أحداث السنة السادسة من بعثة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم

Events of the sixth year of the mission of the Messenger of Allah, Muhammad (peace and blessings of Allah be upon him)

روى محمد بن عمر بأسانيده المتعددة قالوا: لمّا قدم أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم مكة من الهجرة الأولى اشتد عليهم قومهم وسطت بهم عشائرهم ولقوا منهم أذىً شديدًا، فأذن لهم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم في الخروج إلى أرض الحبشة مرة ثانية، فكانت خرجتُهم الآخرة أعظمهما مشقة ولقوا من قريش تعنيفًا شديدًا ونالوهم بالأذى، واشتد عليهم ما بلغهم عن النجاشي من حسن جواره لهم، فقال عثمان بن عفان: يا رسول الله فهجرتنا الأولى وهذه الآخرة إلى النجاشي ولست معنا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.: “أنتم مهاجرون إلى الله وإليّ، لكم هاتان الهجرتان جميعًا”، قال عثمان فحسبنا يا رسول الله؛ وكان عدّة من خرج في هذه الهجرة من الرجال ثلاثة وثمانين رجلًا، ومن النساء إحدى عشرة امرأة قرشية وسبع غرائب، فأقام المهاجرون بأرض الحبشة عند النجاشي بأحسن جوار (١).

أصحاب الهجرة الثانية إلى الحبشة (٢)

[من بني هاشم بن عبد مناف]

١ – جعفر بن أبي طالب: ومعه زوجه أسماء بنت عميس بقي في الحبشة حتى انتقل إلى المدينة سنة سبع.

[من بني أمية بن عبد شمس]

٢ – عثمان بن عفان: ومعه زوجه رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم رجع إلى مكة، وهاجر إلى المدينة، وشهد بدرًا.

٣ – عمرو بن سعيد بن العاص: ومعه زوجه فاطمة بنت صفوان بقي في الحبشة حتى رجع مع جعفر.

٤ – خالد بن سعيد بن العاص: ومعه زوجه أمينة بنت خلف بقي في الحبشة حتى رجع مع جعفر.

[من حلفائهم]

٥ – عبد الله بن جحش: رجع إلى مكة، وهاجر إلى المدينة، وشهد بدرًا.

٦ – عبيد الله بن جحش: ومعه زوجه أم حبيبة بنت سفيان، تنصر في الحبشة -قبحه الله-.

٧ – قيس بن عبد الله الأسدي: ومعه زوجه بركة بنت يسار بقي في الحبشة مسلمًا.

٨ – معيقيب بن أبي فاطمة الدوسي.

[من بني عبد شمس]

٩ – أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة: ومعه زوجه سهلة بنت سهيل، رجع إلى مكة، وهاجر إلى المدينة، وشهد بدرًا.

[من حلفائهم]

١٠ – أبو موسى الأشعري: رجع مع جعفر.

[من بني نوفل بن عبد مناف]

[من حلفائهم]

١١ – عتبة بن غزوان: رجع إلى مكة، وهاجر إلى المدينة، وشهد بدرًا.

[من بني أسد بن عبد العزى]

١٢ – الزبير بن العوام: رجع إلى مكة، وهاجر إلى المدينة، وشهد بدرًا.

١٣ – الأسود بن نوفل: بقي في الحبشة حتى رجع مع جعفر.

١٤ – يزيد بن زمعة: بقي في الحبشة وانتقل منها فيما بعد واستشهد يوم الطائف.

١٥ – عمرو بن أمية بن الحارث: مات في الحبشة.

[من بني عبد بن قصي]

١٦ – طليب بن عمرو بن وهب: رجع إلى مكة، وهاجر إلى المدينة، وشهد بدرًا.

[من بني عبد الدار بن قصي]

١٧ – مصعب بن عمير: رجع إلى مكة، وهاجر إلى المدينة، وشهد بدرًا.

١٨ – سويبط بن سعد بن حرملة: رجع إلى مكة، وهاجر إلى المدينة، وشهد بدرًا.

١٩ – جهم بن قيس: ومعه زوجه أم حرملة بنت عبد الأسود الخزاعي بقي في الحبشة حتى رجع مع جعفر.

٢٠ – أبو الروم بن عمير: انتقل إلى المدينة بعد بدر وشهد أحدًا.

٢١ – فراس بن النضر بن الحارث: انتقل إلى المدينة فيما بعد.

[من بني زهرة بن كلاب]

٢٢ – عبد الرحمن بن عوف: رجع إلى مكة، وهاجر إلى المدينة، وشهد بدرًا.

٢٣ – عامر بن أبي وقاص: انتقل إلى المدينة بعد بدر وشهد أحدًا.

٢٤ – المطلب بن أزهر: ومعه زوجه رملة بنت أبي عوف مات بالحبشة.

[من حلفائهم]

٢٥ – عبد الله بن مسعود الهذلي: رجع إلى مكة، وهاجر إلى المدينة، وشهد بدرًا.

٢٦ – عتبة بن مسعود الهذلي: انتقل إلى المدينة بعد بدر وشهد أحدًا.

٢٧ – المقداد بن عمرو: رجع إلى مكة، وهاجر إلى المدينة، وشهد بدرًا.

[من بني تيم بن مرة]

٢٨ – الحارث بن خالد: ومعه زوجه ريطة بنت الحارث بقي في الحبشة حتى رجع مع جعفر.

٢٩ – عمرو بن عثمان بن عمرو: بقي في الحبشة، وهاجر إلى المدينة، واستشهد في القادسية.

[من بني مخزوم بن يقظة]

٣٠ – أبو سلمة بن عبد الأسد: ومعه زوجه أم سلمة بنت أمية، رجع إلى مكة، وهاجر إلى المدينة، وشهد بدرًا.

٣١ – شمّاس بن عثمان: رجع إلى مكة، وهاجر إلى المدينة، وشهد بدرًا.

٣٢ – هبّار بن سفيان: بقي في الحبشة، ثم انتقل منها، واستشهد يوم أجنادين.

٣٣ – عبد الله بن سفيان: بقي في الحبشة، ثم انتقل منها، واستشهد يوم اليرموك.

٣٤ – هشام بن أبي حذيفة بن المغيرة: بقي في الحبشة، ثم انتقل منها فيما بعد.

٣٥ – سلمة بن هشام بن المغيرة: رجع إلى مكة، وحُبس فيها حتى غزوة خيبر، فهاجر في السنة السابعة إلى المدينة.

٣٦ – عيّاش بن أبي ربيعة: ومعه زوجه أسماء بنت سلامة التميمية رجع إلى مكة، وحُبس فيها حتى غزوة خيبر، فهاجر إلى المدينة في السنة السابعة.

[من حلفائهم]

٣٧ – معتب بن عوف الخزاعي: رجع إلى مكة، وهاجر إلي المدينة، وشهد بدرًا.

[من بني جمح بن عمرو]

٣٨ – عثمان بن مظعون: رجع إلى مكة، وهاجر إلى المدينة، وشهد بدرًا.

٣٩ – السائب بن عثمان: رجع إلى مكة، وهاجر إلى المدينة، وشهد بدرًا.

٤٠ – قدامة بن مظعون: رجع إلى مكة، وهاجر إلى المدينة، وشهد بدرًا.

٤١ – عبد الله بن مظعون: رجع إلى مكة، وهاجر إلى المدينة، وشهد بدرًا.

٤٢ – حاطب بن الحارث: ومعه زوجه فاطمة بنت المجلل، مات في الحبشة.

٤٣ – حطاب بن الحارث: ومعه زوجه فكيهة بنت يسار، مات في الحبشة.

٤٤ – سفيان بن معمر: ومعه زوجه حسنة، مات في الحبشة.

٤٥ – عثمان بن ربيعة: بقي في الحبشة حتى رجع مع جعفر.

٤٦ – الحارث بن حاطب: بقي في الحبشة.

[من حلفائهم]

٤٧ – شرحبيل بن حسنة: بقي في الحبشة، ثم رجع، ومات بطاعون عمواس.

[من بني سهم بن عمرو]

٤٨ – خنيس بن حذاقة: رجع إلى مكة، وهاجر إلى المدينة، وشهد بدرًا.

٤٩ – عبد الله بن الحارث: مات في الحبشة (على إحدى الروايات)، وفي رواية أنه استشهد باليمامة.

٥٠ – هشام بن العاص بن وائل: رجع إلى مكة، وحُبس فيها إلى ما بعد غزوة الخندق، وهاجر بعدئذ.

٥١ – قيس بن حذافة: بقي في الحبشة، وانتقل منها فيما بعد.

٥٢ – أبو قيس بن الحارث: انتقل إلى المدينة بعد بدرٍ، وشهد أُحدًا.

٥٣ – عبد الله بن حذافة السهمي: بقي في الحبشة، وانتقل منها.

٥٤ – الحارث بن الحارث بن قيس: بقي في الحبشة، وانتقل منها فيما بعد.

٥٥ – معمر بن الحارث بن قيس: بقي في الحبشة، وانتقل منها فيما بعد.

٥٦ – بشر بن الحارث قيس: بقي في الحبشة، وانتقل منها فيما بعد.

٥٧ – سعيد بن عمرو التميمي: بقي في الحبشة، وانتقل منها فيما بعد.

٥٨ – سعيد بن الحارث بن قيس: بقي في الحبشة، وانتقل منها فيما بعد، واستشهد في اليرموك.

٥٩ – السائب بن الحارث بن قيس: بقي في الحبشة، وانتقل منها فيما بعد، وحضر الطائف.

٦٠ – عمير بن رئاب بن حذيفة: بقي في الحبشة، وانتقل منها فيما بعد، استشهد في عين التمر.

[من حلفائهم]

٦١ – محمية بن جزء الزبيدي: بقي في الحبشة ثم رجع وشهد المريسيع.

[من بني عدي بن كعب]

٦٢ – معمر بن عبد الله بن نضلة: بقي في الحبشة حتى رجع مع جعفر.

٦٣ – عروة بن عبد العزى: مات في الحبشة.

٦٤ – عدي بن نضلة بن عبد العزى: مات في الحبشة.

٦٥ – النعمان بن عدي: بقي في الحبشة حتى رجع مع جعفر.

[من حلفائهم]

٦٦ – عامر بن ربيعة ومعه زوجه ليلى بنت أبي حثمة، رجع إلى مكة، وهاجر إلى المدينة، وشهد بدرًا.

[من بني عامر بن لؤي]

٦٧ – أبو سبرة بن أبي رهم: ومعه زوجه أم كلثوم بنت سهيل، رجع إلى مكة، وهاجر إلى المدينة، وشهد بدرًا.

٦٨ – عبد الله بن مخرمة: رجع إلى مكة، وهاجر إلى المدينة، وشهد بدرًا.

٦٩ – عبد الله بن سهيل بن عمرو: رجع إلى مكة، وحبس، وخرج إلى بدر مع قريش، وانحاز إلى المسلمين.

٧٠ – سليط بن عمرو: انتقل بعد بدر، وشهد أُحدًا، واستشهد يوم اليمامة.

٧١ – السكران بن عمرو: ومعه زوجه سودة بنت زمعة، رجع إلى مكة، ومات فيها قبل الهجرة إلى المدينة.

٧٢ – مالك بن زمعة: ومعه زوجه عمرة بنت السعدي، بقي في الحبشة حتى رجع مع جعفر.

٧٣ – حاطب بن عمرو: بقي في الحبشة حتى رجع مع جعفر.

[من حلفائهم]

٧٤ – سعد بن خولة: رجع إلى مكة، وهاجر إلى المدينة، وشهد بدرًا.

٧٥ – أبو عبيدة بن الجراح: رجع إلى مكة، وهاجر إلى المدينة، وشهد بدرًا.

٧٦ – سهيل بن بيضاء: رجع إلى مكة، وهاجر إلى المدينة، وشهد بدرًا.

٧٧ – عمرو بن أبي سرح: رجع إلى مكة، وهاجر إلى المدينة، وشهد بدرًا.

٧٨ – عياض بن زهير: بقي في الحبشة، انتقل منها فيما بعد.

٧٩ – عمرو بن الحارث بن زهير: رجع إلى مكة، وهاجر إلى المدينة، وشهد بدرًا.

٨٠ – عثمان بن عبد غنم: بقي في الحبشة، انتقل منها فيما بعد.

٨١ – سعد بن عبد قيس: بقي في الحبشة، انتقل منها فيما بعد.

٨٢ – الحارث بن عبد قيس: بقي في الحبشة، انتقل منها فيما بعد.

٨٣ – عبد الله بن عرفطة.

فلما بلغ ذلك قريشًا ائتمروا أن يبعثوا إلى النجاشي فينا رجلين جلدين وأن يهدوا للنجاشي هدايا، مما يستطرف من متاع مكة،وكان أعجب ما يأتيه منها الأدم، فجمعوا له أدمًا كثيرًا، لم يتركوا من بطارقته بطريقًا إلا أهدوا له هديةً، وبعثوا بذلك مع عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي، وعمرو بن العاص بن وائل السهمي، وأمروهما أمرهم، وقالوا لهما: ادفعوا إلى كل بطريق هديته، قبل أن تكلِّموا النجاشي فيهم، ثم قدَّموا للنجاشي هداياه، ثم اسألوه أن يسلِّمهم إليكم قبل أن يكلمهم، قالت: فخرجا، فقدما على النجاشي، [ونحن عنده بخير دارٍ، وعند خير جارٍ، فلم يبق من بطارقته بطريق إلا دفعا إليه هديته قبل أن يكلما النجاشي] ثم قالا لكل بطريق منهم: إنه قد ضوى إلى بلد الملك منا غلمان سفهاء، فارقوا دين قومهم، ولم يدخلوا في دينكم، وجاؤوا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنتم، وقد بعثنا إلى الملك فيهم أشراف قومهم، ليردهم إليهم، فإذا كلمنا الملك فيهم، فأشيروا عليه أن يسلمهم إلينا، ولا يكلمهم، فإنّ قومهم أعلى بهم عينًا، وأعلم بما عابوا عليهم، فقالوا لهما: نعم، ثم قربوا هداياهم إلى النجاشي فقبلها منهم، ثم كلماه، فقالا له: أيها الملك إنه قد صبا إلى بلدك منا غلمان سفهاء، فارقوا دين قومهم، ولم يدخلوا في دينك، وجاؤوا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنت، وقد بعثنا إليك فيهم أشراف قومهم من آبائهم وأبنائهم وعشائرهم، لنردهم إليهم، فلهم أعلى بهم عينًا، وأعلم بما عابوا عليهم، وعاتبوهم فيه، ولم يكن [شيء] أبغض إلى عبد الله بن أبي ربيعة وعمرو بن العاص من أن يسمع النجاشي كلامهم، فقالت بطارقته حوله: صدقوا أيها الملك، قومهم أعلى بهم عينًا، وأعلم بما عابوا عليهم، فأسلمهم إليهما، فليرداهم إلى بلادهم وقومهم.

غضب النجاشي وقال: لا ها الله، أيْمُ الله، إذا لا أسلمهم إليهما ولا أُكاد، قومًا جاوروني ونزلوا بلادي، واختاروني على من سواي حتى أدعوهم، فأسألهم عما يقول هذان في أمرهم، فإن كانوا كما يقولان أسلمتهم إليهما، ورددتهم إلى قومهم، وإن كانوا على غير ذلك، منعتهم منهما وأحسنت جوارهم ما جاوروني.
قالت: ثم أرسل إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فدعاهم، فلما جاءهم رسوله اجتمعوا، فقال بعضهم لبعض: ما تقولون للرجل إذا جئتموه؟ قالوا: نقول والله ما علمنا، وما أمرنا به نبينا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، كائن في ذلك ما هو كائن، فلما جاؤوه، وقد دعا النجاشي أساقفته، فنشروا مصاحفهم حوله، سألهم فقال: ما هذا الدين الذي قد فارقتم فيه قومكم، ولمتدخلوا في ديني ولا في دين أحد من هذه الأمم؟ قالت: وكان الذي كلمه جعفر بن أبي طالب عليه السلام فقال: أيها الملك، كنا قومًا أهل جاهلية نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولًا منا، نعرف نسبه وصِدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله عز وجل لنوحِّده ونعبده، ونخلع ما كنَّا نعبد نحن وآباؤنا من دون الله من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرَّحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش، وشهادة الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنة، وأمرنا أن نعبد الله لا نشرك به شيئًا، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة -قالت: فعدّد عليه أمور الإسلام- فصدقناه وآمنا به، واتبعناه على ما جاء به، فعبدنا الله وحده فلم نشرك به شيئًا، وحرّمنا ما حرّم علينا، وأحللنا ما أحل لنا، فَعَدَا علينا قومنا، فعذبونا وفتنونا عن ديننا، ليردونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله عز وجل، وأن نستحلّ ما كنا نستحل من الخبائث، فلما قهرونا وظلمونا وشقوا علينا، حالوا بيننا وبين ديننا، خرجنا إلى بلدك واخترناك على من سواك، ورغبنا في جوارك، ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك، قالت: فقال النجاشي: هل معك مما جاء به عن الله من شيء؟ قالت: فقال له جعفر: نعم، قالت: فقال له النجاشي: فاقرأه، فقرأ عليه صدرًا من {كهيعص} قالت: فبكى [والله] النجاشي حتى أخضل لحيته، وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم حين سمعوا ما تلا عليهم، ثم قال النجاشي: إن هذا [والله] والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة، انطلقا، فوالله لا أُسلمهم إليكم أبدًا ولا أُكاد.

قالت أم سلمة: فلما خرجا من عنده قال عمرو بن العاص: والله لآتينه غدًا أعيبهم عنده بما استأصل به خضراءهم، فقال له عبد الله بن أبي ربيعة وكان أتقى الرجلين فينا: لا تفعل، فإن لهم أرحامًا، وإن كانوا خالفونا، قال: والله لأخبرنه أنهم يزعمون أن عيسى ابن مريم عليه السلام عبدٌ، قالت: ثم غدا عليه [الغد] فقال: أيها الملك إنهم يقولون في عيسى ابن مريم قولًا عظيمًا، فأرسل إليهم، فسلهم عما يقولون فيه؟! قالت: فأرسل إليهم يسألهم عنه، قالت: ولم ينزل بنا مثلها، واجتمع القوم، فقال بعضهم لبعض: ما تقولون في عيسى إذا سألكم عنه قالوا: نقول والله ما قال الله عز وجل-وما جاء به نبينا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم كائن في ذلك ما هو كائن، فلما دخلوا عليه قال [لهم]: ما تقول في عيسى ابن مريم؟ فقال له جعفر بن أبي طالب: نقول فيه الذي جاء به نبينا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: “هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول” قال: فضرب النجاشي يده إلى الأرض، فأخذ منها عودًا، ثم قال: ما عدا عيسى ابن مريم ما قلت هذا العود، فتناخرت بطارقة حوله حين قال ما قال، [فقال]: وإن نخرتم والله، اذهبوا، فأنتم سُيُوم بأرضي -السُيُوم: الآمنون- من سبَّكم غُرِّم، ثم من سبَّكم غُرِّم، ثم من سبَّكم غُرِّم، ما أحب أن لي دبرًا ذهبًا، وأني آذيت رجلًا منكم. -الدبر بلسان الحبشة: الجبل- ردوا عليهما هداياهما، فلا حاجة لي فيهما، فوالله ما أخذ الله مني الرشوة حين ردّ علي ملكي، فآخذ الرشوة فيه، وما أطاع الناس في فأطيعهم فيه، فخرجا من عنده مقبوحين مردودًا عليهما ما جاءوا به وأقمنا عنده، في خير دارٍ مع خير جارٍ، فوالله إنا لعلى ذلك، إذا نزل به -يعني: من ينازعه في ملكه- قالت: والله ما علمنا حزنًا قطُّ كان أشد من حزن حزناه عند ذلك، تخوفًا أن يظهر ذلك على النجاشي، فيأتي رجل لا يعرف من حقنا ما كان النجاشي يعرف [منه].
قالت: وسار النجاشي وبينهما عُرضُ النيل، قالت: فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: من رجل يخرج حتى يحضر وقيعة القوم ثم يأتينا؟ قالت: فقال الزبير بن العوام: أنا، قالت: وكان من أحدث القوم سنًا. قالت: فنفخوا له قربةً فجعلوها في صدره، فسبح عليها حتى خرج إلى ناحية النيل التي بها ملتقى القوم، ثم انطلق حتى حضرهم، قالت: ودعونا الله عز وجل للنجاشي بالظهور على عدوه، والتمكين له في بلاده، واستوثق عليه أمر الحبشة، فكنا عنده في خير منزلٍ حتى قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وهو بمكة.

روى بسنده عن ابن إسحاق قال: فحدثني رجل من أسلم، وكان واعية، فذكر الخير السابق وزاد: ثم رجع حمزة إلى بيته فأتاه الشيطان، فقال: أنت سيد قريش اتبعت هذا الصابئ وتركت دين آبائك، للموت خير لك مما صنعت، فأقبل على حمزة شبه فقال: ما صنعت؟ اللَّهم إن كان رشدًا، فاجعل تصديقه في قلبي، وإلا فاجعل لي مما وقعت فيه مخرجًا، فبات بليلةٍ لم يبت بمثلها من وسوسة الشيطان حتى أصبح فغدا على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، فقال: ابن أخي، إني وقعت في أمر لا أعرف المخرج منه، وإقامة مثلي على ما لا أدري ما هو، أرشد هو أم غي، شديد، فحدثني حديثًا، فقد استشهيت يا ابن أخي أن تحدثي، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، فذكره ووعظه، وخوفه وبشره، فألقى الله في نفسه الإيمان كما قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، فقال: أشهد أنك لصادق شهادة المصدق والعارف، فأظهر يا ابن أخي دينك، فوالله ما أحب أن لي ما ألمعت الشمس وأني على ديني الأول. قال: فكان حمزة ممّن أعز الله به الدين. (1)
عن يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس بن شريق حليف بني زهرة أن أبا جهل. اعترض رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم بالصفا فآذاه، وكان حمزة رضي الله عنه، صاحب قنصٍ وصيدٍ، وكان يومئذ في قنصه فلما رجع قالت له امرأته، وكانت قد رأت ما صنع أبو جهل برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: يا أبا عُمارة، لو رأيت ما صنع تعني أبا جهل بابن أخيك، فغضب حمزة ومضى كما هو قبل أن يدخل بيته، وهو معلق قوسه في عنقه، حتى دخل المسجد فوجد أبا جهل في مجلس من مجالس قريش، فلم يكلمه حتى علا رأسه بقوسه فشجه، فقام رجال من قريش إلى حمزة يمسكونه عنه، فقال حمزة: ديني دين محمد أشهد أنه رسول الله فوالله لا أنثني عن ذلك فامنعوني من ذلك إن كنتم صادقين. فلما أسلم حمزة عز به رسول الله صلى الله عليه وعلىآله وصحبه وسلم، والمسلمون، وثبت لهم بعض أمرهم، وهابت قريش، وعلموا أن حمزة رضي الله عنه، سيمنعه. (1)
قال ابن إسحاق: حدثني رجل من أسلم، كان واعية، أن أبا جهلٍ مر برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فآذاه وشتمه، ونال منه بعض ما يكره من العيب لدينه، والتضعيف لأمره، فلم يكلمه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ومولاة لعبد الله بن جدعان في مسكن لها تسمع ذلك، ثم انصرف عنه، فعمد إلى ناد من قريش عند الكعبة، فجلس معهم، فلم يلبث حمزة بن عبد المطب رضي الله عنه، أن أقبل متوشحًا قوسه، راجعا من قنص له، وكان صاحب قنص يرميه ويخرج له، وكان إذا رجع من قنصه لم يصل إلى أهله حتى يطوف بالكعبة، وكان إذا فعل ذلك لم يمر على ناد من قريش إلا وقف وسلم وتحدث معهم، وكان أعز فتى في قريش، وأشد شكيمة، فلما مر بالمولاة وقد رجع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم إلى بيته، قالت له: يا أبا عُمارة، لو رأيت ما لقي ابن أخيك محمد آنفًا من أبى الحكم بن هشام!! وجده ها هنا جالسًا، فآذاه وسبه، وبلغ منه ما يكره، ثم انصرف عنه، ولم يقف على أحد، معدًا لأبي جهل -إذا لقيه- أن يوقع به، فلما دخل المسجد نظر إليه جالسا في القوم، فأقبل نحوه، حتى إذا قام على رأسه رفع القوس فضربه بها فشجه شجة منكرة، ثم قال: أتشتمه؟ فأنا على دينه أقول ما يقول، فرد ذلك علي إن استطعت، فقامت رجال من بني مخزوم إلى حمزة لينصروا أبا جهل، فقال أبو جهل: دعوا أبا عُمارة، فإني والله قد سببت ابن أخيه سبًا قبيحًا، وتم حمزة رضي الله عنه، على إسلامه، وعلى ما تابع عليه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم من قوله. (2)
فلما أسلم حمزة عرفت قريش أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قد عز وامتنع، وأن حمزة سيمنعه، فكفوا عن بعض ما كانوا ينالون منه.

عن أسامة بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جده قال: قال لنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أتحبون أن أعلمكم كيف كان إسلامي؟ قال: قلنا: نعم. قال: كنت من أشد الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم فبينا أنا في يوم حار شديد الحر بالهاجرة في بعض طريق مكة إذ لقيني رجل من قريش، فقال: أين تريد يا ابن الخطاب؟ فقلت: أريد التي والتي والتي! قال: عجبًا لك يا ابن الخطاب عمن تزعم أنك كذلك، وقد دخل عليك الأمر في بيتك. قال: قلت وما ذاك؟ قال: أختك قد أسلمت، قال: فرجعت مغضبًا حتى قرعت الباب، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أسلم الرجل والرجلان ممّن لا شيء له ضمهما رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الرجل الذي في يده السعة فينالاه من فضل طعامه وقد كان ضم إلى زوج أختي رجلين، فلما قرعت الباب قيل: من هذا؟ قلت: عمر بن الخطاب فتبادروا فاختفوا مني، وقد كانوا يقرؤون صحيفة بين أيديهم تركوها أو نسوها. فقامت أختي تفتح الباب، فقلت: يا عدوة نفسها أصبوت؟ وضربتها بشيء في يدي على رأسها، فسال الدم، فلما رأت الدم بكت، فقالت: يا ابن الخطاب! ما كنت فاعلا فافعل، فقد صبوت. قال: ودخلت حتى جلست على السرير فنظرت إلى الصحيفة وسط البيت فقلت: ما هذا؟ ناولنيها، فقالت: لست من أهلها أنت لا تطهر من الجنابة وهذا كتاب لا يمسه إلا المطهرون، فمازلت بها حتى ناولتنيها، ففتحتها فإذا فيها: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، فلما مررت باسم من أسماء الله عز وجل ذعرت منه فألقيت الصحيفة، ثم رجعت إلى نفسي فتناولتها فإذا فيها {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}، فلما مررت باسم من أسماء الله ذعرت، ثم رجعت إلى نفسي، فقرأتها حتى بلغت: {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} إلى آخر الآية، فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، فخرجوا إلي متبادرين وكبروا وقالوا: أبشر يا ابن الخطاب فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا يوم الاثنين فقال: “اللَّهم أعز دينك بأحب الرجلين إليك: إما أبو جهل بن هشام، وإما عمر بن الخطاب” وإنا نرجو أن تكون دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم لك فأبشر. قال: قلت: فأخبروني أين رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فلما عرفوا الصدق مني قالوا: في بيت بأسفل الصفا، فخرجت، حتى قرعت الباب عليهم، فقالوا: من هذا؟ قلت: ابن الخطاب، قال: وقد علموا من شدتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يعلمون بإسلامي، فما اجترأ أحد بفتح الباب حتى قال: افتحوا له، إن يرد الله به خيرًا يهده، ففتحوا لي الباب فأخذ رجلان بعضدي، حتى أتيا بي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: “خلوا عنه”، ثم أخذ بمجامع قميصي، ثم جذبني إليه، ثم قال: “أسلم يا ابن الخطاب، اللَّهم اهده”، فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله. فكبر المسلمون تكبيرة سمعت بفجاج مكة. (1)
روى ابن سيد الناس من طريق ابن عائذ بسنده عن أبي محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر فذكر القصة وفيها: فأتيته بصحيفة فيها {طه} فقرأ فيها ما شاء الله، قال عمر: فلما بلغ {فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى} قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله. وفيها: قالوا: يا رسول الله، هذا عمر بن الخطاب يستفتح، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ائذنوا له، فإن يرد الله به خيرًا يهده وإلا كفيتموه بإذن الله”ونهض إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لقيه بالحجرة، فأخذ بحجزته، أو بمجمع ردائه، ثم جبذه جبذه شديدة، وقال: “ما جاء بك يا ابن الخطاب، فوالله ما أرى أن تنتهي حتى ينزل الله بك قارعة” فقال عمر: يا رسول الله جئتك لأومن بالله وبرسوله، وبما جاء من عند الله، قال: فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم تكبيرة عرف أهل البيت من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عمر قد أسلم، فتفرق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكانهم، وقد عزوا في أنفسهم حين أسلم عمر مع إسلام حمزة، وعرفرا أنهما سيمنعان رسول الله صلى الله عليه وسلم وينتصفون بهما من عدوهم، فهذا حديث الرواة من أهل المدينة عن إسلام عمر بن الخطاب حين أسلم.

بعد إسلام حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه وعمر بن الخطاب رضي الله عنه، أدركت قريش أن الإسلام أصبح قوة متنامية فبدأت بالتخطيط لفرض حصار اجتماعي على المسلمين، وهو ما تم تنفيذه لاحقًا في شعب أبي طالب