أحداث السنة الخامسة من بعثة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم
Events of the fifth year of the mission of the Messenger of Allah, Muhammad (peace and blessings of Allah be upon him)
روى الطبري بسنده عن أم سلمة قالت:
لما ضاقت علينا مكة، وأُذوي [أصحاب] النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، ورأوا ما يصيبهم من الأذى، والفتنة في دينهم، وأنَّ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم لا يستطيع دفع ذلك عنهم، وكان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم في مَنَعَةٍ من قومه وعمه أبي طالب، لا يصل إليه شيء يكرهه، مما يصل إلى أصحابه، فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم:
لو خرجتم إلى أرض الحبشة، فإنّ بها ملكًا، لا يُنال عنده أحد بظُلم، فالحقوا ببلاده، حتى يجعل الله لكم فرجًا أو مخرجًا، مما أنتم فيه، فخرجنا إليها أَرسالًا فاجتمعنا بها، فنزلنا في خير دارٍ وأَمَنَةٍ
روى ابن سعد بسنده عن محمد الظفري عن رجل من قومه وعن الحارث بن الفضيل قالا: فخرجوا متسللين سيرًا، وكانوا أحد عشر رجلًا وأربع نسوة، حتى انتهوا إلى الشعيبة منهم الراكب والماشي. ووفق الله تعالى للمسلمين ساعة جاؤوا سفينتين للتجار حملوهم فيهما إلى أرض الحبشة بنصف دينار، وكان مخرجهم في رجب من السنة الخامسة من حين نبِّئ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وخرجت قريش في آثارهم حتى جاؤوا البحر حيث ركبوا فلم يدركوا منهم أحدًا، قالوا: وقدمنا أرض الحبشة فجاورنا بها خير جارٍ أمنَّا على ديننا وعبدنا الله لا نؤذى ولا نسمع شيئًا نكرهه
روى الطبري بسنده عن عروة قال: فذكر الحديث وفيه اشتداد الأذى على المسلمين ثم قال: فلما فعل ذلك بالمسلمين، أمرهم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أن يخرجوا إلى أرض الحبشة- وكان بالحبشة ملك صالح يقال له النجاشي، لا يظلم أحد بأرضه، وكان يثنى عليه من ذلك صلاح وكانت أرض الحبشة متجرًا لقريش يتجرون فيها، يجدون فيها رفاغًا من الرزق، وأمنًا ومتجرًا حسنًا- فأمرهم بها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فذهب إليها عامَّتهم لما قهروا بمكة، وخاف عليهم الفتن، ومكث هو فلم يبرح، فمكث بذلك سنواتٍ، يشتدُّون على من أسلم منهم. ثم إنه فشا الإسلام فيها، ودخل فيه رجالٌ من أشرافهم>
١ – عثمان بن عفان ومعه زوجه رقية بنت رسول الله.
٢ – أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة ومعه زوجه سهلة بنت سهيل.
٣ – الزبير بن العوام بن خويلد.
٤ – عبد الرحمن بن عوف.
٥ – أبو سلمة بن عبد الأسد ومعه زوجه أم سلمة بنت أمية.
٦ – عبد الله بن مسعود.
٧ – عامر بن ربيعة حليف آل الخطاب ومعه زوجه ليلى بنت أبي حثمة.
٨ – أبو سبرة بن أبي رهم ومعه زوجه أم كلثوم بنت سهيل بن عمرو.
٩ – سهيل بن بيضاء.
١٠ – عثمان بن مظعون.
١١ – مصعب بن عمير
[هجرة عثمان بن عفان وزوجه رقيه بنت رسول الله (رضي الله عنهما) إلى الحبشة]
روى البخاري بسنده عن عروة بن الزبير فذكر الحديث وفيه قال عبيد الله بن الخيار لعثمان -رضي الله عنه-: وكنت ممّن استجاب لله ورسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وآمنت به، وهاجرت الهجرتين الأوليين (٢).
روى الحاكم بسنده عن سعد قال: لمَّا أراد عثمان بن عفان، -رضي الله عنه-، الخروج إلى أرض الحبشة قال له رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: “اخرج برقيَّة معك” قال: “إخال واحد منكما يصبر على صاحبه”، ثم أرسل النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، أسماء بنت أبي بكر، -رضي الله عنهما-، فقال: “ائتيني بخبرها” فرجعت أسماء إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وعنده أبو بكر، -رضي الله عنه-، فقالت: يا رسول الله أخرج حمارًا موكفًا فحملها عليه، وأخذ بها نحو البحر، فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: “يا أبا بكر إنهما لأول من هاجر بعد لوط وإبراهيم عليهما السلام”
[أول من هاجر بظعينته إلى الحبشة أبو سلمة بن عبد الأسد وزوجه أم سلمة]
حدثنا جعفر بن عون عن إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع قال: حدثني الزهري عن قبيصة بن ذؤيب أن أبا سلمة كان ابن عمة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وكان أول من هاجر بظعينته إلى أرض الحبشة ثم إلى المدينة (٢).
[هجرة عامر بن ربيعة العنزي وزوجه ليلى بنت أبي حثمة إلى الحبشة (رضي الله عنهما)]
روى الحاكم عن عبد العزيز بن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه عن أمه أم عبد الله بنت أبى حثمة قالت: والله إنا لنترحل إلى أرض الحبشة فقد ذهب عامر في بعض حاجتنا إذ أقبل عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- حتى وقف علي وهو على شركه وكنا نلقى منه البلاء والشدة علينا، فقال: إنه الانطلاق يا أم عبد الله، فقلت: نعم، والله لنخرجن في أرض الله آذيتمونا وقهرتمونا حتى يجعل الله لنا مخرجًا، فقال: صحبكم الله ورأيت له رقة لم أكن أراها ثم انصرف وقد أحزنه فيما أرى خروجنا، قال: فجاء عامر بن ربيعة من
حاجته تلك، فقلت: يا أبا عبد الله لو رأيت عمر آنفًا ورقته وحزنه علينا، قال: أفتطمعي في إسلامه، قلت: نعم، قال: فلا يسلم الذي رأيت حتى يسلم جمل الخطاب (١).
[خروج الصحابة رضوان الله عليهم إلى الحبشة]
حدثنا محمد بن يحيى الباهلي حدثنا يعقوب بن محمد ثنا عمرو بن سليمان بن أبي حثمة عن أبيه عن الشفاء بن عبد الله عن ليلى بنت أبي حثمة قالت: لما اجتمعوا على الخروج جاءنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فقال: “إن مصعب بن عمير قد حبسته أمه وهو يريد الخروج الليلة إذا رقدوا” قال عامر بن ربيعة فنحن ننتظره ولا نغلق بابًا دونه فلما هدأت الرجل جاءنا مصعب بن عمير فبات عندنا وظلّ يومه حتى إذا كان الليل خرج متسللًا ووعدناه فلحقناه وأدركناه فاصطحبناه قال وهم يمشون على أقدامهم وأنا على بعير لنا وكان مصعب بن عمير رقيق البشر ليس بصاحب رجله ولقد رأيت رجليه يقطران دمًا من الرقة فرأيت عامر خلع حذاءه فأعطاه حتى انتهينا إلى السفينة فنجد سفينة قد حملت ذرة وفرغت ما فيها جاءت من مور فتكارينا إلى مور ثم تكارينا من مور إلى الحبشة. ولقد كنت أرى عامر بن ربيعة يرق على مصعب بن عمير رقة ما يرقها على ولده وما معه دينار ولا درهم وكان معنا خمسة عشر دينارًا
بلغ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم الذين خرجوا إلى أرض الحبشة إسلام أهل مكة، حتى إذا كانوا دون مكة بساعة من نهار لقوا ركباناً من كنانة، فسألوهم عن قريش، فقال الركب: ذكر محمد آلهتهم بخير، فتابعه الملأ، ثم ارتد عنها فعاد لشتم آلهتهم وعادوا له بالشر، فتركناهم على ذلك، فائتمر القوم في الرجوع إلى أرضالحبشة، ثم قالوا: قد بلغنا مكة، فندخل فننظر ما فيه قريش ويُحدث عهدًا من أراد بأهله، ثم يرجع، فدخلوا مكة، ولم يدخل أحد منهم إلا بجوار، إلا ابن مسعود ، فإنه مكث يسيراً ثم رجع إلى أرض الحبشة.
[موقف المشركين من جوار أبي طالب لابن أخته (١)]
قال ابن إسحاق: وأما أبو سلمة بن عبد الأسد، فحدثني أبي إسحاق بن يسار، عن سلمة ابن عبد الله بن عمر بن أبي سلمة، أنّه حدّثه، أنّ أبا سلمة لمّا استجار بأبي طالب مشى إليه رجالُ بني مخزوم، فقالوا: يا أبا طالب، [ما] هذا؟ منعت منَّا ابن أخيك محمدًا، فما لك ولصاحبنا تمنعه منَّا؟ قال: إنه استجار بي، وهو ابن أختي، وإن أنا لم أمنع ابن أختي لم أمنع ابن أخي، فقام أبو لهب فقال: يا معشر قريش، والله لقد أكثرتم على هذا الشيخ، ما تزالون تتواثبون عليه في جواره من بين قومه، والله لتنتهنَّ عنه أو لنقومنَّ معه في كل ما قام فيه، حتى يبلغ ما أراد، قال: فقالوا: بل ننصرف عمَّا تكره يا أبا عتبة، وكان لهم وليًّا وناصرًا على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فأبقوا على ذلك، فطمع فيه أبو طالب حين سمعه يقول ما يقول، ورجا أن يقوم معه في شأن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فقال أبو طالب يحرِّضُ أبا لهب على نصرته ونصرة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم (٢).
وإنّ امْرءًا أبو عتيبة عمُّه … لفي روضة ما إنْ يُسامُ المظالما
أقول له، وأين منه نصيحتي … أبا مُعْتب ثبِّت سوادَك قائما
ولا تقبلنّ الدَّهر ما عشتَ خُطَّةً … تُسبّ بها إمّا هبطت المواسما
وولّ سبيل العجز غيرك منهم … فإنّك لم تخلق على العجز لازما
وحاربْ فإنّ الحرب نصفٌ وما ترى … أخا الحرب يعطي الخسف حتى يسالما
وكيف لم يجنوا عليك عظيمة … ولم يخذلوك غانمًا أو مغارما
جزى الله عنّا عبدِ شمسٍ ونوفلا … وتيما ومخزومًا عقوقًا ومأثما
بنفْريقهم من بعد وُدٍّ وألفةٍ … جماعتنا كيما ينالوا المحارما
كذبتم وبيت الله نُبزى محمدًا … ولما تَرَوا يومًا لدى الشِّعب قائما
[عثمان بن مظعون يرد جوار الوليد]
قال ابن إسحاق: فأما عثمان بن مظعون، فإن صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف حدثني، عمن حدثه، عن عثمان، قال: لما رأى عثمان بن مظعون ما فيه أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم – من البلاء، وهو يغدو ويروح في أمان من الوليد بن المغيرة, قال: والله إن غدوي ورواحي آمنا بجوار رجل من أهل الشرك، وأصحابي وأهل ديني يلقون من البلاء والأذى في الله ما لا يصيبني، لنقص كبير في نفسي، فمشى إلى الوليد بن المغيرة، فقال له: يا أبا عبد شمس، وفت ذمتك، قد رددت إليك جوارك؛ فقال له: يا ابن أخي لعله آذاك أحد من قومي؟ قال: لا, ولكني أرضى بجوار الله، ولا أريد أن أستجير بغيره؟ قال: فانطلق إلى المسجد، فاردد علي جواري علانية كما أجرتك علانية. قال: فانطلقا فخرجا حتى أتيا المسجد، فقال الوليد: هذا عثمان قد جاء يرد علي جواري، قال: صدق، قد وجدته وفيًا كريم الجوار، ولكني قد أحببت أن لا أستجير بغير الله، فقد رددت عليه جواره, ثم انصرف عثمان، ولبيد بن ربيعة بن مالك بن جعفر بن كلاب في مجلس من قريش ينشدهم، فجلس معهم عثمان، فقال لبيد:
ألا كل شيء ما خلا الله باطل
قاله عثمان: صدقت. قال لبيد:
وكل نعيم لا محالة زائل
قال عثمان: كذبت، نعيم الجنة لا يزول. قال لبيد بن ربيعة: يا معشر قريش، والله ما كان يؤذى جليسكم، فمتى حدث هذا فيكم؟ فقال رجل من القوم: إن هذا سفيه في سفهاء معه، قد فارقوا ديننا، فلا تجدن في نفسك من قوله؛ فرد عليه عثمان حتى شرى أمرهما، فقام إليه ذلك الرجل فلطم عينه فخضرها والوليد بن المغيرة قريب يرى ما بلغ من عثمان، فقال: أما والله يا ابن أخي كانت عينك عما أصابها لغنية، لقد كانت في ذمة منيعة. قال: يقول عثمان: بل والله إن عيني الصحيحة لفقيرة إلى مثل ما أصاب أختها في الله، وإني لفي جوار من هو أعز منك وأقدر يا أبا عبد شمس؛ فقال له الوليد: هلم يا بن أخي، إن شئت فعد إلى جوارك؛ فقالا: لا.