أحداث السنة الثالثة عشرة من بعثة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم
Events of the thirteenth year of the mission of the Messenger of Allah, Muhammad (peace and blessings of Allah be upon him)
لما حضر الحج مشى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين أسلموا بعضهم إلى بعض يتواعدون المسير إلى الحج وموافاة رسول الله صلى الله عليه وسلم والإِسلام يومئذ فاش بالمدينة، فخرجوا وهم سبعون يزيدون رجلًا أو رجلين في خمر الأوس والخزرج وهم خمسمائة، حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة، فسلموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم وعدهم من وسط أيام التشريق ليلة النفر الأول إذا هدأت الرجل أن يوافوه في الشعب الأيمن إذا انحدروا من منى بأسفل العقبة حيث المسجد اليوم، وأمرهم أن لا ينبهوا نائما ولا ينتظروا غائبا، قال: فخرج القوم بعد هدأة يتسللون الرجل والرجلان وقد سبقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذلك الموضع معه العباس بن عبد المطلب ليس معه أحد غيره، فكان أول من طلع على رسول الله صلى الله عليه وسلم رافع بن مالك الزرقي، ثم توافى السبعون ومعهم امرأتان، قال أسعد بن زرارة: فكان أول من تكلم العباس بن عبد المطلب فقال: يا معشر الخزرج إنكم قد دعوتم محمدًا إلى ما دعوتموه إليه، ومحمَّد من أعز الناس في عشيرته، يمنعه والله منا من كان على قوله، ومن لم يكن منا على قوله يمنعه للحسب والشرف، وقد أبى محمد الناس كلهم غيركم، فإن كنتم أهل قوة وجلد وبصر بالحرب واستقلال بعداوة العرب قاطبة ترميكم عن قوس واحدة، فارتأوا رأيكم وأتمروا بينكم ولا تفترقوا إلا عن ملأٍ منكم واجتماع، فإن أحسن الحديث أصدقه، فقال البراء بن معرور: قد سمعنا ما قلت وإنا والله لو كان في أنفسنا غير ما تنطق به لقلناه، ولكنا نريد الوفاء والصدق وبذل مهج أنفسنا دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: وتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم القرآن ثم دعاهم إلى الله ورغبهم في الإِسلام وذكر الذي اجتمعوا له، فأجابه البراء بن معرور بالإيمان والتصديق ثم قال: يا رسول الله بايعنا فنحن أهل الحلقة ورثناها كابرًا عن كابر، ويقال إن أبا الهيثم بن التيهان كان أول من تكلم وأجاب إلى ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصدقه، وقالوا: نقبله على مصيبة الأموال وقتل الأشراف، ولغطوا، فقال العباس بن عبد المطب: وهو أخذ بيد رسول الله صلى اللهعليه وسلم: أخفوا حرسكم فإن علينا عيونا، وقدموا ذوي أسنانكم، فيكونون هم الذين يلون كلامنا منكم، فإنا نخاف قومكم عليكم، ثم إذا بايعتم فتفرقوا إلى محالكم، فتكلم البراء ابن معرور فأجاب العباس بن عبد المطلب، ثم قال: ابسط يدك يا رسول الله، فكان أول من ضرب على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم، البراء بن معرور، ويقال أول من ضرب على يده أبو الهيثم بن التيهان، ويقال أسعد بن زرارة، ثم ضرب السبعون كلهم على يده وبايعوه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن موسى أخذ من بني إسرائيل اثني عشر نقيبا فلا يجدن منكم أحد في نفسه أن يؤخذ غيره، فإنما يختار لي جبريل، فلما تخيرهم قال للنقباء: أنتم كفلاء على غيركم ككفالة الحواريين لعيسى بن مريم وأنا كفيل على قومي، قالوا: نعم، فلما بايع القوم وكملوا صاح الشيطان على العقبة بأبعد صوت سمع: يا أهل الأخاشب، هل لكم في محمَّد والصباة معه قد أجمعوا على حربكم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: انفضوا إلى رحالكم، فقال العباس بن عبادة بن نضلة: يا رسول الله والذي بعثك بالحق لئن أحببت لنميلن على أهل منى بأسيافنا، وما أحد عليه سيف تلك الليلة غيره، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنا لم نرمر بذلك فانفضوا إلى رحالكم، فتفرقوا إلى رحالهم، فلما أصبح القوم غدت عليهم جلة قريش وأشرافهم حتى دخلوا شعب الأنصار فقالوا: يا معشر الخزرج، إنه بلغنا أنكم لقيتم صاحبنا البارحة وواعدتموه أن تبايعوه على حربنا، وأيم الله ما حي من العرب أبغض إلينا أن تنشب بيننا وبينه الحرب منكم، قال: فانبعث من كان هناك من الخزرج من المشركين يحلفون لهم بالله ما كان هذا وما علمنا، وجعل ابن أبي يقول: هذا باطل وما كان هذا وما كان قومي ليفتأتوا علي بمثل هذا، ولو كنت بيثرب ما صنع هذا قومي حتى يؤامروني، فلما رجعت قريش من عندهم رحل البراء بن معرور فتقدم إلى بطن يأجج وتلاحق أصحابه من المسلمين، وجعلت قريش تطلبهم في كل وجه ولا تعدوا طرق المدينة، وحزبوا عليهم، فأدركوا سعد بن عبادة، فجعلوا يده إلى عنقه بنسعة وجعلوا يضربونه ويجرون شعره، وكان ذا جمة، حتى أدخلوه مكة، فجاءه مطعم بن عدي والحارث بن أمية بن عبد شمس فخلصاه من بين أيديهم، وأتمرت الأنصار حين فقدوا سعد بن عبادة أن يكروا إليه، فإذا سعد قد طلع عليهم، فرحل القوم جميعا إلى المدينة.
شروط البيعة في العقبة الأخيرة
قال ابن إسحاق: وكانت بيعة الحرب، حين أذن الله لرسوله صلى الله عليه وسلم في القتال شروطًا سوى شرطه عليهم في العقبة الأولى، كانت الأولى على بيعة النساء وذلك أن الله تعالى لم يكن أذن لرسوله صلى الله عليه وسلم في الحرب، فلما أذن الله له فيها، وبايعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في العقبه الأخيرة على حرب الأحمر والأسود، أخذ لنفسه واشترط على القوم لربه، وجعل لهم على الوفاء بذلك الجنة.
قال ابن إسحاق: فحدثني عبادة بن الوليد بن الصامت، عن أبيه الوليد، عن جده عبادة ابن الصامت، وكان أحد النقباء، قال: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم -بيعة الحرب وكان عبادة من الاثنى عشر الذين بايعوه في العقبة الأولى على بيعة النساء- على السمع والطاعة، في عسرنا ويسرنا ومنشطنا ومكرهنا، وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله، وأن نقول بالحق أينما كنا، لا نخاف في الله لومة لائم.
أسماء النقباء الإثنى عشر في بيعة العقبة الآخرة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أخرجوا منكم اثني عشر نقيبا” فأخرجهم، فكان نقيب بني النجار: أسعد بن زرارة.
وكان نقيب بني سلمة: البراء بن معرور، وعبد الله بن عمرو بن حرام.
وكان نقيب بني ساعدة: سعد بن عبادة، والمنذر بن عمرو.
وكان نقيب بني زريق: رافع بن مالك بن العجلان.
وكان نقيب بني الحارث بن الخزرج: عبد الله بن رواحة، وسعد بن الربيع.
وكان نقيب بني عوف بن الخزرج: عبادة بن الصامت.
وكان نقيب بني عبد الأشهل: أسيد بن حضير، وأبو الهيثم بن التيهان.
وكان نقيب بني عمرو بن عوف: سعد بن خيثمة.
تسمية من شهد العقبة من الأنصار
قال ابن إسحاق كانوا ثلاثة وسبعين رجلًا وامرأتين:
من بني عبد الأشهل
1 – أبو الهيثم بن التيهان، نقيب، وشهد بدرًا.
2 – أسيد بن الخضير، نقيب.
3 – سلمه بن سلامة بن وقش، شهد بدرًا.
من بني حارثة بن الحارث
1 – ظهير بن رافع بن عدي.
2 – أبو بردة بن نيار، شهد بدرًا.
3 – نهير بن الهيثم.
من بني عمرو بن عوف
1 – سعد بن خيثمة، نقيب، شهد بدرًا وقتل شهيدًا.
2 – رفاعة بن بن عبد المنذر، نقيب، شهد بدرًا.
3 – عبد الله بن جبير، شهد بدرًا وقتل يوم أحد شهيدًا.
4 – معن بن عدي البلوي، شهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
5 – عويم بن مساعده، شهد بدرًا وأحدًا والخندق.
فجميع من شهد العقبة من الأوس أحد عشر رجلًا
من بني الخزرج بن حارثة
1 – أبو أيوب الأنصاري خالد بن يزيد، شهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
2 – معاذ بن الحارث بن رفاعة وهو ابن عفراء، شهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
3 – عوف بن الحارث أخوه، شهد بدرًا وقتل شهيدًا.
4 – معوذ بن الحارث أخوه، شهد بدرًا وقتل شهيدًا.
5 – عمارة بن حزم بن زيد، شهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
– أسعد بن زراره، نقيب.
من بني عمرو بن مبذول
1 – سهل بن عتيك بن نعمان، شهد بدرًا.
من بني عمرو بن مالك
1 – أوس بن ثابت بن المنذر، شهد بدرًا.
2 – أبو طلحه زيد بن سهل، شهد بدرًا.
من بني مازن بن النجار
1 – قيس بن أبي صعصعة، شهد بدرًا.
2 – غزية بن عمرو بن عطية بن خنساء قاله بن هشام.
فجميع من شهد العقبة من بني النجار أحد عشر رجلًا.
من بني الحارث بن الخزرج
1 – سعد بن الربيع، نقيب، شهد بدرًا وقتل يوم أحد شهيدًا.
2 – خارجة بن زيد بن أبي زهير، شهد بدرًا وقتل يوم أحد شهيدًا.
3 – عبد الله بن رواحة، نقيب، شهد المشاهد كلها وقتل يوم مؤتة شهيدًا.
4 – بشير بن سعد بن ثعلبه، شهد بدرًا.
5 – عبد الله بن زيد بن ثعلبه الذي أري النداء للصلاة.
6 – خلاد بن سويد بن ثعلبه، شهد بدرًا وقتل يوم بني قريظة شهيدًا.
7 – عطية بن عمرو وهو أبو مسعود أحدث القوم سنًا.
من بني بياضة بن عامر
1 – زياد بن لبيد، شهد بدرًا.
2 – فروة بن عمرو بن وذفه.
3 – خالد بن قيس بن مالك، شهد بدرًا.
من بني رزيق
1 – رافع بن مالك بن العجلان، نقيب.
2 – ذكوان بن عبد القيس المهاجري الأنصاري، شهد بدرًا وقتل يوم أحد شهيدًا.
3 – عباد بن قيس بن عامر، شهد بدرًا.
4 – الحارث بن قيس بن خالد، شهد بدرًا.
ومن بني سلمة بن سعد
1 – البراء بن معرور، نقيب.
2 – بشر بن البراء بن معرور، شهد المشاهد كلها ومات بخيبر مسمومًا.
3 – سنان بن صيفي بن صخر، شهد بدرًا وقتل يوم الخندق شهيدًا.
4 – والطفيل بن النعمان بن خنساء، شهد بدرًا وقتل يوم الخندق شهيدًا.
5 – معقل بن المنذر بن سرح، شهد بدرًا.
6 – يزيد بن المنذر أخوه، شهد بدرًا.
7 – مسعود بن يزيد بن سبيع.
8 – الضحاك بن حارثة بن زيد، شهد بدرًا.
9 – يزيد بن حرام بن سبيع.
10 – جبار بن صخر بن أميه، شهد بدرًا.
11 – الطفيل بن مالك بن خنساء، شهد بدرًا.
من بني سواد بن غنم
1 – كعب بن مالك، شاعر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
من بني غنم بن سواد
1 – سليم بن عمرو بن حديره، شهد بدرًا.
2 – قطبه بن عامر بن حديره، شهد بدرًا.
3 – يزيد بن عامر بن حديره، شهد بدرًا.
4 – أبو اليسر كعب بن عمرو، شهد بدرًا.
5 – صيفى بن سواد بن عباد.
من بني نابي بن عمرو
1 – ثعلبة بن غنمه بن عدي، شهد بدرًا وقتل بالخندق شهيدًا.
2 – عمرو بن غنمه بن عدي.
– عبس بن عامر بن عدي، شهد بدرًا.
4 – عبد الله بن أنيس القضاعي.
5 – خالد بن عمرو بن عدى.
من بني حرام بن كعب
1 – عبد الله بن عمرو بن حرام، نقيب، شهد بدرًا وقتل يوم أحد شهيدًا.
2 – جابر بن عبد الله.
3 – معاذ بن عمرو بن الجموح، شهد بدرًا.
4 – ثابت بن الجذع، شهد بدرًا وقتل بالطائف شهيدًا.
5 – عمير بن الحارث بن ثعلبه، شهد بدرًا.
6 – خديج بن سلامة بن أوس البلوي.
7 – معاذ بن جبل، شهد المشاهد كلها ومات بطاعون عمواس.
من بني عوف بن الخزرج وهم القواقل
1 – عبادة بن الصامت، نقيب، شهد بدرًا والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
2 – العباس بن عبادة بن نضله المهاجري الأنصاري قتل يوم أحد شهيدًا.
3 – أبو عبد الرحمن يزيد بن ثعلبه البلوي.
4 – عمرو بن الحارث بن لبدة.
من بني سالم بن غنم وهم بنو الحبلى
1 – رفاعة بن عمرو، شهد بدرًا.
2 – عقبة بن وهب بن كلدة المهاجري الأنصاري، شهد بدرًا.
من بني ساعده بن كعب
1 – سعد بن عبادة بن دليم، نقيب.
2 – المنذر بن عمرو بن خنيس، نقيب، شهد بدرًا وقتل يوم بئر معونة.
من بني مازن بن النجار
1 – نسيبه بنت كعب أم عمارة.
من بني سلمة
1 – أم منيع أسماء بنت عمرو بن عدي.
لما صدر السبعون من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم طابت نفسه وقد جعل الله له منعه وقومًا أهل حرب وعدة ونجدة، وجعل البلاء يشتد على المسلمين من المشركين لما يعلمون من الخروج، فضيقوا على أصحابه وتعبثوا بهم، ونالوا منهم ما لم يكونوا ينالون من الشتم والأذى، فشكا ذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم واستأذنوه في الهجرة، فقال: “قد أريت دار هجرتكم، أريت سبخة ذات نخل بين لابتين، وهما الحرتان، ولو كانت السراة أرض نخل وسباخ لقلت هي هي”، ثم مكث أيامًا ثم خرج إلى أصحابه مسرورًا فقال: “قد أخبرت بدار هجرتكم وهي يثرب، فمن أراد الخروج فليخرج إليها”؛ فجعل القوم يتجهزون ويتوافقون ويتواسون ويخرجون ويخفون ذلك.
أول ظعينة قدمت المدينة المنورة
حدثنا عبد الله بن شبيب، ثنا ذؤيب بن عمامة السهمي، ثنا عبد العزيز ابن محمَّد، عن ابن أخي الزهري، عن الزهري، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة، قال: سمعت أبي يقول “أول ظعينة قدمت المدينة، ليلى بنت أبي حثمة، وهي زوجته”
أول من هاجر إلى المدينة
عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: “أول من قدم علينا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: مصعب بن عمير، وابن أم مكتوم، فجعلا يقرآننا القرآن، ثم جاء عمار وبلال وسعد، ثم جاء عمر بن الخطاب في عشرين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قصة هجرة أم سلمة رضي الله عنها
روى ابن إسحاق بسنده (1) عن أم سلمه زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: لما أجمع أبو سلمه الخروج إلى المدينة رحل لي بعيره، ثم حملني عليه، وجعل معي ابني سلمة بن أبي سلمه في حجري، ثم خرج بي يقود بي بعيره، فلما رأته رجال بني المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم قاموا إليه، فقالوا: هذه نفسك غلبتنا عليها، أرأيت صاحبتنا هذه، علام نتركك تسير بها في البلاد؟ قالت: فنزعوا خطام البعير من يده، فأخذوني منه قالت: وغضب عند ذلك بنو عبد الأسد رهط أبي سلمة قالوا: لا والله لا نترك ابننا عندها إذ نزعتموها من صاحبنا، قالت: فتجاذبوا ابني سلمه بينهم، حتى خلعوا يده وانطلق به بنو عبد الأسد، وحبسني بنو المغيرة عندهم، انطلق زوجي أبو سلمة إلى المدينة، قالت: ففرق بيني وبين زوجي وبين ابني، قالت: فكنت أخرج كل غداة فأجلس بالأبطح (2)، فما أزال أبكي حتى أمسي، سنة أو قريبا منها، حتى مر بي رجل من بني عمي أحد بني المغيرة، فرأى ما بي، فرحمني، فقال لبني المغيرة: ألا تحرجون (3) من هذه المسكينة؟ فرقتم بينها وبين زوجها وبين ولدها، قالت: فقالوا لي: الحقي بزوجك إن شئت، قالت: ورد بنو عبد الأسد إلي عند ذلك ابني، قالت: فارتحلت بعيري، ثم أخذت ابني فوضعته في حجري، ثم خرجت أريد زوجي بالمدينة، قالت: وما معي أحد من خلق الله، قالت: فقلت: أتبلغ (4) بمن لقيت حتى أقدم على زوجي، حتى إذا كنت بالتنعيم لقيت عثمان بن طلحة (5) بن أبي طلحة أخا بني عبد الدار، فقال لي: إلي أين يا بنت أبي أمية؟ قالت: فقلت: أريد زوجي بالمدينة، قال: أوما معك أحد؟ قالت: فقلت: لا والله إلا الله وبني هذا، قال: والله ما لك من مترك، فأخذ بخطام البعير، فانطلق معي يهوى بي، فوالله ما صحبت رجلًا من العرب قط أرى أنهكان أكرم منه، كان إذا بلغ المنزل أناخ بي ثم استأخر عني، حتى إذا نزلت عنه استأخر ببعيري فحط عنه ثم قيده في الشجرة، ثم تنحى إلى الشجرة فاضطجع تحتها، فإذا دنا الرواح قام إلى بعيري فقدمه فرحله، ثم استأخر عني فقال: اركبي، فإذا ركبت فاستويت على بعيري أتى فأخذ بخطامه، فقاد بي حتى ينزل بي، فلم يزل يصنع ذلك بي حتى أقدمني المدينة، فلما نظر إلى قرية بني عمرو بن عوف بقباء قال: زوجك في هذه القرية، وكان أبو سلمة بها نازلًا، فادخليها على بركة الله، ثم انصرف راجعا إلى مكة قال: فكانت تقول: والله ما أعلم أهل بيت في الإِسلام أصابهم ما أصاب آل أبي سلمة، وما رأيت صاحبًا قط أكرم من عثمان بن طلحه.
هجرة الصحابة رضوان الله عليهم إلى المدينة
قال ابن إسحاق: ثم كان أول من قدمها من المهاجرين بعد أبي سلمة: عامر بن ربيعة، حليف بني عدي بن كعب، معه امرأته ليلى بنت أبى حثمة بن غانم بن عبد اللهبن عوف بن عبيد بن على بن كعب. ثم عبد الله بن جحش بن رئاب بن يعمر بن صبرة بن مرة بن كبير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة، حليف بني أمية بن عبد شمس احتمل بأهله وبأخيه عبد بن جحش.
ثم قدم المهاجرون أرسالا، وكان بنو غنم بن دودان أهل إسلام، قد أوعبوا إلى المدينة مع رسول لله صلى الله عليه وسلم هجرة رجالهم ونسائهم: عبد الله بن جحش، وأخوه أبو أحمد بن جحش، وعكاشة بن محصن، وشجاع، وعقبة، ابنا وهب، وأربد بن حميرة.
قال ابن هشام: ويقال ابن حميرة.قال ابن إسحاق: ومنقذ بن نباتة، وسعيد بن رقيش، ومحرز بن نضلة، ويزيد بن رقيش، وقيس بن جابر، وعمرو بن محصن، ومالك بن عمرو، وصفوان بن عمرو، وثقف بن عمرو، وربيعة بن أكثم، والزبير بن عبيد، وتمام بن عبيدة، وسخبرة بن عبيدة ومحمَّد بن عبد الله بن جحش.
ومن نسائهم: زينب بنت جحش، وأم حبيب بنت جحش، وحذامة بنت جندل، وأم قيس بنت محصن، وأم حبيب بنت ثمامة، وآمنة بنت رقيش، وسخبرة بنت تميم، وحمنة بنت جحش.
نزول المهاجرين العصبة بجانب قباء رضوان الله عليهم
حدثنا محمَّد بن عثمان العجلي، قال ثنا ابن نمير، عن عبيد الله، عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: إن المهاجرين حين أقبلوا من مكة إلى المدينة نزلوا العصبة إلى جنب قباء، فأمهم سالم مولى أبي حذيفة لأنه كان أكثرهم قرآنا فيهم أبو سلمة بن عبد الأسد وعمر رضي الله عنهم
وَلم يَبقَ بمكَّة إلاّ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بكرٍ وعليُّ، أَو مفتونٌ مَحبوسٌ، أَو مريضٌ، أَو ضعيفٌ عَن الْخُرُوج. وَرَأى الْمُشْركُونَ ذَلِك فخافوا خروجَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فَاجْتمعُوا فِي دَار النَّدوَة، وَلم يتخلَّف أحدٌ من أهل الرَّأْي والحِجَا مِنْهُم، لِيتشاوروا فِي أمرِ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم .
ويُسمَّى الْيَوْم الَّذِي اجْتَمعُوا فِيهِ يَوْم (الزَّحمة) وحضرهم إِبْلِيس – لَعنة الله عَلَيْهِ – فِي صُورَة شيخٍ كبيرٍ من أهل نَجدٍ، فتذاكروا أمرَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَأَشَارَ بعضُهم بحبسه وَأَشَارَ بعضُهم بنفْيه فردَّ ذَلِك إِبْلِيس وَقَالَ: لَيْسَ هَذَا برأيٍّ. فَقَالَ أَبُو جهل: أرى أنْ نأخذَ من كل قبيلةٍ من قُرَيْش غُلَاما نَهْداً جَلداً، ثمّ نُعطيه سَيْفا صارِماً، فيضربونَه ضربةَ رجلٍ واحدٍ، فيتفرَّق دَمُه فِي الْقَبَائِل، فَلَا يَدري بَنو عبد منَاف بعد ذَلِك مَا يَصنعون. فَقَالَ إِبْلِيس: لله دَرُّ الْفَتى، هَذَا الرأيُّ وإلاّ فَلَا. فتفرّقوا على ذَلِك، وَأَجْمعُوا عَلَيْهِ.
فَأتى جبريلُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فأَعلمه بذلك، وأَمره أنْ لَا ينامَ فِي مضجعِه تِلْكَ اللَّيْلَة، وأمرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عَليّاً أنْ يبيتَ فِي مَضجعه تِلْكَ الليلةَ، فَبَاتَ فِيهِ عليٌّ، وتغشّى بُرْداً أحمرَ حَضْرميّاً، كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَنام فِيهِ. وَاجْتمعَ النفرُ من قريشٍ يتطلّعون من صِير الْبَاب، ويَرصُدونه يُريدون بياته، ويأتمرون أيّهم يحمل عَلَيْهِ. فَخرج رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وهم جُلوسٌ على الْبَاب، فَأخذ حَفْنةً من ترابٍ، فَجعل يَذرّه على رؤوسهم، وَيَتْلُو {يس وَالْقُرْآن الْحَكِيم} حَتَّى بلغ {وَسَوَاء عَلَيْهِم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لَا يُؤمنُونَ} وَمضى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَأَتَاهُم آتٍ ممّن لم يكن مَعَهم. فَقَالَ: مَا تَنتظرونَ هَا هُنا؟ قَالُوا: مُحَمَّدًا. قَالَ خِبتُم وخسِرْتُم. قدْ – وللهِ – مرَّ بكم، مَا تركَ مِنْكُم رجلا إِلَى وضعَ على رأسِه تُراباً، وانطلقَ لحاجتِه. أَفلا ترونَ مَا بكمْ؟ قَالُوا: وَالله مَا أبصرناهُ، وَقَامُوا يَنْفُضون الترابَ عَن رؤوسِهم، ثمَّ جعلُوا ينظرُونَ فيَروْنَ عليّاً على الفراشِ مُلتحِفاً بِبُرْدِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فَيَقُولُونَ: واللهِ إنّ هَذَا لمحمدٌ نَائِما، عَلَيْهِ بُردُهُ فَلم يزَالُوا كَذَلِك حَتَّى أَصْبحُوا. فقامَ عليٌّ عَن الفراشِ فَقَالُوا: واللهِ لقد صَدَقَنا الَّذِي كَانَ حَدَّثنا. وسألوا عليّاً عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَا عِلمَ لي بِهِ.
وَكَانَ مِمَّا أَنزل الله – تَعَالَى – فِي ذَلِك {وَإِذ يمكر بك الَّذين كفرُوا ليثبتوك أَو يَقْتُلُوك أَو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله وَالله خير الماكرين} وَسارَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِلَى منزل أبي بكرٍ رضي الله عنه ظُهرَاً، فَقَالَ: ” أَخرِجْ مَنْ عندكَ ” فَقَالَ: يَا رَسُول الله، إِنَّمَا هما ابنتايَ. فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم : ” إنَ الله قد أَذنَ لي فِي الْهِجْرَة ” فَقَالَ أَبُو بكر: الصحبةَ يَا رَسُول الله. فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: ” نعم ” قَالَ أَبُو بكر: فخذْ بأَبي أنتَ وأُمِّي إِحْدَى راحلَتيّ هَاتين. فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: بالثَّمن. وَكَانَ أَبُو بكر اشتراهما بثمانِ مائَة [دِرْهَم] من نَعَمِ بني قُشَير. فَأعْطى النبيَّ صلى الله عليه وسلم إِحْدَاهمَا بالثَّمنِ، وَهِي القَصْواء.ثمَّ خرج هُوَ وَأَبُو بكرٍ، فمضيا إِلَى غارِ ثَوْرٍ.
بعد نجاته من مؤامرة الاغتيال، خرج النبي ﷺ مع أبي بكر الصديق سرًا إلى المدينة لتبدأ مرحلة جديدة من مراحل السيرة النبوية العطرة