أحداث السنة الحادية عشرة من هجرة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم

Events of the eleventh year of the Hijrah of the Messenger of Allah, Muhammad (peace and blessings of Allah be upon him)

خرج الأسود العنسي واسمه عَبْهَلَة بن كعب بن غوث، من بلد يقال لها: كهف خُبَّان، في سبعمائة مقاتل، وكتب إلى عمال النبي صلى الله عليه وسلم باليمن: أيها المورودون علينا أمسكوا علينا ما أخذتم من أرضنا، ووفِّروا ما جمعتم، فنحن أولى به، وأنتم على ما أنتم عليه، ثم ركب فتوجَّه إلى نجران فأخذها بعد عشر ليال من مخرجه، ثم قصد إلى صنعاء، فخرج إليه شهر بن باذان، فتقاتلا فغلبه الأسود فقتله، واحتلَّ صنعاء لخمس وعشرين ليلة من مخرجه، ففرَّ معاذ بن جبل رضي الله عنه من هنالك، واجتاز بأبي موسى الأشعري، فذهبا إلى حضرموت، وانحاز عمال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطاهر، ورجع عمرو بن حزم وخالد بن سعيد بن العاص إلى المدينة، واستوسقت اليمن بكاملها للأسود العنسي، وجعل أمره يستطير استطارة الشرارة، واشتدَّ ملكه، واسغلظ أمره، وارتدَّ خلق من أهل اليمن، وتزوج امرأة شهر بن باذان، وهي ابنة عم فيروز الديلمي، واسمها آزاذ، وكانت امرأة مؤمنة بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
ولما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أمر الأسود العنسي، أرسل كتابًا مع وَبْر بن يُحنَّس الديلمي، يأمر فيه المسلمين بمقاتلة الأسود العنسي، وقام معاذ بن جبل بهذا الكتاب أتمَّ القيام، وبلَّغوا هذا الكتاب إلى عمال النبي صلى الله عليه وسلم باليمن، فاتفقوا مع أمراء جنده ومنهم قيس بن عبد يغوث، وداذويه- وكانوا قد كرهوه وكرهوا أمره لاستهانته بهم- على قتله ودبَّروا لذلك مع امرأته آزاذ، فأدخلت فيروز الديلمي، فقتله وهو نائم

كان آخر من قدم من الوفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد النخع، وقدموا من اليمن للنصف من المحرم سنة إحدى عشرة، وهم مائتا رجل، فنزلوا دار رملة بنت الحارث، ثم جاءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقرِّين بالإِسلام، وقد كانوا بايعوا معاذ بن جبل باليمن

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استبطأ الناس في بعث أسامة بن زيد، وهو في وجعه، فخرج عاصبًا رأسه حتى جلس على المنبر، وقد كان الناس قالوا في إمرة أسامة: أمَّر غلامًا حدثًا على جلة المهاجرين والأنصار، فحمد الله وأثنى عليه بما هو له أهل، ثم قال: “أيها الناس أنفذوا بعث أسامة، فلعمري لئن قلتم في إمارته لقد قلتم في إمارة أبيه من قبل، وإنه لخليق للإمارة، وإن كان أبوه لخليقًا لها”، قال: ثم نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وانكمش الناس في جهازهم واستعز برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه (1)، فخرج أسامة، وخرج جيشه معه حتى نزلوا الجرف، من المدينة على فرسخ، فضرب به عسكره، وتتام إِليه الناس، وثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقام أسامة والناس، لينظروا ما الله قاض في رسول الله صلى الله عليه وسلم

عَنْ أبي مُوَيْهِبَةَ مَوْلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ. بَعَثَنِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم في جَوْفِ اللَّيْلِ، فَقَالَ: يَا أَبَا مُوَيْهِبَةَ إِنِّي قَدْ أُمِرْتُ أَنْ أَسْتَغْفِرَ لِأَهْلِ الْبَقِيعِ فَانْطَلِقْ مَعِي فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ فَلَمَّا وَقَفَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ قَالَ: ((السَّلَامُ عَلَيْكُمْ يَا أَهْلَ الْمَقَابِرِ لِيَهْنِ لَكُمْ مَا أَصْبَحْتُمْ فِيهِ مِمَّا أَصْبَحَ فِيهِ النَّاسُ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا نَجَّاكُمْ الله مِنْهُ أَقْبَلَتْ الْفِتَنُ كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يَتْبَعُ أَوَّلُهَا آخِرَهَا الْأخِرَةُ شَرٌّ مِنْ الْأُولَى))، قَالَ: ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيَّ، فَقَالَ: ((يَا أَبَا مُوَيْهِبَةَ إِنِّي قَدْ أُوتِيتُ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِ الدُّنْيَا وَالْخُلْدَ فِيهَا ثُمَّ الْجَنَّةَ وَخُيِّرتُ بَينَ ذَلِكَ وَبَيْنَ لِقَاءِ رَبِّي- عز وجل وَالْجَنَّةِ))، قَالَ: قُلْتُ بِأبي وَأُمِّي فَخُذْ مَفَاتِيحَ الدُّنْيَا وَالْخُلْدَ فِيهَا ثُمَّ الْجَنَّةَ، قَالَ: ((لَا وَاللهِ يَا أَبَا مُوَيْهِبَةَ لَقَدْ اخْتَزتُ لِقَاءَ رَبِّي-عز وجل-وَالْجَنَّةَ))، ثُمَّ اسْتَغْفَرَ لِأَهْلِ الْبَقِيعِ ثُمَّ انْصَرَفَ فَبُدِئَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم في وَجَعِهِ الَّذِي قَضَاهُ الله عز وجل فِيهِ حِينَ أَصْبَحَ.