَذَا أيْضًا مِنْ الْبَلَاءِ فَتَيَمَّمْتُ بِهَا التَّنُّورَ فَسَجَرْتُهُ بِهَا حَتَّى إِذَا مَضَتْ أَرْبَعُونَ لَيْلَةً مِنْ الْخَمْسِينَ إِذَا رَسُولُ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم يَأْتِينِي فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُكَ أَنْ تَعْتَزِلَ امْرَأَتَكَ فَقُلْتُ: أُطَلِّقُهَا أَمْ مَاذَا أَفْعَلُ؟ قَالَ: لَا بَلْ اعْتَزِلْهَا وَلَا تَقْرَبْهَا وَأَرْسَلَ إلى صَاحِبَيَّ مِثْلَ ذَلِكَ فَقُلْتُ لِامْرَأَتِي: الْحَقِي بِأَهْلِكِ فَتَكُونِي عِنْدَهُمْ حَتَّى يَقْضِيَ الله في هَذَا الْأَمْرِ قَالَ كَعْبٌ: فَجَاءَتْ امْرَأَةُ هِلَالِ بن أُمَيَّةَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ الله إِنَّ هِلَالَ بن أُمَيَّةَ شَيْخٌ ضَائِعٌ لَيْسَ لَهُ خَادِمٌ فَهَلْ تَكْرَهُ أَنْ أَخْدُمَهُ؟ قَالَ: “لَا وَلَكِنْ لَا يَقْرَبْكِ” قَالَتْ: إِنَّهُ وَاللهِ مَا بِهِ حَرَكَةٌ إلى شَيءٍ وَاللهِ مَا زَالَ يَبْكِي مُنْذُ كَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا كَانَ إلى يَوْمِهِ هَذَا فَقَالَ لِي بَعْضُ أَهْلِي: لَوْ اسْتَأْذَنْتَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم في امْرَأَتِكَ كَمَا أَذِنَ لِامْرَأَةِ هِلَالِ بن أمَيَّةَ أَنْ تَخْدُمَهُ فَقُلْتُ: وَاللهِ لَا أَسْتَأْذِنُ فِيهَا رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم وَمَا يُدْرِينِي مَا يَقُولُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إِذَا اسْتَأْذَنْتُهُ فِيهَا وَأَنَا رَجُلٌ شَابٌّ فَلَبِثْتُ بَعْدَ ذَلِكَ عَشْرَ لَيَالٍ حَتَّى كَمَلَتْ لَنَا خَمْسُونَ لَيْلَةً مِنْ حِينَ نَهَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَنْ كَلَامِنَا فَلَمَّا صَلَّيْتُ صَلَاةَ الْفَجْرِ صُبْحَ خَمْسِينَ لَيْلَةً وَأَنَا عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِنَا فَبَيْنَا أَنَا جَالِسٌ عَلَى الْحَالِ الَّتِي ذَكَرَ الله قَدْ ضَاقَتْ عَلَيَّ نَفْسِي وَضَاقَتْ عَلَىَّ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ سَمِعْتُ صَوْتَ صَارِخٍ أَوْفَى عَلَى جَبَلِ سَلْعٍ بِأَعْلَى صوْتِهِ: يَا كَعْبُ بن مَالِكٍ أَبْشِرْ قَالَ: فَخَرَرْتُ سَاجِدًا وَعَرَفْتُ أَنْ قَدْ جَاءَ فَرَجٌ وَآذَنَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بِتَوْبَةِ الله عَلَينَا حِينَ صلَّى صلَاةَ الْفَجْرِ فَذَهَبَ النَّاسُ يُبَشِّرُونَنَا وَذَهَبَ قِبَلَ صَاحِبَيَّ مُبَشِّرُونَ وَرَكَضَ إِلَيَّ رَجُلٌ فَرَسًا وَسَعَى سَاعٍ مِنْ أَسْلَمَ فَأَوْفَى عَلَى الْجَبَلِ وَكَانَ الصَّوْتُ أَسْرَعَ مِنْ الْفَرَسِ فَلَمَّا جَاءَنِي الَّذِي سَمِعْتُ صَوْتَهُ يُبَشِّرُنِي نَزَعْتُ لَهُ ثَوْبَيَّ فَكَسَوْتُهُ إِيَّاهُمَا بِبُشْرَاهُ وَاللهِ مَا أَمْلِكُ غَيْرَهُمَا يَوْمَئِذٍ وَاسْتَعَرْتُ ثَوْبَيْنِ فَلَبِسْتُهُمَا وَانْطَلَقْتُ إلى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَيَتَلَقَّانِي النَّاسُ فَوْجًا فَوْجًا يُهَنُّونِي بِالتَّوْبَةِ يَقُولُونَ: لِتَهْنِكَ تَوْبَةُ الله عَلَيْكَ قَاْلَ كَعْبٌ: حَتَّى دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَإِذَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم جَالِسٌ حَوْلَهُ النَّاسُ فَقَامَ إِلَيَّ طَلْحَةُ بن عُبَيْدِ الله يُهَرْوِلُ حَتَّى صَافَحَنِي وَهَنَّانِي وَاللهِ مَا قَامَ إِلَيَّ رَجُلٌ من الْمُهَاجِرِينَ غَيْرَهُ وَلَا أَنْسَاهَا لِطَلْحَةَ قَالَ كَعْبٌ فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَبْرُقُ وَجْهُهُ مِنْ السُّرُورِ: “أَبْشِرْ بِخَيْرِ يَوْمٍ مَرَّ عَلَيْك مُنْذُ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ” قَالَ: قُلْتُ: أَمِنْ عِنْدِكَ يَا رَسُولَ الله أَمْ مِنْ عِنْدِ الله قَالَ: “لَا بَلْ مِنْ عِنْدِ الله” وَكَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إِذَا سُرَّ اسْتَنَارَ وَجْهُهُ حَتَّى كَأَنَّهُ قِطْعَةُ قَمَرٍ وَكُنَّا نَعْرِفُ ذَلِكَ مِنْهُ فَلَمَّا جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً إلى الله وَإِلَى رَسُولِ الله قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: “أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ فَهُوَ خَير لَكَ” قُلْتُ: فَإِنِّي أُمْسِكُ سَهْمِي الَّذِي بِخَيبَرَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله إِنَّ الله إِنَمَا نَجَّانِي بِالصِّدْقِ وإِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ لَا أُحَدِّثَ إِلَّا صِدْقًا مَا بَقِيتُ فَوَاللهِ مَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَبْلَاهُ الله في صِدْقِ الْحَدِيثِ مُنْذُ ذَكَرتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم أَحْسَنَ مِمَّا أَبْلَانِي مَا تَعَمَّدْتُ مُنْذُ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم إلى يَوْمِي هَذَا كَذِبًا وإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَحْفَظَنِي الله فِيمَا بَقِيتُ وَأَنْزَلَ الله عَلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ} إلى قَوْلِهِ: {وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119)} فَوَاللهِ مَا أَنْعَمَ الله عَلَيَّ مِنْ نِعْمَةٍ قَطُّ بَعْدَ أَنْ هَدَانِي لِلْإِسْلَامِ أَعْظَمَ في نَفْسِي مِن صِدْقِي لرَسُوِلِ الله صلى الله عليه وسلم أَنْ لَا أَكُونَ كَذَبْتُهُ فَأَهْلِكَ كَمَا هَلَكَ الَّذِينَ كَذَبُوا فَإِنَّ الله قَالَ للذينَ كَذَبُوا حِينَ أَنْزَلَ الْوَحْيَ شَرَّ مَا قَالَ لِأَحَدٍ فَقَالَ تبارك وتعالى: {سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ} إلى قَوْلِهِ: {فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} قَالَ كَعْبٌ: وَكُنَّا تَخَلَّفْنَا أَيُّهَا الثَّلَاثَةُ عَنْ أَمْرِ أُولَئِكَ الَّذِينَ قَبِلَ مِنْهُمْ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم حِينَ حَلَفُوا لَهُ فَبَايَعَهُمْ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ وَأَرْجَأَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أَمْرَنَا حَتَّى قَضَى الله فِيهِ فَبِذَلِكَ قَالَ الله {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} وَلَيسَ الَّذِي ذَكَرَ الله مِمَّا خُلِّفْنَا عَنْ الْغَزْوِ إِنَّمَا هُوَ تَخْلِيفُهُ إِيَّانَا وإِرْجَاؤُهُ أَمْرَنَا عَمَّنْ حَلَفَ لَهُ وَاعْتَذَرَ إِلَيهِ فَقَبِلَ مِنْهُ

روى الطبراني برجال ثقات عن خالد بن الوليد -رضي الله تعالى- عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه إلى أناس من خثعم، فاعتصموا بالسجود فقتلهم فوداهم رسول الله صلى الله عليه وسلم نصف الدية ثم قال: “أنا بريء من كل مسلم أقام مع المشركين لا تراءى ناراهما”

عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم نَعَى لِلنَّاسِ النَّجَاشِيَ في الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ فَخَرَجَ بِهِمْ إلى الْمُصَلَّى وَكَبَّرَ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ (1).
وعَنْ جَابِرِ بن عبد الله قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: “مَاتَ الْيَوْمَ عبد لِلَّهِ صَالِحٌ أَصْحَمَةُ” فَقَامَ فَأَمَّنَا وَصَلَّى عَلَيهِ (2).
وذكره الطبري (3) ضمن أحداث السنة التاسعة

قيل إن عروة بن مسعود رضي الله عنه اتبع أثر النبي صلى الله عليه وسلم لما انصرف من الطائف، فأسلم، واستأذنه أن يرجع إلى قومه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم. “إني أخاف أن يقتلوك”، فقال: لو وجدوني نائمًا ما أيقظوني، فأذن له النبي صلى الله عليه وسلم، فدعاهم إلى الإِسلام ونصح لهم فعصوه، وأسمعوه من الأذى، فلما كان من السَّحَر قام على غُرفة له فأذَّن، فرماه رجل من ثقيف بسهم، فقتله، فلما بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال: “مثل عروة مثل صاحب ياسين، دعا قومه إلى الله فقتلوه”

مكثت ثقيف بعد قتل عروة أشهرًا، ثم إنهم ائتمروا بينهم ورأوا أنه لا طاقة لهم بحرب من حولهم من العرب، وقد بايعوا وأسلموا، فائتمروا فيما بينهم – وذلك عن رأي عمرو بن أمية أخي بني علاج- على أن يرسلوا رجلًا منهم، فأرسلوا عبد ياليل بن عمرو بن عُمير ومعه اثنان من الأحلاف وثلاثة من بني مالك، فلما دنوا من المدينة ونزلوا قناة ألفوا المغيرة بن شعبة يرعى ركاب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رآهم ذهب يشتدُّ ليبشِّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدومهم، فلقيه أبو بكر الصديق فأخبره عن ركب ثقيف أنهم قدموا يريدون البيعة والإِسلام، فقال أبو بكر للمغيرة أقسمتُ عليك ألا تسبقني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أكون أنا أُحدثه، ففعل المغيرة، فدخل أبو بكر فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدومهم ثم خرج المغيرة إلى أصحابه فروَّح الظَّهر معهم، وعلمهم كيف يُحيُّون رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يفعلوا إلا بتحية الجاهلية، ولما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ضُربت عليهم قُبَّة في المسجد، وسأل الوفدُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أشياء؛ حيث سألوه ترك الطاغية اللات، وعدم أداء الصلوات، فرفض ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم إن الوفد أسلم، ورجعوا إلى قومهم فكتموهم الحقيقة، وخوفوهم بالحرب والقتال، وغير ذلك، فأخذت ثقيفًا نخوة الجاهلية، فمكثوا يومين أو ثلاثة يريدون القتال، ثم ألقى الله في قلوبهم الرعب وقالوا للوفد: ارجعوا إليه فأعطوه ما سأل، فأظهر الوفد حقيقة الأمر، فأسلمت ثقيف (2).
وعن جَابِر بن عبد الله رضي الله عنهما أنْ ثَقِيفًا لما بَايَعَتْ اشْتَرَطَتْ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنْ لَا صَدَقَةَ عَلَيْهَا وَلَا جِهَادَ، وَأَنَّهُ سَمِعَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم بَعْدَ ذَلِكَ يَقُولُ: “سَيَتَصَدَّقُونَ وَيُجَاهِدُونَ إِذَا أَسْلَمُوا”

لما فرغ الوفد من أمره، وتوجهوا إلى بلادهم راجعين، بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم أبا سفيان والمغيرة بن شعبة لهدم الطاغية اللات، فخرجا مع القوم فهدماها

لما أسلم أهل الطائف وكتب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كتبهم أمَّر عليهم عثمان بن أبي العاص، وكان من أحدثهم سنًا، وذلك أنه كان أحرصهم على التفقه في الإِسلام، وتعلم القرآن (3).
وعَنْ عُثْمَانَ بن أبي الْعَاصِ رضي الله عنه أنه قَالَ: يَا رَسُولَ الله اجْعَلْنِي إِمَامَ قَوْمِي، قَالَ: “أَنْتَ إِمَامُهُمْ وَاقْتَدِ بِأَضْعَفِهِمْ وَاتَّخِذْ مُؤَذِّنًا لَا يَاْخُذُ عَلَى أَذَانِهِ أَجْرًا”

وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعُثْمَانَ بن أبي الْعَاصِ: “إِذَا أَمَمْتَ قَوْمًا فَأَخِفَّ بِهِمْ الصَّلَاةَ”

قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك بن مُرارة الرهاوي رسول ملوك حِمْير بكتابهم وإسلامهم، وذلك في شهر رمضان سنة تسع، فأمر بلالًا أن ينزله ويكرمه ويُضيِّفه، وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحارث بن عبد كُلال وإلى نُعيم بن عبد كُلال وإلى النعمان قَيْل ذي رُعَين، ومعافر وهمدان: (أما بعد ذلكم فإني أحمد الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد، فإنه قد وقع بنا رسولكم مقفلنا من أرض الروم فبلَّغ ما أرسلتم، وخبَّر عما قِبَلكم وأنبأنا بإسلامكم وقتلكم المشركين، فإن الله تبارك وتعالى قد هداكم بهداه إن أصلحتم وأطعتم الله ورسوله وأقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وأعطيتم من المغنم خمس الله وخمس نبيه وصفيه وما كُتب على المؤمنين من الصدقة

عن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على عبد الله بن أبي يعوده في مرضه الذي مات فيه، فلما عرف فيه الموت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أما والله إن كنت لأنهاك عن حُبِّ يهود”، فقال: قد أبغضهم أسعد بن زرارة، فمه؟ (1) يعني: فما نفعه؟
وعَنْ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا مَاتَ عبد الله بن أبي ابْنُ سَلُولَ دُعِيَ لَه رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ، فَلَمَّا قَامَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وَثَبْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله أَتُصَلِّي عَلَى ابْنِ أُبَيّ، وَقَدْ قَالَ يَوْمَ كَذَا كَذَا وَكَذَا؟ فَتَبَسَّمَ رَسُولُ الله وَقَالَ: “أَخِّرْ عَنِّي يَا عُمَرُ” فَلَمَّا أَكْثَرْتُ عَلَيْهِ قَالَ: “إِنِّي خُيِّرْتُ فَاخْتَرْتُ، لَوْ أَعْلَمُ أَنِّي إِنْ زِدْتُ عَلَى السَّبْعِينَ يُغْفَرْ لَهُ لَزِدْتُ عَلَيْهَا”، قَالَ: فَصلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم ثُمَّ انْصَرَفَ، فَلَمْ يَمْكُثْ إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى نَزَلَتْ الْآيَتَانِ مِنْ بَرَاءَةَ: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا} إلى قَوْلِهِ: {وَهُمْ فَاسِقُونَ} [التوبة: 84] قَالَ عمر: فَعَجِبْتُ بَعْدُ مِنْ جُرْأَتِي عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ (2).
وعن جَابِرِ بن عبد الله رضي الله عنهما قَالَ أَتَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أبي بَعْدَ مَا أُدْخِلَ حُفْرَتَهُ فَأَمَرَ بِهِ فَاُخْرِجَ فَوَضَعَهُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَنَفَثَ عَلَيْهِ مِنْ رِيقِهِ وَأَلْبَسَهُ قَمِيصَهُ فَاللهُ أَعْلَمُ، وَكَانَ كَسَا عَبَّاسًا قَمِيصًا، وَكَانَ عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم قَمِيصَانِ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عبد الله يَا رَسولَ الله أَلْبِسْ أبي قَمِيصَكَ الَّذِي يَلِي جِلْدَكَ قَالَ سُفْيَانُ فَيُرَوْنَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَلْبَسَ عبد الله قَمِيصَهُ مُكَافَأَةً لِمَا صَنَعَ أي: مكافأة له لما صنع حيث ألبس العباس رضي الله عنه قميصه حين قدم العباس المدينة فلم يجدوا قميصًا يصلح له إلا قميص عبد الله بن أُبيٍّ.

بعث النبيُّ صلى الله عليه وسلم أبا بكر رضي الله عنه أميرًا على الحج في شهر ذي الحجة سنة تسع؛ ليقيم للمسلمين حجهم، والناس من أهل الشرك على منازلهم من حجهم، فخرج أبو بكر رضي الله عنه ومن معه من المسلمين (1).
عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: بَعَثَنِي أبو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ في الْحَجَّةِ الَّتِي أَمَّرَهُ عَلَيْهَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم قَبْلَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ فِي رَهْطٍ يُؤَذِّنُونَ فِي النَّاسِ يَوْمَ النَّحْرِ: لَا يَحُجُّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ وَلَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ

ثُمَّ بعث النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلِيَّ بن أبي طَالِبٍ بعد أبي بكر رضي الله عنهما فَأَمَرَهُ أَنْ يُؤَذِّنَ بِبَرَاءَةَ، قَالَ أبو هُرَيْرَةَ: فَأَذَّنَ مَعَنَا عَلِيٌّ فِي أَهْلِ مِنًى يَوْمَ النَّحْرِ بِبَرَاءَةَ وَأَنْ لَا يَحُجَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ وَلَا يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ (1).
عَنْ زَيْدِ بن أُثَيْعٍ قَالَ: سَأَلْنَا عَلِيًّا بِأَيِّ شَيْءٍ بُعِثْتَ فِي الْحَجَّةْ قَالَ: بُعِثْتُ بِأَرْبَعٍ: أَنْ لَا يَطُوفَ بِالْبَيتِ عُرْيَانٌ، وَمَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَهْدٌ فَهُوَ إلى مُدَّتِهِ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَهْدٌ فَأَجَلُهُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ، وَلَا يدخلُ الْجَنَّةَ إِلَّا نَفْسٌ مُؤْمِنَةٌ، وَلَا يَجْتَمِعُ الْمُشْرِكُونَ وَالْمُسْلِمُونَ بَعْدَ عَامِهِمْ هذا

خرجت أم كلثوم إلى المدينة لما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم، مع فاطمة وغيرها من عيال النبي صلى الله عليه وسلم، فتزوجها عثمان بعد وفاة أختها رقية، في ربيع الأول سنة ثلاث، وماتت عنده في شعبان سنة تسع ولم تلد له. اهـ (3).
وعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: شَهِدْنَا بنتَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، وَرَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم جَالِسٌ عَلَى الْقَبْرِ، فَرَأَيْتُ عَيْنَيْهِ تَدْمَعَانِ، فَقَالَ: “هَلْ فِيكُمْ مِنْ أَحَدٍ لَمْ يُقَارِفْ (4) اللَّيْلَةَ؟ ” فَقَالَ أبو طَلْحَةَ: أَنَا، قَالَ: “فَانْزِلْ فِي قَبْرِهَا، فَنَزَلَ فِي قَبْرِهَا فَقَبَرَهَا”‌‌قال ابن حجر رحمه الله-:
هي أم كلثوم زوج عثمان، رواه الواقدي عن فليح بن سليمان بهذا الإسناد، وأخرجه ابن سعد في “الطبقات”، في ترجمة أم كلثوم، وكذا الدولابي في “الذرية الطاهرة”، وكذلك رواه الطبري والطحاوي من هذا الوجه، ورواه حماد بن سلمة عن ثابت، عن أنس فسماها رقية، أخرجه البخاري في “التاريخ الأوسط”، والحاكم في “المستدرك”. قال البخاري: ما أدري ما هذا، فإن رقية ماتت والنبي صلى الله عليه وسلم ببدر لم يشهدها، قلت (ابن حجر): وَهِمَ حماد في تسميتها فقط.

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بعث أُمراءه وعماله على الصدقات إلى كل ما أوطأ الإِسلام من البلدان، فبعث المهاجر بن أبي أمية بن المغيرة إلى صنعاء، فخرج عليه العنَسْي وهو بها، وبعث زيد بن لبيد، أخا بني بياضة الأنصاري إلى حضرموت وعلى صدقاتها، وبعث عدي بن حاتم على طيِّئ، وصدقاتها وعلى بني أسد، وبعث مالك بن نويرة على صدقات بني حنظلة، وفرق صدقة بني سعد على رجلين منهم، فبعث الزبرقان بن بدر على ناحية منها، وقيس بن عاصم على ناحية، وكان قد بعث العلاء بن الحضرمي على البحرين، وبعث علي بن أبي طالب – رضوان الله عليه- إلى أهل نجران، ليجمع صدقتهم ويقدم عليه بجزيتهم

عن أَنَسِ بن مَالِكٍ رضي الله عنه قال: بَيْنَا نَحْنُ جُلُوسٌ فِي الْمَسْجِدِ جَاءَ رَجُلٌ عَلَى جَمَلٍ فَأَنَاخَهُ فِي الْمَسْجِدِ ثُمَّ عَقَلَهُ فَقَالَ: لَهُمْ أَيُّكُمْ مُحَمَّدٌ؟ وَرَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم مُتّكئٌ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ، قُلْنَا لَهُ: هَذَا الرَّجُلُ الْأَبْيَضُ الْمُتَّكِئُ فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: يَا ابْنَ عبد الْمُطَّلِبِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: “قَدْ أَجَبْتُكَ” فَقَالَ الرَّجُلُ: إِنِّي سَائِلُكَ يَا مُحَمَّدُ فَمُشَدِّدٌ عَلَيْكَ في الْمَسْأَلَةِ فَلَا تَجِدَنَّ فِي نَفْسِكَ، قَالَ: “سَلْ مَا بَدَا لَكَ” فَقَالَ الرَّجُلُ: نَشَدْتُكَ بِرَبِّكَ وَرَبِّ مَنْ قَبْلَكَ الله أَرْسَلَكَ إلى النَّاسِ كُلِّهِمْ؟ فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: “اللَّهُمَّ نَعَمْ” قَالَ: فَأَنْشُدُكَ الله الله أَمَرَكَ أَنْ تُصَلِّيَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ في الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ؟ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: “اللَّهُمَّ نَعَمْ” قَالَ: فَأَنْشُدُكَ الله الله أَمَرَكَ أَنْ تَصُومَ هَذَا الشَّهْرَ مِنْ السَّنَةِ؟ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: “اللَّهُمَّ نَعَمْ” قَالَ: فَأَنْشُدُكَ الله الله أَمَرَكَ أَنْ تَأْخُذَ هَذِهِ الصَّدَقَةَ مِنْ أَغْنِيَائِنَا فَتَقْسِمَهَا عَلَى فُقَرَائِنَا؟ فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: “اللَّهُمَّ نَعَمْ” فَقَالَ الرَّجُلُ: آمَنْتُ بِمَا جِئْتَ بِهِ وَأَنَا رَسُولُ مَنْ وَرَائِي مِنْ قَوْمِي وَأَنَا ضِمَامُ بن ثَعْلَبَةَ أَخُو بني سَعْدِ بن بَكْرٍ (1)، فانطلق ضمام فأتى بعيره فأطلق عقاله، ثم خرج حتى قدم على قومه، فاجتمعوا إليه، فكان أول ما تكلم به أن قال بئست اللات والعُزَّى، قالوا: مَهْ يا ضمام! اتق البرص، اتق الجذام، اتق الجنون؟ قال: ويلكم إنهما والله لا يضران ولا ينفعان، إن الله قد بعث رسولًا، وأنزل عليه كتابًا استنقذكم به مما كنتم فيه، وإني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، وقد جئتكم من عنده بما أمركم به، وما نهاكم عنه، قال: فوالله ما أمسى من ذلك اليوم في حاضره رجل ولا امرأة إلَاّ مسلمًا.
يقول ابن عباس رضي الله عنهما: فما سمعنا بوافد قوم كان أفضل من ضمام بن ثعلبة

قدم عشرة رهط من بني أسد بن خزيمة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، في أول سنة تسع، فيهم حضرمي بن عامر، وضرار بن الأَزْوَر، ووابصة بن معبد، وقتادة بن القايف، وسلمة بن حبيش، وطلحة بن خويلد، ونقادة بن عبد الله بن خلف

قدم وفد الداريين على رسول الله صلى الله عليه وسلم منصرفه من تبوك، وهم عشرة نفر، فيهم تميم ونُعيم ابنا أوس بني خارجة بن سواد بن جُذيمة بن درَّاع بن عدي بن الدار بن هانئ بن حبيب بن نُمارة بن لخم، ويزيد بن قيس بن خارجة، والفاكهة بن النعمان، وجبلة بن مالك، وأبو هند والطيب ابنا ذرٍّ، وهانئ بن حبيب، وعزيز ومُرَّة ابنا مالك بن سياد، فأسلموا

قدم وفد بَهْراء من اليمن وهم ثلاثة عشر رجلاً، فأقبلوا يقودون رواحلهم حتى انتهوا إلى باب المقداد بن عمرو ببني جُديلة، فخرج إليهم المقداد فرحب بهم، وأنزلهم في منزل من الدار، وأتوا النبي صلى الله عليه وسلم، فأسلموا وتعلَّموا الفرائض وأقاموا أيامًا، ثم جاءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يُودعونه، فأمر بجوائزهم وانصرفوا إلى أهلهم

وَفِدَ من بني البَكَّاء على رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة تسع ثلاثة نفر: معاوية بن ثور بن عبادة بن البَكَّاء، وهو يومئذ ابن مائة سنة، ومعه ابن له يقال له: بشر، والفُجيع بن عبد الله بن جندح بن البكاء، ومعهم عبد عمرو البكائي، وهو الأصم، فأمر لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنزل وضيافة وأجازهم ورجعوا إلى أهلهم

لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك، وكان ذلك سنة تسع، قدم عليه وفد بني فزارة بضعة عشر رجلاً، فيهم خارجة بن حصن، والحُرُّ بن قيس بن حصن وهو أصغرهم، على ركاب عجاف، فجاءوا مُقرِّين بالإِسلام، وسألهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بلادهم، فقال أحدهم: يا رسول الله أسنتت بلادنا، وهلكت مواشينا، وأجدب جنابنا، وغرث عيالنا، فادع لنا ربك، فصعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر فدعا لهم فمطرت

كان ثعلبة بن مُنقذ  أحد زعماء قومه، وجاء إلى النبي ﷺ مع عدد من أفراد قبيلته ليعلنوا إسلامهم وولاءهم للدولة الإسلامية. وكما فعل النبي ﷺ مع سائر الوفود، فقد رحب بهم، وعلمهم أمور الدين، وأرسل معهم من يعلمهم القرآن وأحكام الإسلام

قدم وفد سعد هُذيم على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتوا المسجد، فوجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على جنازة، فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “من أنتم؟ ” قالوا: من بني سعد هُذيم فأسلموا وبايعوا، ثم انصرفوا إلى رحالهم، فأمر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأُنزلوا وضُيِّفوا ثلاثًا، ثم جاءوا ليودعوه فقال: “أَمِّروا عليكم أحدكم”، وأمر بلالًا فأجازهم بأواق من فضة، ورجعوا إلى قومهم، فرزقهم الله الإِسلام

قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة تسع مرجعه من تبوك، وكانوا ثلاثة عشر نفرًا، رأسهم الحارث بن عوف، فأجازهم، رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشر أواق من فضة، وأعطى الحارث بن عوف ثنتي عشرة أُوقَيَّة، وذكروا أن بلادهم مجدبة، فدعا لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رجعوا إلى بلادهم وجدوها قد مَطَرت ذلك اليوم الذي دعا لهم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم

قدم وفد بني كلاب في سنة تسع على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم ثلاثة عشر رجلاً، فيهم لَبيد بن ربيعة، وجَبَّار بن سَلْمى، فأنزلهم دار رَمْلَة بنت الحارث، وكان بين جبار وكعب بن مالك خُلَّة، فبلغ كعبًا قدومهم، فرحَّب بهم وأهدى لجبار وأكرمه، وخرجوا مع كعب فدخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلَّموا عليه بسلام الإسلام، وقالوا: إنَّ الضحاك بن سفيان سار فينا بكتاب الله وبسنتك التي أمرته، وإنه دعانا إلى الله فاستجبنا لله ولرسوله، وإنه أخذ الصدقة من أغنيائنا فردَّها على فقرائنا

وَفِدَ واثلة بن الأسقع الليثي على رسول الله، فقدم المدينة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يتجهز إلى تبوك، فصلَّى معه الصبح، فبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجع إلى أهله فأخبرهم، فقال له أبوه: والله لا أكلمك كلمة أبدًا، وسمعت أخته كلامه فأسلمت وجهزته، فخرج راجعًا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجده قد صار إلى تبوك، فقال: من يحملني عُقبه وله سهمي؟ فحمله كعب بن عُجرة رضي الله عنه حتى لحق برسول الله صلى الله عليه وسلم وشهد معه تبوك، وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم مع خالد بن الوليد إلى أكيدر، فغنم فجاء بسهمه إلى كعب بن عجرة، فأبى أن يقبله، وسوَّغه إياه، وقال: إنما حملتك لله

قدم وفد تُجيب على رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة تسع، وهم ثلاثة عشر رجلًا، وساقوا معهم صدقات أموالهم التي فرض الله عليهم، فَسرَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بهم، وأمر بلالًا أن يُحسن ضيافتهم وجوائزهم، وأعطاهم أكثر مما يُجيز به الوفد، ثم انطلقوا راجعين إلى أهليهم، ثم وافوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الموسم بمنى سنة عشر

عن عبد الله بن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: أَصْبَحْنَا يَوْمًا وَنِسَاءُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَبْكِينَ، عِنْدَ كُلِّ امْرَأَةٍ مِنْهنَّ أَهْلُهَا، فَخَرَجْتُ إِلَى الْمَسْجِدِ فَإِذَا هُوَ مَلْآنُ مِنْ النَّاسِ، فَجَاءَ عُمَرُ بن الْخَطَّابِ فَصَعِدَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فِي غُرْفَةٍ لَهُ فَسَلَّمَ فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ ثُمَّ سَلَّمَ فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ ثُمَّ سَلَّمَ فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ فَنَادَاهُ فَدَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أَطَلَّقْتَ نِسَاءَكَ؟ فَقَالَ: “لَا وَلَكِنْ آلَيْتُ مِنْهُنِّ شَهْرًا” فَمَكَثَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ ثُمَّ دَخَلَ عَلَى نِسَائِهِ (1).
فلما دخل النبي صلى الله عليه وسلم على نسائه قيل له: يا رسول الله آليت منهنَّ شهرًا؟ قال صلى الله عليه وسلم: “إنَّ الشهر تسع وعشرون” (2).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أيضًا قال: مَكَثْتُ سَنَةً أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ عَنْ آيَةٍ فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَسْأَلَهُ هَيْبَةً لَهُ حَتَّى خَرَجَ حَاجًّا فَخَرَجْتُ مَعَهُ فَلَمَّا رَجَعْنَا وَكُنَّا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ عَدَلَ إِلَى الْأَرَاكِ لِحَاجَةٍ لَهُ قَالَ فَوَقَفْتُ لَهُ حَتَّى فَرَغَ ثُمَّ سِرْتُ مَعَهُ فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَنْ اللَّتَانِ تَظَاهَرَتَا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَزْوَاجِهِ؟ فَقَالَ: تِلْكَ حَفْصَةٌ وَعَائِشَةُ قَالَ: فَقُلْتُ: وَاللهِ إِنْ كُنْتُ لَأُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْ هَذَا مُنْذُ سَنَةٍ فَمَا أَسْتَطِيعُ هَيْبَةً لَكَ قَالَ: فَلَا تَفْعَلْ مَا ظَنَنْتَ أَنَّ عِنْدِي مِنْ عِلْمٍ فَاسْأَلْنِي فَإِنْ كَانَ لِي عِلْمٌ خَبَّرْتُكَ بِهِ قَالَ: ثُمَّ قَالَ عُمَرُ: وَاللهِ إِنْ كُنَّا فِي الْجَاهِلِيَّةِ مَا نَعُدُّ لِلنِّسَاءِ أَمْرًا حَتَّى أَنْزَلَ الله فِيهِنَّ مَا أَنْزَلَ وَقَسَمَ لَهُنَّ مَا قَسَمَ قَالَ: فَبَيْنَا أَنَا فِي أَمْرٍ أأتمره إِذْ قَالَتْ امْرَأَتِي: لَوْ صَنَعْتَ كَذَا وَكَذَا قَالَ: فَقُلْتُ لَهَا: مَا لَكَ وَلِمَا هَا هُنَا وَفِيمَ تَكَلُّفُكِ فِي أَمْرٍ أُرِيدُهُ فَقَالَتْ لِي: عَجَبًا لَكَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ مَا تُرِيدُ أَنْ تُرَاجَعَ أَنْتَ وإِنَّ ابْنَتَكَ لَتُرَاجِعُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم حَتَّى يَظَلَّ يَوْمَهُ غَضْبَانَ، فَقَامَ عُمَرُ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ مَكَانَهُ حَتَّى دَخَلَ عَلَى حَفْصَةَ فَقَالَ لَهَا: يَا بنيِّةُ إِنَّكِ لَتُرَاجِعِينَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم حَتَّى يَظَلَّ يَوْمَهُ غَضْبَانَ فَقَالَتْ حَفْصَةُ: وَاللهِ إِنَّا لَنُرَاجِعُهُ فَقُلْتُ: تَعْلَمِينَ أَنِّي أُحَذِّرُكِ عُقُوبَةَ الله وَغَضَبَ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم يَا بنيَّةُ لَا يَغُرَّنَّكِ هَذِهِ الَّتِي أَعْجَبَهَا حُسْنُهَا حُبُّ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم إِيَّاهَا يُرِيدُ عَائِشَةَ قَالَ: ثُمَّ خَرَجْتُ حَتَّى دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ لِقَرَابَتِي مِنْهَا فَكَلَّمْتُهَا فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: عَجَبًا لَكَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ دَخَلْتَ فِي كُلِّ شَيءٍ حَتَّى تَبْتَغِيَ أَنْ تَدْخُلَ بَيْنَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وَأَزْوَاجِهِ فَأَخَذَتْنِي وَاللهِ أَخْذًا كَسَرَتْنِي عَنْ بَعْضِ مَا كُنْتُ أَجِدُ فَخَرَجْتُ مِنْ عِنْدِهَا وَكَانَ لِي صَاحِبٌ مِنْ الْأَنْصَارِ إِذَا غِبْتُ أَتَانِي بِالْخَبَرِ وَإِذَا غَابَ كُنْتُ أَنَا آتِيهِ بِالْخَبَرِ وَنَحْنُ نَتَخَوَّفُ مَلِكًا مِنْ مُلُوكِ غَسَّانَ ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَسِيرَ إِلَيْنَا فَقَدْ امْتَلَأَتْ صُدُورُنَا مِنْهُ فَإِذَا صاحِبِي الْأَنْصَارِيُّ يَدُقُّ الْبَابَ فَقَالَ: افْتَحْ افْتَحْ فَقُلْتُ: جَاءَ الْغَسَّانِيُّ فَقَالَ: بَلْ أَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ اعْتَزَلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أَزْوَاجَهُ فَقُلْتُ: رَغَمَ أَنْفُ حَفْصَةَ وَعَائِشَةَ فَأَخَذْتُ ثَوْبِي فَأَخْرُجُ حَتَّى جِئْتُ فَإِذَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فِي مَشْرُبَةٍ لَهُ يَرْقَى عَلَيْهَا بِعَجَلَةٍ وَغُلَامٌ لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم أَسْوَدُ عَلَى رَأْسِ الدَّرَجَةِ فَقُلْتُ لَهُ: قُلْ هَذَا عُمَرُ بن الْخَطَّابِ فَأَذِنَ لِي قَالَ عُمَرُ: فَقَصَصْتُ عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم هَذَا الْحَدِيثَ فَلَمَّا بَلَغْتُ حَدِيثَ أُمِّ سَلَمَةَ تَبَسَّمَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وَإِنَّهُ لَعَلَى حَصِيرٍ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ شَيءٌ وَتَحْتَ رَأْسِهِ وِسَادَةٌ مِنْ أَدَمٍ حَشْوُهَا لِيفٌ وَإِنَّ عِنْدَ رِجْلَيْهِ قَرَظًا (1) مغبورًا وَعِنْدَ رَأْسِهِ أَهَبًا مُعَلَّقَةٌ (2) فَرَأَيْتُ أَثَرَ الْحَصِيرِ في جَنْبِهِ فَبَكَيْتُ فَقَالَ: “مَا يُبْكِيكَ” فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله إِنَّ كِسْرَى وَقَيْصَرَ فِيمَا هُمَا فِيهِ وَأَنْتَ رَسُولُ الله، فَقَالَ: “أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ لَهُمْ الدُّنْيَا وَلَنَا الْآخِرَةُ” (3).
وعن عُمَرَ بن الْخَطَّابِ قَالَ: لَمَّا اعْتَزَلَ نَبِيُّ الله صلى الله عليه وسلم نِسَاءَهُ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَإِذَا النَّاسُ يَنْكُتُونَ بِالْحَصَى وَيَقُولُونَ: طَلَّقَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم نِسَاءَهُ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُؤْمَرْنَ بِالْحِجَابِ فَقَالَ عُمَرُ: فَقُلْتُ: لَأَعْلَمَنَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ قَالَ فَدَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ فَقُلْتُ: يَا بنتَ أبي بَكْرٍ أَقَدْ بَلَغَ مِنْ شَأْنِكِ أَنْ تُؤْذِي رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: مَا لِي وَمَا لَكَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ عَلَيْكَ بِعَيْبَتِكَ قَالَ: فَدَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ بنتِ عُمَرَ فَقُلْتُ لَهَا: يَا حَفْصَةُ أَقَدْ بَلَغَ مِنْ شَأْنِكِ أَنْ تُؤْذِي رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم وَاللهِ لَقَدْ عَلِمْتِ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم لَا يُحِبُّكِ وَلَوْلَا أَنَا لَطَلَّقَكِ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فَبَكَتْ أَشَدَّ الْبُكَاءِ فَقُلْتُ لَهَا: أَيْنَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: هُوَ في خِزَانَتِهِ فِي الْمَشْرُبَةِ فَدَخَلْتُ فَإِذَا أَنَا بِرَبَاحٍ غُلَامِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم قَاعِدًا عَلَى أُسْكُفَّةِ الْمَشْرُبَةِ مُدَلٍّ رِجْلَيْهِ عَلَى نَقِيرٍ مِنْ خَشَبٍ وَهُوَ جِذْعٌ يَرْقَى عَلَيْهِ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وَيَنْحَدِرُ، فَنَادَيْتُ: يَا رَبَاحُ اسْتَأْذِنْ لِي عِنْدَكَ عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَنَظَرَ رَبَاحٌ إلى الْغُرْفَةِ ثُمَّ نَظَرَ إِلَيَّ فَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا ثُمَّ قُلْتُ: يَا رَبَاحُ اسْتَأْذِنْ لِي عِنْدَكَ عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَنَظَرَ رَبَاحٌ إلى الْغُرْفَةِ ثُمَّ نَظَرَ إِلَيَّ فَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا ثُمَّ رَفَعْتُ صَوْتِي فَقُلْتُ: يَا رَبَاحُ اسْتَأذِنْ لِي عِنْدَكَ عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَإِنِّي أَظُنُّ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم ظَنَّ أَنِّي جِئْتُ مِنْ أَجْلِ حَفْصَةَ، وَاللهِ لَئِنْ أَمَرَنِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بِضَرْبِ عُنُقِهَا لَأَضْرِبَنَّ عُنُقَهَا، وَرَفَعْتُ صَوْتِي فَأَوْمَأَ إِلَيَّ أَنْ ارْقَهْ فَدَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مُضْطَجِعٌ عَلَى حَصيرٍ فَجَلَسْتُ فَأَدْنَى عَلَيْهِ إِزَارَهُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ وَإِذَا الْحَصِيرُ قَدْ أَثَّرَ فِي جَنْبِهِ فَنَظَرْتُ بِبَصَرِي فِي خِزَانَةِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَإِذَا أَنَا بِقَبْضَةٍ مِنْ شَعِيرٍ نَحْوِ الصَّاعِ وَمِثْلِهَا قَرَظًا فِي نَاحِيَةِ الْغُرْفَةِ وَإِذَا أَفِيقٌ مُعَلَّقٌ قَالَ: فَابْتَدَرَتْ عَيْنَايَ، قَالَ: “مَا يُبْكِيكَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ” قُلْتُ: يَا نَبِيَّ الله وَمَا لِي لَا أَبْكِي وَهَذَا الْحَصِيرُ قَدْ أَثَّرَ فِي جَنْبِكَ وَهَذِهِ خِزَانَتُكَ لَا أَرَى فِيهَا إِلَّا مَا أَرَى وَذَاكَ قَيْصَرُ وَكِسْرَى في الثِّمَارِ وَالْأَنْهَارِ وَأَنْتَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وَصَفْوَتُهُ وَهَذِهِ خِزَانَتُكَ فَقَالَ: “يَا ابْنَ الْخَطَّابِ أَلَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ لَنَا الْآخِرَةُ وَلَهُمْ الدُّنْيَا” قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: وَدَخَلْتُ عَلَيْهِ حِينَ دَخَلْتُ وَأَنَا أَرَى في وَجْهِهِ الْغَضَبَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله مَا يَشُقُّ عَلَيْكَ مِنْ شَأْنِ النِّسَاءِ فَإِنْ كُنْتَ طَلَّقْتَهُنَّ فَإِنَّ الله مَعَكَ وَمَلَائِكَتَهُ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَأَنَا وَأبو بَكْرٍ وَالْمُؤْمِنُونَ مَعَكَ وَقَلَّمَا تَكَلَّمْتُ -وَأَحْمَدُ الله- بِكَلَامٍ إِلَّا رَجَوْتُ أَنْ يَكُونَ الله يُصَدِّقُ قَوْلِي الَّذِي أَقُولُ وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْاَيَةُ آيَةُ التَّخْيِيرِ: {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ} [التحريم: 5] {وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ (4)} [التحريم: 4] وَكَانَتْ عَائِشَةُ بنتُ أبي بَكْرٍ وَحَفْصَةُ تَظَاهَرَانِ عَلَى سَائِرِ نِسَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله أَطَلَّقْتَهُنَّ، قَالَ: “لَا” قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله إِنِّي دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ وَالْمُسْلِمُونَ يَنْكُتُونَ بِالْحَصَى يَقُولُونَ: طَلَّقَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أَفَأَنْزِلُ فَأُخْبِرَهُمْ أَنَّكَ لَمْ تُطَلِّقْهُنَّ؟ قَالَ: “نَعَمْ إِنْ شِئْتَ” فَلَمْ أَزَلْ أُحَدِّثُهُ حَتَّى تَحَسَّرَ الْغَضَبُ عَنْ وَجْهِهِ وَحَتَّى كَشَرَ فَضَحِكَ وَكَانَ مِنْ أَحسَنِ النَّاسِ ثَغْرًا ثُمَّ نَزَلَ نَبِيُّ الله صلى الله عليه وسلم وَنَزَلْتُ، فَنَزَلْتُ أَتَشَبَّثُ بِالْجِذْعِ وَنَزَلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم كَأَنَّمَا يَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ مَا يَمَسُّهُ بِيَدِهِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله إِنَّمَا كُنْتَ فِي الْغُرْفَةِ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ؟ قَالَ: “إِنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ” فَقُمْتُ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ فَنَادَيْتُ بِأَعْلَى صَوْتِي: لَمْ يُطَلِّقْ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم نِسَاءَهُ، وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْاَيَةُ {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء: 83] فَكُنْتُ أَنَا اسْتَنْبَطْتُ ذَلِكَ الْأَمْرَ وَأَنْزَلَ الله عز وجل آيَةَ التَّخْيِيرِ.

‌‌سبب إيلاء النبي صلى الله عليه وسلم من نسائه:
عن عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَمْكُثُ عِنْدَ زَيْنَبَ بنتِ جَحْشٍ فَيَشْرَبُ عَسَلًا، قَالَتْ: فَتَوَاطَيْتُ أَنَا وَحَفْصَةُ أَنَّ أَيَّتَنَا مَا دَخَلَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَلْتَقُلْ: إِنِّي أَجِدُ مِنْكَ رِيحَ مَغَافِيرَ (2) أَكَلْتَ مَغَافِيرَ، فَدَخَلَ عَلَى إِحْدَاهُمَا فَقَالَت ذَلِكَ لَهُ،فَقَالَ: بَلْ شَرِبْتُ عَسَلًا عِنْدَ زَيْنَبَ بنتِ جَحْشٍ وَلَنْ أَعُودَ لَهُ، فَنَزَلَ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: 1] إلى قَوْلِهِ: {إِنْ تَتُوبَا} [التحريم: 4] لِعَائِشَةَ وَحَفْصَةَ، {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا} [التحريم: 3] لِقَوْلِهِ: بَلْ شَرِبْتُ عَسَلًا (1).
فكان هذا هو تظاهر عائشة وحفصة رضي الله عنهما على النبي صلى الله عليه وسلم، وكان ذلك سبب غضبه وإيلائه من نسائه صلى الله عليه وسلم.

عن سَهْلِ بن سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رضي الله عنه أَنَّ عُوَيْمِرًا الْعَجْلَانِى جَاءَ إلى عَاصِمِ بن عَدِيٍّ الْأَنْصارِيِّ، فَقَالَ لَهُ: يَا عَاصِم أَرَأَيتَ رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ؟ أَمْ كَيْفَ يَفْعَلُ؟ سَلْ لِي يَا عَاصِمُ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم، فَسَأَلَ عَاصِمٌ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ فَكَرِهَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم الْمَسَائِلَ وَعَابَهَا حَتَّى كَبُرَ عَلَى عَاصِمٍ مَا سَمِعَ مِنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا رَجَعَ عَاصِمٌ إلى أَهْلِهِ جَاءَهُ عُوَيْمِرٌ فَقَالَ: يَا عَاصِمُ مَاذَا قَالَ لَكَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَ عَاصِمٌ لِعُوَيْمِرٍ: لَم تَأْتِنِي بِخَيْرٍ، قَدْ كَرِهَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم الْمَسْأَلَةَ الَّتِي سَأَلْتُهُ عَنْهَا فَقَالَ عُوَيْمِرٌ: وَاللهِ لَا أَنْتَهِي حَتَّى أَسْأَلَهُ عَنْهَا، فَأَقْبَلَ عُوَيْمِرٌ حَتَّى جَاءَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم وَسَطَ النَّاسِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله أَرَأَيْتَ رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ؟ أَمْ كَيْفَ يَفْعَلُ؟ فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: “قَدْ أُنْزِلَ فِيكَ وَفِي صَاحِبَتِكَ، فَاذْهَبْ فَأْتِ بِهَا” قَالَ سَهْلٌ: فَتَلَاعَنَا وَأَنَا مَعَ النَّاسِ عِنْدَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا فَرَغَا قَالَ عُوَيْمِرٌ: كَذَبْتُ عَلَيْهَا يَا رَسُولَ الله إِنْ أَمْسَكْتُهَا، فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: “ذَاكُمْ التَّفْرِيقُ بَيْنَ كُلِّ مُتَلَاعِنَيْنِ”

بعثه النبي صلى الله عليه وسلم عاملًا على صدقات اليمن 

وَفَدَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَفْدُ نَصَارَى نَجْرَانَ بِالْمَدِينَةِ، فَحَدَّثَنِي محمد بن جعفر بن الزبير، قَالَ: ( «لَمَّا قَدِمَ ‌وَفْدُ ‌نَجْرَانَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلُوا عَلَيْهِ مَسْجِدَهُ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ، فَحَانَتْ صَلَاتُهُمْ، فَقَامُوا يُصَلُّونَ فِي مَسْجِدِهِ، فَأَرَادَ النَّاسُ مَنْعَهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ” دَعُوهُمْ ” فَاسْتَقْبَلُوا الْمَشْرِقَ، فَصَلَّوْا صَلَاتَهُمْ» ) .
قَالَ: وَحَدَّثَنِي يزيد بن سفيان، عَنِ ابن البيلماني، عَنْ كرز بن علقمة، قَالَ: قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَفْدُ نَصَارَى نَجْرَانَ سِتُّونَ رَاكِبًا، مِنْهُمْ: أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ رَجُلًا مِنْ أَشْرَافِهِمْ، وَالْأَرْبَعَةُ وَالْعِشْرُونَ، مِنْهُمْ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ إِلَيْهِمْ يَئُولُ أَمْرُهُمْ، الْعَاقِبُ أَمِيرُ الْقَوْمِ، وَذُو رَأْيِهِمْ، وَصَاحِبُ مَشُورَتِهِمْ، وَالَّذِي لَا يَصْدُرُونَ إِلَّا عَنْ رَأْيِهِ وَأَمْرِهِ، وَاسْمُهُ عبد المسيح، وَالسَّيِّدُ: ثِمَالُهُمْ، وَصَاحِبُ رَحْلِهِمْ وَمُجْتَمَعِهِمْ، وَاسْمُهُ الأيهم، وأبو حارثة بن علقمة أخو بني بكر بن وائل أُسْقُفُهُمْ وَحَبْرُهُمْ وَإِمَامُهُمْ، وَصَاحِبُ مِدْرَاسِهِمْ.
وَكَانَ أبو حارثة قَدْ شَرُفَ فِيهِمْ وَدَرَسَ كُتُبَهُمْ، وَكَانَتْ مُلُوكُ الرُّومِ مِنْ أَهْلِ النَّصْرَانِيَّةِ قَدْ شَرَّفُوهُ وَمَوَّلُوهُ وَأَخْدَمُوهُ، وَبَنَوْا لَهُ الْكَنَائِسَ، وَبَسَطُوا عَلَيْهِ الْكَرَامَاتِ لِمَا يَبْلُغُهُمْ عَنْهُ مِنْ عِلْمِهِ وَاجْتِهَادِهِ فِي دِينِهِمْ.
فَلَمَّا وَجَّهُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ نَجْرَانَ، جَلَسَ أبو حارثة عَلَى بَغْلَةٍ لَهُ مُوَجِّهًا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَإِلَى جَنْبِهِ أَخٌ لَهُ يُقَالُ لَهُ: كرز بن علقمة يُسَايِرُهُ، إِذْ عَثَرَتْ بَغْلَةُ أبي حارثة، فَقَالَ لَهُ كرز: تَعِسَ الْأَبْعَدُ يُرِيدُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ لَهُ أبو حارثة: بَلْ أَنْتَ تَعِسْتَ. فَقَالَ: وَلِمَ يَا أَخِي؟ فَقَالَ: وَاللَّهِ إِنَّهُ النَّبِيُّ الْأُمِّيُّ الَّذِي كُنَّا نَنْتَظِرُهُ. فَقَالَ لَهُ كرز: فَمَا يَمْنَعُكَ مِنَ اتِّبَاعِهِ وَأَنْتَ تَعْلَمُ هَذَا؟ فَقَالَ: مَا صَنَعَ بِنَا هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ، شَرَّفُونَا وَمَوَّلُونَا وَأَكْرَمُونَا، وَقَدْ أَبَوْا إِلَّا خِلَافَهُ، وَلَوْ فَعَلْتُ نَزَعُوا مِنَّا كُلَّ مَا تَرَى، فَأَضْمَرَ عَلَيْهَا مِنْهُ أَخُوهُ كرز بن علقمة حَتَّى أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: «اجْتَمَعَتْ نَصَارَى نَجْرَانَ، وَأَحْبَارُ يَهُودَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَتَنَازَعُوا عِنْدَهُ، فَقَالَتِ الْأَحْبَارُ: مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ إِلَّا يَهُودِيًّا، وَقَالَتِ النَّصَارَى: مَا كَانَ إِلَّا نَصْرَانِيًّا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل فِيهِمْ: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ – هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ – مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ – إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 64 – 68] [آلِ عِمْرَانَ: 65 – 86] (فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَحْبَارِ: أَتُرِيدُ مِنَّا يَا مُحَمَّدُ أَنْ نَعْبُدَكَ كَمَا تَعْبُدُ النَّصَارَى عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ؟ وَقَالَ رَجُلٌ مِنْ نَصَارَى نَجْرَانَ: أَوَذَلِكَ تُرِيدُ يَا مُحَمَّدُ وَإِلَيْهِ تَدْعُونَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ أَعْبُدَ غَيْرَ اللَّهِ، أَوْ آمُرَ بِعِبَادَةِ غَيْرِهِ، مَا بِذَلِكَ بَعَثَنِي وَلَا أَمَرَنِي، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل فِي ذَلِكَ: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ – وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 79 – 80] ) [آلِ عِمْرَانَ: 79] ، ثُمَّ ذَكَرَ مَا أُخِذَ عَلَيْهِمْ وَعَلَى آبَائِهِمْ مِنَ الْمِيثَاقِ بِتَصْدِيقِهِ، وَإِقْرَارِهِمْ بِهِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، فَقَالَ: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ} [آل عمران: 81] إِلَى قَوْلِهِ: {مِنَ الشَّاهِدِينَ} [آل عمران: 81] » [آلِ عِمْرَانَ: 81] .
وَحَدَّثَنِي محمد بن سهل بن أبي أمامة، قَالَ: «لَمَّا قَدِمَ وَفْدُ نَجْرَانَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْأَلُونَهُ عَنْ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، نَزَلَ فِيهِمْ فَاتِحَةُ آلِ عِمْرَانَ إِلَى رَأْسِ الثَّمَانِينَ مِنْهَا.»
وَرُوِّينَا عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْحَاكِمِ، عَنِ الأصم، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ، عَنْ يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ سلمة بن عبد يسوع، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ – قَالَ يونس – وَكَانَ نَصْرَانِيًّا فَأَسْلَمَ -: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَتَبَ إِلَى أَهْلِ نَجْرَانَ: ( «بِاسْمِ إِلَهِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ، أَمَّا بَعْدُ: فَإِنِّي أَدْعُوكُمْ إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ مِنْ عِبَادَةِ الْعِبَادِ، وَأَدْعُوكُمْ إِلَى وِلَايَةِ اللَّهِ مِنْ وِلَايَةِ الْعِبَادِ، فَإِنْ أَبَيْتُمْ فَالْجِزْيَةُ، فَإِنْ أَبَيْتُمْ فَقَدْ آذَنْتُكُمْ بِحَرْبٍ، وَالسَّلَامُ» ) ! فَلَمَّا أَتَى الْأُسْقُفَ الْكِتَابُ فَقَرَأَهُ، فَظِعَ بِهِ وَذَعَرَ بِهِ ذُعْرًا شَدِيدًا، فَبَعَثَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ يُقَالُ لَهُ شرحبيل بن وداعة، وَكَانَ مِنْ هَمْدَانَ، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يُدْعَى إِذَا نَزَلَ مُعْضِلَةٌ قَبْلَهُ، لَا الْأَيْهَمُ وَلَا السَّيِّدُ وَلَا الْعَاقِبُ، فَدَفَعَ الْأُسْقُفُ كِتَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَيْهِ فَقَرَأَهُ، فَقَالَ الْأَسْقُفُ يَا أبا مريم! مَا رَأْيُكَ؟ فَقَالَ شرحبيل: قَدْ عَلِمْتُ مَا وَعَدَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ فِي ذُرِّيَّةِ إِسْمَاعِيلَ مِنَ النُّبُوَّةِ، فَمَا يُؤْمَنُ أَنْ يَكُونَ هَذَا هُوَ ذَلِكَ الرَّجُلُ، لَيْسَ لِي فِي النُّبُوَّةِ رَأْيٌ، لَوْ كَانَ مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ يُقَالُ لَهُ: عبد الله بن شرحبيل، وَهُوَ مِنْ ذِي أَصْبَحَ مِنْ حِمْيَرَ، فَاجْلِسْ فَتَنَحَّى شرحبيل، فَجَلَسَ نَاحِيَةً، فَبَعَثَ الْأُسْقُفُ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ يُقَالُ لَهُ عبد الله بن شرحبيل، وَهُوَ مِنْ ذِي أَصْبَحَ مِنْ حِمْيَرَ، فَأَقْرَأَهُ الْكِتَابَ وَسَأَلَهُ عَنِ الرَّأْيِ فِيهِ، فَقَالَ لَهُ مِثْلَ قَوْلِ شرحبيل.
فَقَالَ لَهُ الْأَسْقُفُ: تَنَحَّ فَاجْلِسْ، فَتَنَحَّى، فَجَلَسَ نَاحِيَةً، فَبَعَثَ الْأُسْقُفُ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ يُقَالُ لَهُ جبار بن فيض من بني الحارث بن كعب، فَأَقْرَأَهُ الْكِتَابَ وَسَأَلَهُ عَنِ الرَّأْيِ فِيهِ، فَقَالَ لَهُ مِثْلَ قَوْلِ شرحبيل وعبد الله، فَأَمَرَهُ الْأُسْقُفُ فَتَنَحَّى. فَلَمَّا اجْتَمَعَ الرَّأْيُ مِنْهُمْ عَلَى تِلْكَ الْمَقَالَةِ جَمِيعًا، أَمَرَ الْأُسْقُفُ بِالنَّاقُوسِ فَضُرِبَ بِهِ وَرُفِعَتِ الْمُسُوحُ فِي الصَّوَامِعِ، وَكَذَلِكَ كَانُوا يَفْعَلُونَ إِذَا فَزِعُوا بِالنَّهَارِ، وَإِذَا كَانَ فَزَعُهُمْ بِاللَّيْلِ ضُرِبَ النَّاقُوسُ، وَرُفِعَتِ النِّيرَانُ فِي الصَّوَامِعِ، فَاجْتَمَعَ – حِينَ ضُرِبَ بِالنَّاقُوسِ وَرُفِعَتِ الْمُسُوحُ – أَهْلُ الْوَادِي أَعْلَاهُ وَأَسْفَلُهُ، وَطُولُ الْوَادِي مَسِيرَةُ يَوْمٍ لِلرَّاكِبِ السَّرِيعِ، وَفِيهِ ثَلَاثٌ وَسَبْعُونَ قَرْيَةً، وَعِشْرُونَ وَمِائَةَ أَلْفِ مُقَاتِلٍ، فَقَرَأَ عَلَيْهِمْ كِتَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَسَأَلَهُمْ عَنِ الرَّأْيِ فِيهِ، فَاجْتَمَعَ رَأْيُ أَهْلِ الْوَادِي مِنْهُمْ عَلَى أَنْ يَبْعَثُوا شرحبيل بن وداعة الهمداني، وعبد الله بن شرحبيل، وجبار بن فيض الحارثي، فَيَأْتُوهُمْ بِخَبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
فَانْطَلَقَ الْوَفْدُ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالْمَدِينَةِ، وَضَعُوا ثِيَابَ السَّفَرِ عَنْهُمْ، وَلَبِسُوا حُلَلًا لَهُمْ يَجُرُّونَهَا مِنَ الْحِبَرَةِ، وَخَوَاتِيمَ الذَّهَبِ، ثُمَّ انْطَلَقُوا حَتَّى أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عليهم السلام، وَتَصَدَّوْا لِكَلَامِهِ نَهَارًا طَوِيلًا، فَلَمْ يُكَلِّمْهُمْ، وَعَلَيْهِمْ تِلْكَ الْحُلَلُ وَالْخَوَاتِيمُ الذَّهَبُ، فَانْطَلَقُوا يَتْبَعُونَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ، وَكَانَا مَعْرِفَةً لَهُمْ، كَانَا يُخْرِجَانِ الْعِيرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِلَى نَجْرَانَ، فَيُشْتَرَى لَهُمَا مِنْ بُرِّهَا وَثَمَرِهَا وَذُرَتِهَا، فَوَجَدُوهُمَا فِي نَاسٍ مِنَ الْأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي مَجْلِسٍ، فَقَالُوا: يَا عثمان، وَيَا عبد الرحمن، إِنَّ نَبِيَّكُمْ كَتَبَ إِلَيْنَا بِكِتَابٍ، فَأَقْبَلْنَا مُجِيبِينَ لَهُ، فَأَتَيْنَاهُ فَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْنَا سَلَامَنَا، وَتَصَدَّيْنَا لِكَلَامِهِ نَهَارًا طَوِيلًا، فَأَعْيَانَا أَنْ يُكَلِّمَنَا، فَمَا الرَّأْيُ مِنْكُمَا، أَنَعُودُ؟ فَقَالَا لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَهُوَ فِي الْقَوْمِ: مَا تَرَى يَا أبا الحسن فِي هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ؟ فَقَالَ علي لعثمان وعبد الرحمن رضي الله عنهما: أَرَى أَنْ يَضَعُوا حُلَلَهُمْ هَذِهِ وَخَوَاتِيمَهُمْ، وَيَلْبَسُوا ثِيَابَ سَفَرِهِمْ، ثُمَّ يَأْتُوا إِلَيْهِ، فَفَعَلَ الْوَفْدُ ذَلِكَ، فَوَضَعُوا حُلَلَهُمْ وَخَوَاتِيمَهُمْ، ثُمَّ عَادُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ، فَرَدَّ سَلَامَهُمْ، ثُمَّ سَأَلَهُمْ وَسَأَلُوهُ، فَلَمْ تَزَلْ بِهِ وَبِهِمُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى قَالُوا لَهُ: «مَا تَقُولُ فِي عِيسَى عليه السلام؟ فَإِنَّا نَرْجِعُ إِلَى قَوْمِنَا وَنَحْنُ نَصَارَى، فَيَسُرُّنَا إِنْ كُنْتَ نَبِيًّا أَنْ نَعْلَمَ مَا تَقُولُ فِيهِ؟
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (مَا عِنْدِي فِيهِ شَيْءٌ يَوْمِي هَذَا، فَأَقِيمُوا حَتَّى أُخْبِرَكُمْ بِمَا يُقَالُ لِي فِي عِيسَى عليه السلام فَأَصْبَحَ الْغَدُ، وَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ – الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ – فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ} [آل عمران: 59 – 61] ) [آلِ عِمْرَانَ: 59 – 61] ، فَأَبَوْا أَنْ يُقِرُّوا بِذَلِكَ» ، فَلَمَّا أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْغَدَ بَعْدَمَا أَخْبَرَهُمُ الْخَبَرَ، أَقْبَلَ مُشْتَمِلًا عَلَى الحسن والحسين رضي الله عنهما فِي خَمِيلٍ لَهُ، وفاطمة رضي الله عنها تَمْشِي عِنْدَ ظَهْرِهِ لِلْمُبَاهَلَةِ، وَلَهُ يَوْمَئِذٍ عِدَّةُ نِسْوَةٍ، فَقَالَ شرحبيل لِصَاحِبَيْهِ: يَا عبد الله بن شرحبيل، وَيَا جبار بن فيض، قَدْ عَلِمْتُمَا أَنَّ الْوَادِيَ إِذَا اجْتَمَعَ أَعْلَاهُ وَأَسْفَلُهُ لَمْ يَرِدُوا وَلَمْ يَصْدُرُوا إِلَّا عَنْ رَأْيِي، وَإِنِّي وَاللَّهِ أَرَى أَمْرًا مُقْبِلًا، وَأَرَى وَاللَّهِ إِنْ كَانَ هَذَا الرَّجُلُ مَلِكًا مَبْعُوثًا، فَكُنَّا أَوَّلَ الْعَرَبِ طَعَنَ فِي عَيْنِهِ، وَرَدَّ عَلَيْهِ أَمْرَهُ لَا يَذْهَبُ لَنَا مِنْ صَدْرِهِ، وَلَا مِنْ صُدُورِ قَوْمِهِ حَتَّى يُصِيبُونَا بِجَائِحَةٍ، وَإِنَّا أَدْنَى الْعَرَبِ مِنْهُمْ جِوَارًا، وَإِنْ كَانَ هَذَا الرَّجُلُ نَبِيًّا مُرْسَلًا فَلَاعَنَّاهُ، فَلَا يَبْقَى عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مِنَّا شَعْرَةٌ وَلَا ظُفْرٌ إِلَّا هَلَكَ، فَقَالَ لَهُ صَاحِبَاهُ: فَمَا الرَّأْيُ فَقَدْ وَضَعَتْكَ الْأُمُورُ عَلَى ذِرَاعٍ، فَهَاتِ رَأْيَكَ؟ فَقَالَ: رَأْيِي أَنْ أُحَكِّمَهُ، فَإِنِّي أَرَى رَجُلًا لَا يَحْكُمُ شَطَطًا أَبَدًا. فَقَالَا لَهُ: أَنْتَ وَذَاكَ.
فَلَقِيَ شرحبيل رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ خَيْرًا مِنْ مُلَاعَنَتِكَ، فَقَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ شرحبيل: حُكْمُكَ الْيَوْمَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَيْلَتَكَ إِلَى الصَّبَاحِ، فَمَهْمَا حَكَمْتَ فِينَا، فَهُوَ جَائِزٌ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (لَعَلَّ وَرَاءَكَ أَحَدًا يُثَرِّبُ عَلَيْكَ، فَقَالَ لَهُ شرحبيل: سَلْ صَاحِبَيَّ، فَسَأَلَهُمَا فَقَالَا: مَا يَرِدُ الْوَادِي وَلَا يَصْدُرُ إِلَّا عَنْ رَأْيِ شرحبيل. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ” كَافِرٌ “، أَوْ قَالَ ” جَاحِدٌ مُوَفَّقٌ) .
فَرَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يُلَاعِنْهُمْ، حَتَّى إِذَا كَانَ مِنَ الْغَدِ أَتَوْهُ، فَكَتَبَ لَهُمْ فِي الْكِتَابِ: ( «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، هَذَا مَا كَتَبَ مُحَمَّدٌ النَّبِيُّ رَسُولُ اللَّهِ لِنَجْرَانَ إِذْ كَانَ عَلَيْهِمْ حُكْمُهُ فِي كُلِّ ثَمَرَةٍ، وَفِي كُلِّ صَفْرَاءَ وَبَيْضَاءَ وَسَوْدَاءَ وَرَقِيقٍ، فَأَفْضَلَ عَلَيْهِمْ وَتَرَكَ ذَلِكَ كُلَّهُ عَلَى أَلْفَيْ حُلَّةٍ، فِي كُلِّ رَجَبٍ أَلْفُ حُلَّةٍ، وَفِي كُلِّ صَفَرٍ أَلْفُ حُلَّةٍ، وَكُلُّ حُلَّةٍ أُوقِيَّةٌ، مَا زَادَتْ عَلَى الْخَرَاجِ أَوْ نَقَصَتْ عَلَى الْأَوَاقِيِ فَبِحِسَابٍ، وَمَا قَضَوْا مِنْ دُرُوعٍ أَوْ خَيْلٍ أَوْ رِكَابٍ أَوْ عَرَضٍ أُخِذَ مِنْهُمْ بِحِسَابٍ، وَعَلَى نَجْرَانَ مُثْوَاةُ رُسُلِي، وَمُتْعَتُهُمْ بِهَا عِشْرِينَ فَدُونَهُ، وَلَا يُحْبَسُ رَسُولٌ فَوْقَ شَهْرٍ، وَعَلَيْهِمْ عَارِيَةٌ ثَلَاثِينَ دِرْعًا، وَثَلَاثِينَ فَرَسًا، وَثَلَاثِينَ بَعِيرًا، إِذَا كَانَ كَيْدٌ بِالْيَمَنِ وَمَغْدَرَةٌ، وَمَا هَلَكَ مِمَّا أَعَارُوا رَسُولِي مِنْ دُرُوعٍ، أَوْ خَيْلٍ، أَوْ رِكَابٍ، فَهُوَ ضَمَانٌ عَلَى رَسُولِي حَتَّى يُؤَدِّيَهُ إِلَيْهِمْ، وَلِنَجْرَانَ وَحَسْبُهَا جِوَارُ اللَّهِ وَذِمَّةُ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَمِلَّتِهِمْ وَأَرْضِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، وَغَائِبِهِمْ وَشَاهِدِهِمْ، وَعَشِيرَتِهِمْ وَتَبَعِهِمْ، وَأَنْ لَا يُغَيِّرُوا مِمَّا كَانُوا عَلَيْهِ، وَلَا يُغَيَّرُ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِهِمْ وَلَا مِلَّتِهِمْ، وَلَا يُغَيَّرُ أُسْقُفٌ مِنْ أُسْقُفِيَّتِهِ، وَلَا رَاهِبٌ مِنْ رَهْبَانِيَّتِهِ، وَلَا وَافِهٍ عَنْ وَفَهِيَّتِهِ، وَكُلُّ مَا تَحْتَ أَيْدِيهِمْ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ، وَلَيْسَ عَلَيْهِمْ رِيبَةٌ وَلَا دَمُ جَاهِلِيَّةٍ، وَلَا يُحْشَرُونَ، وَلَا يُعَشَّرُونَ، وَلَا يَطَأُ أَرْضَهُمْ جَيْشٌ، وَمَنْ سَأَلَ مِنْهُمْ حَقًّا فَبَيْنَهُمُ النِّصْفُ غَيْرَ ظَالِمِينَ وَلَا مَظْلُومِينَ، وَمَنْ أَكَلَ رِبًا مِنْ ذِي قَبْلُ، فَذِمَّتِي مِنْهُ بَرِيئَةٌ، وَلَا يُؤْخَذُ رَجُلٌ مِنْهُمْ بِظُلْمِ آخَرَ، وَعَلَى مَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ جِوَارُ اللَّهِ وَذِمَّةُ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ مَا نَصَحُوا وَأَصْلَحُوا فِيمَا عَلَيْهِمْ غَيْرَ مُنْقَلِبِينَ بِظُلْمٍ» )

وَقَدِمَ عَلَيْهِ ‌وَفْدُ ‌هَمْدَانَ، مِنْهُمْ: مالك بن النمط، ومالك بن أيفع؛ وضمام بن مالك، وعمرو بن مالك، فَلَقُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَرْجِعَهُ مِنْ تَبُوكَ، وَعَلَيْهِمْ مُقَطَّعَاتُ الْحِبَرَاتِ وَالْعَمَائِمُ الْعَدَنِيَّةُ عَلَى الرَّوَاحِلِ الْمَهْرِيَّةِ وَالْأَرْحَبِيَّةِ، ومالك بن النمط يَرْتَجِزُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَيَقُولُ:
إِلَيْكَ جَاوَزْنَ سَوَادَ الرِّيفِ … فِي هَبَوَاتِ الصَّيْفِ وَالْخَرِيفِ
مُخَطَّمَاتٍ بِحِبَالِ اللِّيفِ
وَذَكَرُوا لَهُ كَلَامًا حَسَنًا فَصِيحًا، فَكَتَبَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كِتَابًا أَقْطَعَهُمْ فِيهِ مَا سَأَلُوهُ، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ مالك بن النمط، وَاسْتَعْمَلَهُ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ مِنْ قَوْمِهِ

عَنْ أنس أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ( «يَقْدَمُ قَوْمٌ هُمْ أَرَقُّ مِنْكُمْ قُلُوبًا» ) ، فَقَدِمَ الْأَشْعَرِيُّونَ، فَجَعَلُوا يَرْتَجِزُونَ
غَدًا نَلْقَى الْأَحِبَّةْ … مُحَمَّدًا وَحِزْبَهْ
وَفِي ” صَحِيحِ مسلم ” عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ( «جَاءَ أَهْلُ الْيَمَنِ، هُمْ أَرَقُّ أَفْئِدَةً وَأَضْعَفُ قُلُوبًا، وَالْإِيمَانُ يَمَانٌ، وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ، وَالسَّكِينَةُ فِي أَهْلِ الْغَنَمِ، وَالْفَخْرُ وَالْخُيَلَاءُ فِي الْفَدَّادِينَ مِنْ أَهْلِ الْوَبَرِ قِبَلَ مَطْلَعِ الشَّمْسِ»