أحداث السنة الثانية عشرة من بعثة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم

Events of the twelfth year of the mission of the Messenger of Allah, Muhammad (peace and blessings of Allah be upon him)

عن ابن مسعود قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء ثم انصرف فأخذ بيد عبد الله بن مسعود حتى خرج به إلى بطحاء مكة، فأجلسه ثم خط عليه خطًا، ثم قال: لا تبرحن خطك فإنه سينتهي إليك رجال فلا تكلمهم فإنهم لن يكلموك ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث أراد، فبينا أنا جالس في خطي إذ أتاني رجال كأنهم الزط أشعارهم وأجسامهم لا أرى عروة ولا أرى قشرة وينتهون إليّ ولا يجاوزون الخط، ثم يصدرون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان في آخر الليل، لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جاءني وأنا جالس فقال: لقد آذاني هؤلاء منذ الليلة، ثم دخل عليّ في خطي فتوسد فخذي ورقد، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رقد نفخ، فبينا أنا قاعد ورسول الله صلى الله عليه وسلم متوسد فخذي إذا أنا برجال عليهم ثياب بيض الله أعلم ما بهم من الجمال، فانتهوا إليّ، فجلس طائفة منهم عند رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وطائفة منهم عند رجليه، ثم قالوا بينهم: ما رأينا عبدًا قط أوتي مثل ما أوتي هذا النبي صلى الله عليه وسلم، إن عينيه تنامان وقلبه يقظان، اضربوا له مثلًا: مثل سيد بنى قصرًا ثم جعل مائدة فدعا الناس إلى طعامه وشرابه، فمن أجابه أكل من طعامه وشرب من شرابه، ومن لم يجبه عاقبه أو قال: عذبه ثم ارتفعوا واستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك. فقال: سمعت ما قال هؤلاء، وهل تدري من هم؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: هم الملائكة، فتدري ما المثل الذي ضربوه؟ قلت:الله ورسوله أعلم، قال: المثل الذي ضربوه، الرحمن بنى الجنة ودعا إليها عباده فمن أجابه دخل الجنة ومن لم يجبه عاقبه أو عذبه وقال عقبة: هنا حديثٌ حسنٌ غريب صحيح من هذا الوجه.

عن عبادة بن الصامت  قال: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ليلة العقبة الأولى على أن لا نشرك بالله شيئًا، ولا نسرق، ولا نزني، ولا نقتل أولادنا، ولا نأتي ببهتان نفتريه من بين أيدينا وأرجلنا، ولا نعصيه في معروف، فإن وفيتم فلكم الجنة، وإن غشيتم من ذلك فأخذتم بحده في الدنيا، فهو كفارة له، وإن سترتم عليه إلى يوم القيامة فأمركم إلى الله عز وجل إن شاء عذب وإن شاء غفر.

‌‌أسماء الاثنى عشر رجلًا الذين أسلموا في العقبة الأولى
1 – أسعد بن زراره.
2 – عوف بن الحارث بن رفاعه.
3 – معاذ بن الحارث بن رفاعه.
4 – رافع بن مالك بن العجلان.
5 – ذكوان بن عبد قيس.
6 – عبادة بن الصامت.
7 – أبو عبد الرحمن يزيد بن ثعلبه البلوي.
8 – العباس بن عبادة بن نضله.
9 – عقبة بن عامر بن نابي.
15 – قطبة بن عامر بن حديده.
11 – أبو الهيثم بن التيهان.
12 – عويم بن ساعده.

لما انصرف أهل العقبة الأولى الإثنا عشر، وفشا الإِسلام في دور الأنصار، أرسلت الأنصار رجلًا إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وكتبت إليه كتابًا: (ابعث إلينا رجلًا يفقهنا في الدين ويقرئنا القرآن).

فبعث رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم مصعب بن عمير وابن أم مكتوم إلى المدينة يعلمان الأنصار القرآن
عن البراء قال: أول من قدم علينا من أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم مصعب بن عمير، وابن أم مكتوم، فجعلا يقرئاننا القرآن

لما بعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم مصعب بن عمير أخا بني عبد الدار، نزل في بني غنم على أسعد بن زرارة، فجعل يدعو الناس [سرًا]، ويفشو الإِسلام، ويكثر أهله، وهم في ذلك مستخفون بدعائهم، ثم إن أسعد بن زرارة أقبل هو ومصعب بن عمير حتى أتيا بئر مرق (2) أو قريبًا منها، فجلسوا هنالك، وبعثوا إلى رهط من أهل الأرض، فأتوهم مستخفين، فبينما مصعب بن عمير يحدثهم، ويقص عليهم القرآن، أخبر بهم سعد بن معاذ، فأتاهم في لأمته، ومعه الرمح، حتى وقف عليه، فقال: علام يأتينا في دورنا بهذا الوحيد الفريد الطريح الغريب يسفه ضعفاءنا بالباطل ويدعوهم [إليه]، لا أراكما بعد هذا بشيء من جوارنا، فرجعوا، ثم إنهم عادوا الثانية ببئر مرق أو قريبًا منها، فأخبر بهم سعد بن معاذ الثانية، فواعدهم بوعيدٍ دون الوعيد الأول، فلما رأى أسعد منه لينًا، قال: يا ابن خالة اسمع من قوله، فإن سمعت منه منكرًا، فاردده يا هذا منه، وإن سمعت خيرًا فأجب الله، فقال: ماذا يقول؟ فقرأ عليهم مصعب بن عمير {حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} فقال سعد: وما أسمع إلا ما أعرف، فرجع وقد هداه الله تعالى، ولم يظهر أمر الإِسلام حتى رجع، فرجع إلى قومه، فدعا بني عبد الأشهل إلى الإِسلام، وأظهر إسلامه، وقال: من شك فيه من صغير أو كبير أو ذكر أو أنثى، فليأتنا بأهدى منه، نأخذ به،فوالله لقد جاء أمر لتحزن فيه الرقاب، فأسلمت بنو عبد الأشهل عند إسلام سعد ودعائه، إلا من لا يذكر، فكانت أول دور من دور الأنصار أسلمت بأسرها.
ثم إن بني النجار أخرجوا مصعب بن عمير واشتدوا على أسعد بن زرارة، فانتقل مصعب بن عمير إلى سعد بن معاذ، فلم يزل يدعو ويهدي [الله] على يديه حتى قل دار من دور الأنصار إلا أسلم فيها ناس لا محالة، وأسلم أشرافهم، وأسلم عمرو بن الجموح وكسرت أصنامهم فكان المسلمون أعز أهلها، وصلح أمرهم، ورجع مصعب بن عمير إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وكان يدعى المقرئ.