أحداث السنة العاشرة من بعثة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم
Events of the tenth year of the mission of the Messenger of Allah, Muhammad (peace and blessings of Allah be upon him)
قال ابن إسحاق: فحدثني العباس بن عبد الله بن معبد بن عباس عن بعض أهله، عن ابن عباس، قال: مشوا إلى أبى طالب فكلموه، وهم أشراف قومه: عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وأبو جهل بن هشام، وأمية بن خلف، وأبو سفيان بن حرب، في رجالٍ من أشرافهم فقالوا: يا أبا طالب، إنك منا حيث قد علمت، وقد حضرك ما ترى وتخوفنا عليك، وقد علمت الذي بيننا وبين ابن أخيك، فادعه، فخذ له منا، وخذ لنا منه، ليكف عنا، ونكف عنه، وليدعنا وديننا، وندعه ودينه، فبعث إليه أبو طالب، فجاءه، فقال: يا ابن أخي: هؤلاء أشراف قومك، قد اجتمعوا لك، ليعطوك، وليأخذوا منك. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نعم، كلمة واحدة تعطونيها تملكون بها العرب، وتدين لكم بها العجم). قال فقال أبو جهل: نعم وأبيك، وعشر كلمات، قال: تقولون: لا إله إلا الله، وتخلعون ما تعبدون من دونه. قال: فصفقوا بأيديهم، ثم قالوا: أتريد يا محمَّد أن تجعل الآلهة إلهًا واحدًا، إن أمرك لعجب! قال بعضهم لبعض: إنه والله ما هذا الرجل بمعطيكم شيئًا مما تريدون، فانطلقوا وامضوا على دين آبائكم، حتى يحكم الله بينكم وبينه. قال: ثم تفرقوا.
لما قال أبو طالب لرسول الله صلى الله عليه وسلم: والله يا ابن أخي، ما رأيتك سألتهم شططًا: قال: فلما قالها أبو طالب طمع رسول الله صلى الله عليه وسلم في إسلامه، فجعل يقول له: (أي عم، فأنت فقلها أستحل لك بها الشفاعة يوم القيامة) قال: فلما رأى حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه، قال يا ابن أخي، والله لولا مخافة السبة عليك وعلى بني أبيك من بعدي، وأن تظن قريش أني إنما قلتها جزعًا من الموت لقلتها، لا أقولها إلا لأسرك بها. قال: فلما تقارب من أبى طالب الموت قال: نظر العباس إليه يحرك شفتيه، قال: فأصغى إليه بأذنه، قال: فقال يا ابن أخي، والله لقد قال أخي الكلمة التي أمرته أن يقولها، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لم أسمع).
روى البيهقي بسنده عن أبي اليمان الهوزني، قال لما توفي أبو طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم، خرج النبي صلى الله عليه وسلم فعارض جنازته، قال ابن عوف: فجعل يمشي مجانبًا لها، ويقول: (برتك رحم، وجزيت خيرًا) ولم يقم على قبره.
عن جابر رضي الله عنه، قال: لما مات أبو طالب قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (رحمك الله وغفر لك يا عمّ، ولا أزال أستغفر لك حتى ينهانني الله عز وجل)، فأخذ المسلمون يستغفرون لموتاهم الذين ماتوا وهم مشركون، فاْنزل الله تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ}
عن حكيم بن حزام قال: توفيت خديجة بنت خويلد في شهر رمضان سنة عشر من النبوة، وهي يومئذ بنت خمس وستين سنة، فخرجنا بها من منزلها حتى دفناها بالحجون، ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في حفرتها، ولم تكن يومئذ سنة الجنازة الصلاة عليها. قيل: ومتى ذلك يا أبا خالد؟ قال: قبل الهجرة بسنوات ثلاث أو نحوها وبعد خروج بني هاشم من الشعب بيسر. (2)
روى بسنده عن عروة بن الزبير قال: وقد كانت خديجة توفيت قبل أن تفرض الصلاة. (3)
قال البيهقي: بلغني أن موت خديجة كان بعد موت أبى طالب. بثلاثة أيام.
عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن خديجة أنها ماتت قبل أن تنزل الفرائض والأحكام، قال: (أبصرتها على نهر من أنهار الجنة، في بيت من قصب لا لغو فيه ولا نصب)
لما توفي أبو طالب وخديجة بنت خويلد، وكان بينهما شهر وخمسة أيام، اجتمعت على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، مصيبتان فلزم بيته وأقل الخروج ونالت منه قريش ما لم تكن تنال ولا تطمع به، فبلغ ذلك أبا لهب فجاءه فقال: يا محمَّد امض لما أردت وما كنت صانعًا إذ كان أبو طالب حيًّا فاصنعه، لا واللات لا يوصل إليك حتى أموت! وسبّ ابن الغيطلة النبي صلى الله عليه وسلم، فأقبل عليه أبو لهب فنال منه، فولّى وهو يصيح: يا معشر قريش صبأ أبو عتبة! فأقبلت قريش حتى وقفوا على أبى لهب، فقال: ما فارقت دين عبد المطلب ولكني أمنع ابن أخي أن يضام حتى يمضي لما يريد، قالوا: قد أحسنت وأجملت ووصلت الرحم؛ فمكث رسول الله صلى الله عليه وسلم، كذلك أيّامًا يذهب ويأتي لا يعترض له أحد من قريش، وهابوا أبا لهب، إلى أن جاء عقبة بن أبي معيط وأبو جهل بن هشام إلى أبى لهب فقالا له: أخبرك ابن أخيك أين مدخل أبيك؟ فقال له أبو لهب: يا محمَّد أين مدخل عبد المطلب؟ قال: مع قومه، فخرج أبو لهب إليهما فقال: قد سألته فقال مع قومه، فقالا: يزعم أنه في النار، فقال: يا محمَّد أيدخل عبد المطب النار؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم، ومن مات على مثل ما مات عليه عبد المطلب دخل النار، فقال أبو لهب: والله لا برحت لك عدوًّا أبدًا، وأنت تزعم أن عبد المطلب في النار! فاشتد عليه هو وسائر قريش
لما توفيت خديجة جاءت خوله بنت حكيم امرأة عثمان بن مظعون قالت: يا رسول الله، ألا تزوج، قال: من؟ قالت: إن شئت بكرًا وإن شئت ثيبًا، قال: فمن البكر؟ قالت: ابنة أحب خلق الله عز وجل إليك، عائشة بنت أبى بكر، قال: ومن الثيب؟ قالت: سودة ابنة زمعة قد آمنت بك واتبعتك على ما تقول، قال: فاذهبي فاذكريهما علي، فدخلت بيت أبي بكر، فقالت: يا أم رومان، ماذا أدخل الله عز وجل عليكم من الخير والبركة؟ قالت: وما ذاك؟ قالت: أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم أخطب عليه عائشة، قالت: انتظري أبا بكر حتى يأتي، فجاء أبو بكر فقالت: يا أبا بكر ماذا أدخل الله عليكم من الخير والبركة؟ قال: وما ذاك؟ قالت: أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم أخطب عليه عائشة، قال: وهل تصلح له، إنما هي ابنة أخيه، فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك، قال: ارجعي إليه فقولي له أنا أخوك وأنت أخي في الإسلام وابنتك تصلح لي، فرجعت فذكرت ذلك له، قال: انتظري وخرج، قالت أم رومان: إن مطعم بن عدي قد كان ذكرها على ابنه، فوالله ما وعد وعدًا قط فأخلفه لأبي بكر، فدخل أبو بكر على مطعم بن عدي وعنده امرأته أم الفتى، فقالت: يا ابن أبي قحافة لعلك مصب صاحبنا مدخله في دينك الذي أنت عليه ان تزوج إليك، قال أبو بكر للمطعم بن عدي: أقول هذه تقول، قال: إنها تقول ذلك، فخرج من عنده وقد أذهب الله عز وجل ما كان في نفسه من عدته التي وعده، فرجع فقال لخولة: ادعي لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعته فزوجها إياه وعائشة يومئذ بنت ست سنين ثم خرجت، فدخلت على سودة بنت زمعة، فقالت: ماذا أدخل الله عز وجل عليك من الخير والبركة؟ قالت: وما ذاك؟ قالت: أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم أخطبك عليه، قالت: وددت ادخلي إلى أبي فاذكري ذاك له، وكان شيخًا كبيرًا قد أدركه السن قد تخلف عن الحج، فدخلت عليه فحييته بتحية الجاهلية فقال: من هذه؟ فقالت: خوله بنت حكيم، قال: فما شأنك؟ قالت: أرسلني محمد بن عبد اللهأخطب عليه سودة، قال: كفء كريم، ماذا تقول صاحبتك؟ قالت: تحب ذاك، قال: ادعها لي، فدعيتها، قال: أي بنيه إن هذه تزعم أن محمد بن عبد الله بن عبد المطلب قد أرسل يخطبك، وهو كفء كريم، أتحبين أن أزوجك به؟ قالت: نعم، قال: ادعيه لي، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه فزوجها إياه،
قال ابن إسحاق: ولما هلك أبو طالب نالت قريش من رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأذى ما لم تكن تنال منه في حياة عمه أبي طالب، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف، يلتمس النصرة من ثقيف، والمنعة بهم من قومه، ورجاء أن يقبلوا منه ما جاءهم به من الله عز وجل، فخرج إليهم وحده.
قال ابن إسحاق: فحدثني يزيد بن زياد، عن محمَّد بن كعب القرظي، قال: لما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف، عمد إلى نفر من ثقيف، هم يومئذ سادة ثقيف وأشرافهم وهم أخوة ثلاثة: عبد ياليل بن عمرو بن عمير، ومسعود بن عمرو بنعمير، وحبيب بن عمرو بن عمير بن عوف بن عقدة بن غيرة بن عوف بن ثقيف، وعند أحدهم امرأة من قريش من بني جمح، فجلس إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعاهم إلى الله، وكلمهم بما جاءهم له من نصرته على الإِسلام، والقيام معه على من خالفه من قومه؛ فقال له أحدهم: هو يمرط (1) ثياب الكعبة إن كان الله أرسلك؛ وقال الآخر: أما وجد الله أحدًا يرسله غيرك! وقال الثالث: والله لا أكلمك أبدًا. لئن كنت رسولًا من الله كما تقول؛ لأنت أعظم خطرًا من أن أردّ عليك الكلام، ولئن كنت تكذب على الله، ما ينبغي في أن أكلمك. فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من عندهم وقد يئس من خير ثقيف، وقد قال لهم -فيما ذكر لي-: إذا فعلتم ما فعلتم فاكتموا عني، وكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبلغ قومه عنه، فيذئرهم (2) ذلك عليه. قال ابن هشام: قال عبيد بن الأبرص:
ولقد أتاني عن تميم أنهم … ذئروا لقتلى عامر وتعصبوا
فلم يفعلوا، وأغروا به سفهاءهم وعبيدهم، يسبونه ويصيحون به، حتى اجتمع عليه الناس، وألجئوه إلى حائط (3) لعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة، وهما فيه، ورجع عنه من سفهاء ثقيف من كان يتبعه، فعمد إلى ظلّ حبلة (4) من عنب، فجلس فيه. وابنا ربيعة ينظران إليه، ويريان ما لقي من سفهاء أهل الطائف، وقد لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ذكر لي- المرأة التي من بني جمح، فقال لها: “ماذا لقينا من أحمائك؟ “.
فلما اطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال- فيما ذكر لي-: “اللَّهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين، وأنت ربى، إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني (5)؟ أم إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن ينزل بي غضبك، أو يحل علي سخطك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك”.
قال: فلما رآه ابنا ربيعة، عتبة وشيبة، وما لقي، تحركت له رحمهما، فدعوا غلامًا لهما نصرانيًا، يقال له عداس، فقالا له: خذ قطفًا من هذا العنب، فضعه في هذا الطبق، ثم اذهب به إلى ذلك الرجل، فقل له يأكل منه. ففعل عدّاس، ثم أقبل به حتى وضعه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال له: كل، فلما وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه يده، قال: باسم الله، ثم أكل، فنظر عدّاس في وجهه، ثم قال: والله إنّ هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلاد، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ومن أهل أي البلاد أنت يا عدّاس، وما دينك؟ ” قال: نصراني، وأنا رجل من أهل نينوى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من قرية الرجل الصالح يونس بن متى”؛ فقال له عدّاس: وما يدريك ما يونس بن متى؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ذاك أخي، كان نبيًا وأنا نبي”، فأكب عدّاس على رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل رأسه ويديه وقدميه.
قال: يقول ابنا ربيعة أحدهما لصاحبه: أما غلامك فقد أفسده عليك. فلما جاءهما عدّاس قالا له: ويلك يا عدّاس! ما لك تقبل رأس هذا الرجل ويديه وقدميه؟ قال: يا سيدي، ما في الأرض شيء خير من هذا، لقد أخبرني بأمر ما يعلمه إلَّا نبي، قالا له: ويحك يا عدّاس، لا يصرفنّك عن دينك، فإن دينك خير من دينه.
وروى البخاري بسنده عن عائشة رضي الله عنها: قالت: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: “هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟ قال: لقد لقيت من قومك، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال، فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي، فإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل، فناداني، فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك، وما ردّوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمر بما شئت فيهم، فناداني ملك الجبال، فسلم عليّ، ثم قال يا محمَّد، إن الله قد سمع قول قومك لك، وأنا ملك الجبال، قد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك، فما شئت، إن شئت أطبقتعليهم الأخشبين، قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئًا).
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف من الطائف راجعا إلى مكة حين يئس من خير ثقيف ، حتى إذا كان بنخلة قام من جوف الليل يصلي ، فمر به النفر من الجن الذين ذكرهم الله تبارك وتعالى وهم – فيما ذكر لي – سبعة نفر من جن أهل نصيبين فاستمعوا له ، فلما فرغ من صلاته ولوا . إلى قومهم منذرين ، قد آمنوا وأجابوا إلى ما سمعوا . فقص الله خبرهم عليه صلى الله عليه وسلم ، قال الله عز وجل : وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن إلى قوله تعالى ويجركم من عذاب أليم
وفي رواية أخرى عن ابن عباس قال: ما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ على الجن ولا رآهم، انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، في طائفة من أصحابه، عامدين إلى سوق عكاظ، وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء، وأرسلت عليهم الشهب، فرجعت الشياطين إلى قومهم، فقالوا: ما لكم؟ قالوا: حيل بيننا وبين خبر السماء، وأرسلت علينا الشهب، فقالوا: ما حال بيننا وبين خبر السماء إلا من حدث، فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها فانظروا ما هذا الذي حال بينكم وبين خبر السماء، قال: فانطلقوا يضربون مشارق الأرض ومغاربها يبتغون ما هذا الذي حال بينهم وبين خبر السماء، فانصرف أولئك النفر الذين توجهوا نحو تهامة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بنخلة عامدًا إلى سوق عكاظ، وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر، فلما سمعوا القرآن استمعوا له فقالوا: هذا والله الذي حال بينكم وبين خبر السماء، قال: فهنالك رجعوا إلى قومهم فقالوا: يا قومنا إنا سمعنا قرأنا عجبا يهدي إلى الرشد فأمنا به ولن نشرك بربنا أحدًا. فأنزل الله تبارك وتعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ} (1) وإنما أوحي إليه قول الجن
دخل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم مكة مرجعه من الطائف في جوار المطعم بن عدي، وازداد قومه عليه حنقًا وغيظًا وتكذيبًا وعنادًا، والله المستعان وعليه التكلان.
وقد ذكر الأموي في مغازيه أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم بعث أريقط إلى الأخنس بن شريق، فطلب منه أن يجيره بمكة، فقال: إن حليف قريش لا يجير على صميمها.
ثم بعثه إلى سهيل بن عمرو ليجيره فقال: إن بني عامر بن لؤي لا تجير على بني كعب بن لؤي. فبعثه إلى المطعم بن عدي ليجيره فقال: نعم، قل له فليأت.
فذهب إليه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فبات عنده تلك الليلة، فلما أصبح خرج معه هو وبنوه ستة أو سبعة، متقلدي السيوف جميعًا، فدخلوا المسجد وقال لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: طف. واحتبوا بحمائل سيوفهم في المطاف. فأقبل أبو سفيان إلى مطعم فقال: أمجير أو تابع؟ قال: لا بل مجير. قال: إذا لا تخفر.
فجلس معه حتى قضى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم طوافه، فلما انصرف انصرفوا معه. وذهب أبو سفيان إلى مجلسه.
عن ثابت، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد أوذيت في الله تبارك وتعالى وما يؤذى أحد، وأخفت في الله وما يخاف أحد، ولقد أتت علي ثلاثة من بين يوم وليلة وما لي ولبلال طعام يأكله ذو كبد إلا ما يواري إبط بلال (1)
[الخصام]
حدثنا أحمد بن سليمان الصفار قال: حدثنا زيد بن المبارك قال: حدثنا ابن ثور، عن ابن جريج قال: دخل النبي صلى الله عليه وسلم المسجد فطاف سبعًا، وقريش جلوس بين باب بني مخزوم وباب بني جمح، فقال: صلى الله عليه وسلم بيده وأشار إليهم وإلى أوثانهم {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ} ثم خرج صلى الله عليه وسلم فجاء ابن الزبعري، وإذا قريش تسبه، فقال: ما لكم؟ فقالوا: إن ابن أبي كبشة سبنا، وسب أوثاننا، فلما أن كان من العشي لقي ابن الزبعري، فقال: يا محمَّد أهي لنا ولآلهتنا خاصة دون الأمم أو هي لجميع الأمم؟ قال: بل هي لكم ولجميع الأمم، قال ابن الزبعري: خصمتك ورب الكعبة، فإنك تثني على عيسى وأمه خيرًا، وقد عبد فنزلت {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} ابن الزبعري السهمي، قال ابن جريج في حديثه هذا، وقال: مجاهد {أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} عيسى وعزير والملائكة. (2)
[منى]
عن الحارث بن الحارث الغامدي رضي الله عنه قال: (قلت لأبي ونحن بمنى: ما هذه الجماعة؟ قال: هؤلاء قوم اجتمعوا على صابئ لهم، فتشرفنا فإذا رسول الله – صلى الله عليهوسلم – يدعو الناس إلى توحيد الله تعالى والإيمان به، وهم يردون عليه قوله ويؤذونه، حتى ارتفع النهار، وانصدع عنه الناس، وأقبلت امرأة قد بدا نحرها تبكي تحمل قدحًا فيه ماء ومنديلًا، فتناوله منها فشرب وتوضأ، ثم رفع رأسه إليها فقال: يا بنية! خمري عليك نحرك ولا تخافي على أبيك غلبة ولا ذلا، فقلنا: من هذه؟ قالوا: هذه زينب ابنته). (خ في تاريخه، طب، وأبو نعيم، كر، وقال أبو زرعه الدمشقي: هذا حديث صحيح). (1)
[عمه يرميه بالحجارة]
عن طارق المحاربي رضي الله عنه رأيت رسول الله مر في سوق ذي المجاز، وعليه حلة حمراءُ، وهو يقول: (يا أيها الناس قولوا: لا إله إلا الله، تفلحوا) ورجل يتبعه يرميه بالحجارة، قد أدمى كعبيه وعرقوبيه، وهو يقول: يا أيها الناس لا تطعوه فإنه كذاب. فقلت: من هذا؟ قالوا: غلام بني عبد المطلب. فقلت: من هذا الذي يتبعه يرميه بالحجارة؟ قالوا: هذا عبد العزى أبو لهب. (2)
[سلا الجذور]
عن عبد الله بن مسعود قال: (بينا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم في المسجد وأبو جهل بن هشام، وشيبة وعتبة ابنا ربيعة، وعقبة بن أبي معيط، وأمية بن خلف. فقال أبو جهل: أيكم يأتي جزور بني فلان، فيأتينا بفرثها، فيلقيه على محمَّد؟ فانطلق أشقاهم، وأسفههم عقبة بن أبي معيط، فأتى به، فألقاه على كتفيه، ورسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ساجد لم يهتم، قال ابن مسعود: وأنا قائم لا أستطيع أن أتكلم بشيء، ليس عندي عشيرة تمنعني. إذ سمعت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم بذلك فأقبلت حتى ألقت ذلك عن أبيها، ثم استقبلت قريشًا تسبهم، فلم يرجعوا إليها شيئًا، ورفع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبهوسلم رأسه كما كان يرفعه عند تمام سجوده، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم صلاته قال: اللَّهم عليك بقريش، اللَّهم عليك بقريش، اللَّهم عليك بعقبة، وعتبة، وأمية بن خلف، وأبى جهل بن هشام، وشيبة، وخرج رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم من المسجد، فلقيه أبو البختري، ومع أبي البختري سوط يتخصر به، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أنكر وجهه، فأخذه، فقال: تعال، ما لك؟ فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: خل عني. فقال: علم الله، لا أخلي عنك أو تخبرني ما شأنك، ولقد أصابك سوء. فلما علم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أنه غير مخل عنه أخبره، فقال: إن أبا جهل أمر فطرح عليَّ فرث. فقال أبو البختري: هلم إلى المسجد، فأبى النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، فأخذه أبو البختري فأدخله المسجد، ثم أقبل إلى أبى جهل، فقال: يا أبا الحكم، أنت الذي أمرت بمحمد فطرح عليه الفرث قال: نعم. قال: فرفع السوط فضرب به رأسه قال: فثار الرجال بعضها إلى بعض قال وصاح أبو جهل ويحكم هي له إنما أراد محمَّد أن يلقي بيننا العداوة وينجو هو وأصحابه. (1)
[سلا الجزور]
عن أحمد بن إسحاق السرماري قال حدثنا عبيد الله بن موسى قال حدثنا إسرائيل عن أبى إسحاق عن عمرو بن ميمون عن عبد الله قال: (بينما رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قائم يصلي عند الكعبة وجمع قريش في مجالسهم، إذ قال قائل منهم ألا تنظرون إلى هذا المرائي؟ أيكم يقوم إلى جزور آل فلان فيعمد إلى فرثها ودمها وسلاها فيجيء به، ثم يمهله حتى إذا سجد وضعه بين كتفيه؟ فانبعث أشقاهم، فلما سجد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وضعه بين كتفيه، وثبت النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ساجدًا. فضحكوا حتى مال بعضهم إلى بعض من الضحك. فانطلق منطلق إلي فاطمة عليها السلام-وهي جويرية- فأقبلت تسعى، وثبت النبي صلىالله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ساجدًا حتى ألقته عنه، وأقبلت عليهم تسبهم. فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم الصلاة قال: اللَّهم عليك بقريش، اللَّهم عليك بقريش. ثم سمى: اللَّهم عليك بعمرو بن هشام وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة وأمية بن خلف وعقبة بن أبي معيط وعمارة بن الوليد قال عبد الله: فوالله لقد رأيتهم صرعى يوم بدر، ثم سحبوا إلى القليب قليب بدر. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: وأتبع أصحاب القليب لعنه). (1)
[أبو جهل يتوعد]
عن أبي هريرة قال قال أبو جهل: هل يعفر محمَّد وجهه بين أظهركم قال فقيل نعم فقال: واللات والعزى يمينًا يحلف بها لئن رأيته يفعل ذلك لأطأن على رقبته أو لأعفرن وجهه في التراب قال: فأتى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وهو يصلي زعم ليطأ على رقبته قال فما فجأهم منه إلا وهو ينكص على عقبيه ويتقي بيديه قال قالوا له ما لك قال إن بيني وبينه لخندقًا من نار وهولًا وأجنحة قال فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم لو دنا مني لخطفته الملائكة عضوًا عضوا قال فأنزل لا أدري في حديث أبي هريرة أو شيء بلغه {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى (7) إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى (8) أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (9) عَبْدًا إِذَا صَلَّى (10) أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى (11) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى (12) أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى} (يعني أبا جهل). {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى (14) كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ (15) نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ (16) فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ} (قال يدعو قومه). {سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ} (قال يعني الملائكة). {كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ}. (2)
[أبو جهل يهدد]
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: مر أبو جهل على النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وهو يصلي، فقال: ألم أنهك يا محمد؟ لتنتهين أو لأفعلن بك. قال: فانتهره النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وأغلظ له، قال: بم تهددني يا محمَّد؟ فما في هذا الوادي -يعني وادي مكة- أكثر ناديًا مني. قال: فأنزل الله عز وجل: {فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ (17) سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ} وقال ابن عباس رضي الله عنهما: لو نادى لأخذته ملائكة العذاب مكانه. (1)
[أبو جهل يؤذي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم في ذي المجاز]
وقال مسدد: ثنا أبو الأحوص حدثنا أشعث بن سليم بن أسود المحاربي. سمعت شيخًا من كنانة يقول: رأيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم في سوق ذي المجاز وهو يقول: (أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا).
قال: وأبو جهل يمشي في أثره يسفي عليه التراب، وهو يقول: يا أيها الناس لا يغرنكم هذا عن دينكم إنما يريد أن تَدَعوا اللات والعزى. ووصف لنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فقال: رأيت عليه بردين أحمرين أبيض شديد سواد الرأس واللحية، مربوع، كأحسن الرجال وجهًا صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. (2)
[يشتمون مذممًا]
حدثنا سفيان، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: ألا تعجبون! كيف يصرف عني شتم قريش! كيف يلعنون مذممًا، ويشتمون مذممًا، وأنا محمَّد
[الموسم]
قال ربيعة الديلي: إني لمع أبي رجل شاب أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يتبع القبائل، ووراءه رجل أحول وضيء ذو جمة. يقف رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم على القبيلة ويقول: يا بني فلان: إني رسول الله إليكم آمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا، وأن تصدقوني حتى أنفذ عن الله ما بعثني به، فإذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم من مقالته، قال الآخر من خلفه يا بني فلان: إن هذا يريد منكم أن تسلخوا اللات والعزى وحلفاءكم من الجن بني مالك بن أقيش إلى ما جاء به من البدعة والضلالة، فلا تسمعوا له ولا تتبعوه، فقلت لأبي: من هذا؟ قال: عمه أبو لهب. (1)
[عكاظ]
قال ربيعة: رأيت أبا لهب بعكاظ وهو يتبع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وهو يقول: يا أيها الناس إن هذا قد غوى فلا يغوينكم عن آلهة أبائكم، ورسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يفر منه، وهو على إثره، ونحن نتبعه ونحن غلمان كأني أنظر إليه أحول ذا غديرتين، أبيض الناس وأجملهم. (2)
[المؤامرة على قتله]
عن ابن عباس قال: إن الملأ من قريش اجتمعوا في الحجر، فتعاقدوا باللات والعزى ومنات الثالثة الأخرى ونائلة وإساف: لو قد رأينا محمدًا لقد قمنا إليه قيام رجل واحد فلم نفارقه حتى نقتله، فأقبلت ابنته فاطمة تبكي، حتى دخلت على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، فقالت: هؤلاء الملأ من قريش قد تعاقدوا عليك، لو قد رأوك لقد قاموا إليك فقتلوك، فليس منهم رجل إلا قد عرف نصيبه من دمك، فقال: يا بنية،أريني وضوءًا، فتوضأ، ثم دخل عليهم المسجد، فلما رأوه قالوا: ها هو ذا، وخفضوا أبصارهم، وسقطت أذقانهم في صدورهم، وعقروا في مجالسهم، فلم يرفعوا إليه بصرًا، ولم يقم إليه منهم رجل، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم حتى قام على رؤوسهم، فأخذ قبضًة من التراب، فقال: شاهت الوجوه، ثم حصبهم بها، فما أصاب رجلًا منهم من ذلك الحصى حصاة إلا قتل يوم بدر كافرًا.
استهزاء أمية بن خلف:
قال ابن إسحاق: وأمية بن خلف كان إذا رأى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم همزه ولمزه (1)
فأنزل الله تعالى فيه: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1) الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ (2) يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ (3) كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ (5) نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (7) إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (8) فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ (9)}. (2)
استهزاء أبو جهل:
قال ابن إسحاق: فقال أبو جهل يومًا وهو يهزأ برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وما جاء به من الحق: يا معشر قريش، يزعم محمَّد أن جنود الله الذين يعذبونكم في النار ويحبسونكم فيها تسعة عشر، وأنتم أكثر الناس عددًا وكثرة، فيعجز كل مائة رجل منكم عن رجل منهم (3)
فأنزل الله تعالى عليه في ذلك من قوله: {وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَإِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ} (1)
أبو جهل يغضب لسب الأصنام
قال ابن إسحاق: ولقي أبو جهل بن هشام رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فيما بلغني، فقال له: والله يا محمَّد لتتركن سب آلهتنا أو لنسبن إلهك الذي تعبد، فأنزل الله تعالى عليه فيه: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} فذكر لي أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم كف عن سب ألهتهم، وجعل يدعوهم إلى الله. (2)
استهزاء الحكم بن أبي العاص
روى بسنده عن هند بن خديجة زوج النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال: مر النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم بالحكم فجعل يغمز بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فالتفت النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فرآه فقال: (اللَّهم اجعل به وزعًا) فرجف مكانه. (3)
هم وآلهتهم في سواء الجحيم
قال ابن إسحاق: وجلس الرسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فيما بلغنا يومًا مع الوليد بن المغيرة في المسجد، فجاء النضر بن الحارث حتى جلس معهم، وفى المجلس غير واحد من رجال قريش.
فتكلم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، فعرض له النضر، فكلمهرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم حتى أفحمه، ثم تلا عليه وعليهم:
{إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (98) لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ (99) لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ}. (1)
ثم قام رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وأقبل عبد الله بن الزَّبَعرَي السهمي حتى جلس.
فقال الوليد بن المغيرة له: والله، ما قام النضر بن الحارث لابن عبد المطلب آنفًا وما قعد، وقد زعم محمَّد أنا وما نعبد من آلهتنا هذه حصب جهنم!
فقال عبد الله بن الزبعري: أما والله لو وجدته لخصمته، فسلوا محمدًا: أكل من يعبد من دون الله حصب جهنم مع من عبده؟ فنحن نعبد الملائكة، واليهود تعبد عزيرًا، والنصارى تعبد عيسى.
فعجب الوليد ومن كان معه في المجلس من قول ابن الزبعري، ورأوا أنه قد احتج وخاصم.
فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فأنزل الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (101) لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ}. (2) أي عيسى ابن مريم، وعزيرًا، ومن عبد من الأحبار والرهبان الذين مضوا على طاعة الله تعالى. فاتخذهم من يعبدهم من أهل الضلالة أربابًا من دون الله.
ونزل فيما يذكرون أنهم يعبدون الملائكة، وأنها بنات الله: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (26) لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} إلى قوله: {وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْإِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ}.
ونزل فيما ذكر من أمر عيسى بن مريم أنه يعبد من دون الله وعجب الوليد ومن حضره من حجته وخصومته: {وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ} أي: يصدون عن أمرك بذلك من قولهم، ثم ذكر عيسى بن مريم فقال: {إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (59) وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ (60) وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا} أي: ما وضعت على يديه من الآيات من إحياء الموتى وإبراء الأسقام، فكفى به دليلًا على علم الساعة، يقول: فلا تمترن بها {وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ}.
أبو جهل ينفث حسده لرسول الله صلى الله عليه وسلم
روى البيهقي بسنده عن المغيرة بن شعبة قال: إن أول يوم عرفت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أني أمشي أنا وأبو جهل بن هشام في بعض أزقة مكة، إذ لقينا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم لأبي جهل: (يا أبا الحكم! هلم إلى الله وإلى رسوله، أدعوك إلى الله).
فقال أبو جهل: يا محمَّد! هل أنت منته عن سب آلهتنا؟ هل تريد إلا أن نشهد أنك قد بلغت؟ فنحن نشهد أن قد بلغت، فوالله، لو أن أعلم أن ما تقول حق لاتبعتك.
فانصرف رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وأقبل علي فقال: والله، إني لأعلم أن ما يقول حق، ولكن يمنعني شيء، إن بني قصي قالوا: فينا الحجابة. فقلنا: نعم. ثم قالوا: فينا السقابة. فقلنا: نعم. ثم قالوا: فينا الندوة. فقلنا: نعم. ثم قالوا: فينا اللواء. فقلنا: نعم. ثم أطعموا وأطعمنا، حتى إذا تحاكت الركب قالوا: منا نبي! والله لا أفعل.
وهذا القول منه -لعنه الله- كما قال تعالى مخبرًا عنه وعن أضرابه: {وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا (41) إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلَا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا}. (1)
استهزاء الوليد بن المغيرة
وذكر ابن إسحاق الوليد بن المغيرة حيث قال: أينزل على محمَّد وأترك وأنا كبير قريش وسيدها؟! ويترك أبو مسعود عمرو بن عمير الثقفي سيد ثقيف؟! فنحن عظيما القريتين. ونزل قوله فيه: {وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (31) أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}. (2)
قال: ومشى أبي بن خلف بعظم بالٍ قد أرم، فقال: يا محمَّد! أنت تزعم أن الله يبعث هذا بعد ما أرم؟ ثم فته بيده، ثم نفخه في الريح نحو رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، فقال: (نعم، أنا أقول ذلك، يبعثه الله وإياك بعد ما تكونان هكذا، ثم يدخلك النار).
وأنزل الله تعالى: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79) الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (80) أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَىأَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (81) إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82) فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (83)}. (1)
قريش تلعب بدينها وتسفه عقولها
قال ابن إسحاق واعترض رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فيما بلغني وهو يطوف عند باب الكعبة الأسود بن المطلب، والوليد بن المغيرة، وأمية بن خلف، والعاص بن وائل، فقالوا يا محمَّد هلم فلنعبد ما تعبد وتعبد ما نعبد فنشترك نحن وأنت في الأمر فإن كان الذي تعبد خيرًا مما نعبد كنا قد أخذنا بحظنا منه وإن كان ما نعبد خيرًا مما تعبد كنت قد أخذت بحظك منه.
فأنزل الله فيهم: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)}. (2)
وعن ابن عباس أيضًا: إن قريشًا وعدوا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أن يعطوه مالًا، فيكون أغنى رجل بمكة، ويزوجوه ما أراد من النساء، ويطؤوا عقبه، فقالوا له: هذا لك عندنا يا محمَّد! وكف عن شتم آلهتنا، فلا تذكرها بسوء.
فإن لم تفعل، فإنا نعرض عليك خصلة واحدة، فهي لك ولنا فيها صلاح.
قال: (ما هي؟).
قالوا: تعبد آلهتنا سنة: اللات والعزى، ونعبد إلهك سنة. قال: (حتى أنظر ما يأتي من عند ربى).
فجاء الوحي من اللوح المحفوظ: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} السورة، وأنزل الله: {قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ (64) وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65) بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ}. (1)
استهزاء العاص ابن أبي وائل السهمي
قال ابن إسحاق: وكان العاص بن وائل السهمي، فيما بلغني، إذا ذكر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال: دعوه، فإنما هو رجل أبتر لا عقب له، لو قد مات لقد انقطع ذكره واسترحتم منه، فأنزل الله في ذلك من قوله: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} ما هو خير لك من الدنيا وما فيها، والكوثر: العظيم.
عتاب الله لرسوله صلى الله عليه وسلم
قال: ووقف الوليد بن المغيرة فكلم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، ورسول الله يكلمه، وقد طمع في إسلامه.
فمر به ابن أم مكتوم: فكلم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وجعل يستقرئه القرآن، فشق ذلك عليه حتى أضجره، وذلك أنه شغله عما كان فيه من أمر الوليد وما طمع فيه من إسلامه، فلما أكثر عليه انصرف عنه عابسا وتركه.
فأنزل الله تعالى: {عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى (2) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّىأَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى (4) أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى (5) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (6) وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى (7) وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى (8) وَهُوَ يَخْشَى (9) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (10) كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ (11) فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (12) فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (13) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ}. (1)
وقد قيل: إن الذي كان يحدث رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم حين جاءه ابن أم مكتوم: أمية بن خلف. فالله أعلم.
عقبة بن أبي معيط يبزق على رسول الله صلى الله عليه وسلم لعنه الله
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن أبا معيط كان يجلس مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم بمكة لا يؤذيه، وكان رجلا حليما، وكان بقية قريش إذا جلسوا معه آذوه، وكان لأبي معيط خليل غائب عنه بالشام، فقالت قريش: صبأ أبو معيط.
وقدم خليله من الشام ليلًا، فقال لامرأته: ما فعل محمد مما كان عليه؟ فقالت: أشد مما كان أمرا. فقال: ما فعل خليلي أبو معيط؟ فقالت: صبا.
فبات بليلة سوء، فلما أصبح أتاه أبو معيط فحياه، فلم يرد عليه التحية. فقال: ما لك لا ترد عليَّ تحيتي؟ فقال: كيف أرد عليك تحيتك وقد صبوت؟!
قال: أوقد فعلتها قريش؟! قال: نعم.
قال: فما يبرئ صدورهم إن أنا فعلت؟
قال: تأتيه في مجلسه، وتبزق في وجهه، وتشتمه بأخبث ما تعلمه من الشتم!
ففعل، فلم يزد النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أن مسح وجهه من البزاق ثم التفت إليه فقال: (إن وجدتك خارجًا من جبال (مكة) أضرب عنقك صبرا).
فلما كان يوم بدر وخرج أصحابه أبى أن يخرج، فقال له أصحابه: اخرج معنا.
قال: قد وعدني هذا الرجل إن وجدني خارجًا من جبال (مكة) أن يضرب عنقي صبرًا.
فقالوا: لك جمل أحمر لا يدرك، فلو كانت الهزيمة طرت عليه.
فخرج معهم، فلما هزم الله المشركين، وحل به جمله في جدد من الأرض، فأخذه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أسيرًا في سبعين من قريش، وقدم إليه أبو معيط، فقال: تقتلني من بين هؤلاء؟ قال: (نعم ، بما بزقت في وجهي). (1) فأنزل الله في أبي معيط: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا
قال الله سبحانه وتعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}.
روى مسلم بسنده عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال: (أتيت بالبراق -وهو دابة أبيض طويل، فوق الحمار ودون البغل- يضع حافره عند منتهى طرفه قال: فركبته حتى أتيت بيت المقدس، قال: فربطته بالحلقة التي يربط بها الأنبياء، قال: ثم دخلت المسجد، فصليت فيه ركعتين، ثم خرجت، فجاءني جبريل بإناء من الخمر وإناء من لبن، فاخترت اللبن، فقال جبريل: اخترت الفطرة قال: ثم عرج بنا إلى السماء، فاستفتح جبريل، فقيل: من أنت؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمَّد، قيل: وقد بعث إليه؟ ففتح لنا، فإذا أنا بآدم، فرحب بي ودعا لي بخير، ثم عرج بنا إلى السماء الثانية، فاستفتح جبريل، فقيل: من أنت؟ قال: جبريل،قيل: ومن معك؟ قال: محمَّد، قيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه، ففتح لنا، فإذا أنا بابني الخالة عيسى بن مريم، ويحيى بن زكريا، فرحبا [بي]، ودعوا لي بخير، ثم عرج بنا إلى السماء الثالثة، فاستفتح جبريل، فقيل: من أنت؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمَّد، قيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه، ففتح لنا، فإذا أنا بيوسف إذا هو قد أعطي شطر الحسن، قال: فرحب بي، ودعا لي بخير، ثم عرج بنا إلى السماء الرابعة، فاستفتح جبريل، فقيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمَّد، قيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه؟ ففتح لنا، فإذا أنا بإدريس، فرحب بي ودعا لي بخير، قال الله عز وجل: {وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا}. (1) ثم عرج بنا إلى السماء الخامسة، فاستفتح جبريل، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمَّد، قيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه، ففتح لنا، فإذا أنا بهارون، فرحب ودعا لي بخير، ثم عرج بنا إلى السماء السادسة، فاستفتح جبريل، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمَّد، قيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه، ففتح لنا، فإذا أنا بموسى عليه السلام، فرحب، ودعا لي بخير، ثم عرج بنا إلى السماء السابعة، فاستفتح جبريل، فقيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمَّد، قيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه، ففتح لنا فإذا أنا بإبراهيم عليه السلام، مسندًا ظهره إلى البيت المعمور، فإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه، ثم ذهب بي إلى سدرة المنتهى، فإذا أوراقها كآذان الفيلة، وإذا ثمرها كالقلال، قال: فلما غشيها من أمر الله عز وجل ما غشي تغيرت، فما أحد من خلق الله تعالى يستطيع أن ينعتها من حسنها، فأوحى [الله] إلى ما أوحى، ففرض علي خمسين صلاة في كل يوم وليلة، فنزلت إلى موسى، فقال: ما فرض ربك على أمتك؟ قلت: خمسين صلاة، قال: ارجع إلى ربك، فاسأله التخفيف، فإن أمتك لا تطيق ذلك، فإني قد بلوت ببني إسرائيل وخبرتهم، قال: فرجعت إلى ربي، فقلت: يا رب، خفف عن أمتي، فحط عني خمسًا، فرجعت إلى موسى، فقلت: حط عني خمسًا، فقال: إن أمتك لا يطيقون ذلك، فارجع إلى ربك،فاسأله التخفيف، قال: فلم أزل أرجع بين ربي تبارك وتعالى وبين موسى عليه السلام، حتى قال: يا محمَّد، إنهن خمس صلوات كل يوم وليلة، بكل صلاة عشر، فذلك خمسون صلاة، ومن هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة، فإن عملها كتبت عشرًا، ومن هم بسيئة ولم يعملها لم تكتب شيئًا، فإن عملها كتبت سيئة واحدة، قال: فنزلت فانتهيت إلى موسى فأخبرته، فقال: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (قد رجعت إلى ربي حتى استحييت منه).
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال: (أتيت بالبراق، فركبت خلف جبريل عليه السلام، فسار بنا، إذا ارتفع ارتفعت رجلاه، وإذا هبط ارتفعت يداه.
قال: فسار بنا في أرض غمة منتنة، حتى أفضينا إلى أرض فيحاء طيبة، فقلت: يا جبريل! إنا كنا نسير في أرض غمة منتنة، ثم أفضينا إلى أرض فيحاء طيبة؟ قال: تلك أرض النار، وهذه أرض الجنة.
قال: فأتيت على رجل قائم يصلي، فقال: من هذا معك يا جبريل؟ قال: هذا أخوك محمَّد. فرحب بي ودعا لي بالبركة، وقال: سل لأمتك اليسر. فقلت: من هذا يا جبريل؟ فقال: هذا أخوك عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام.
قال: فسرنا، فسمعت صوتا وتذمرًا، فأتينا على رجل فقال: من هذا يا جبريل؟ قال: هذا أخوك محمَّد. فرحب بي ودعا لي بالبركة، وقال: سل لأمتك اليسر. فقلت: من هذا يا جبريل؟ فقال: هذا أخوك موسى. قلت: على من كان تذمره وصوته؟ قال: على ربه. قلت: على ربه؟! قال: نعم، قد عرف ذلك من حدته.
قال: ثم سرنا، فرأينا مصابيح وضوءًا. قال: قلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذه شجرة أبيك إبراهيم عليه الصلاة والسلام، أتدنو منها؟ قلت: نعم. فدنونا، فرحب بي ودعا لي بالبركةثم مضينا حتى أتينا بيت المقدس، فربطت الدابة بالحلقة التي يربط بها الأنبياء، ثم دخلت المسجد، فنشرت لي الأنبياء: من سمى الله عز وجل منهم ومن لم يسم، فصليت بهم، إلا هؤلاء النفر الثلاثة: إبراهيم، وموسى، وعيسى عليهم الصلاة والسلام). (1)
عن عبد الله بن حوالة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم رأيت ليلة أسري بي عمودًا أبيض كأنه لؤلؤ تحمله الملائكة قلت ما تحملون قالوا نحمل عمود الإِسلام أمرنا أن نضعه بالشام. (2)
عن الزهري، قال: قال سعيد بن المسيب: إن أبا قتادة بن ربعي أخبره، أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال: (قال الله عز وجل: افترضت على أمتك خمس صلوات، وعهدت عندي عهدًا إنّه من حافظ عليهن لوقتهن أدخلته الجنة، ومن لم يحافظ عليهن، فلا عهد له عندي). (3).
عن ابن عباس رضي الله عنه قال: (ليلة أسري بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم دخل الجنة فسمع في جانبها خشفًا. فقال: يا جبريل من هذا؟ فقال: هذا بلال المؤذن. فأتى النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم الناس فقال: قد أفلح بلال رأيت له كذا وكذا. قال: ولقيه موسى فرحب به فقال: مرحبا بالنبي الأمي قال: وهو رجل آدم طوال سبط شعره مع أذنيه أو فوقهما. فقال: يا جبريل من هذا؟ فقال: هذا موسى عليه السلام، ثم مضى، فلقيه رجل فرحب به. فقال: من هذا يا جبريل؟ قال: هذا عيسى عليه السلام، ثم مضى، فلقيه شيخ جليل مهيب، فرحب به وسلم عليه. وكلهم يسلم عليه. فقال: يا جبريل من هذا؟ قال: هذا أبوك إبراهيم عليه السلام. قال: فنظر في النار فإذا قوم يأكلون الجيف. قال: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس. قال: ورأى رجلًا أزرق جعدًا شعثًا إذا رأيته قال: من هذا يا جبريل؟ قال:هذا عاقر الناقة. قال: فلما أن دخل النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم المسجد الأقصى قام يصلي، ثم التفت فإذا النبيون أجمعون يصلون معه، فلما انصرف جيء بقدحين أحدهما عن اليمين والآخر عن الشمال في أحدهما لبن وفي الآخر عسل فأخذ اللبن فشربه. فقال الذي معه القدح: أصبت الفطرة. (1)
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (حين أسري بي لقيت موسى عليه السلام فنعته النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- فإذا رجل -حسبته قال- مضطرب. رجل الرأس. كأنه من رجال شنوءة. قال ولقيت عيسى (فنعته النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم) فإذا ربعة أحمر كأنما خرج من ديماس) (يعني حمامًا) قال، ورأيت إبراهيم صلوات الله عليه. وأنا أشبه ولده به. قال، فأتيت بإناءين أحدهما لبن وفي الآخر خمر. فقيل لي: خذ أيهما شئت. فأخذت اللبن فشربته. فقال: هديت الفطرة. أو أصبت الفطرة. أما إنك لو أخذت الخمر غوت أمتك. (2)
عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (لقيت إبراهيم ليلة أسري بي، فقال: يا محمَّد: أقرئ أمتك مني السلام، وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة عذبة الماء، وأنها قيعان، وأن غراسها سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر). (3)
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (مررت ليلة أسري بي بالملأ الأعلى، وجبريل كالحلس البالي من خشية الله تعالى).
عن أبي حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (أتيت بالبراق، وهو دابة أبيض طويل، يضع حافره عند منتهى طرفه فلم نزايل ظهره أنا وجبريل حتى أتيت بيت المقدس، ففتحت لي أبواب السماء، ورأيت الجنة والنار. (1)
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (أتيت ليلة أسري بي على قوم تقرض شفاهم. بمقاريض من نار، كلما قرضت وفت، فقلت يا جبريل من هؤلاء؟ قال: خطباء أمتك الذين يقولون ما لا يفعلون، ويقرؤون كتاب الله ولا يعملون به. (2)
عن أنس رضي الله عنه قال: أتي النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ليلة أسري به بالبراق مسرجًا، ملجمًا فاستصعب عليه، فقال له جبريل: أبمحمد تفعل هذا؟ فما ركبك أحد أكرم على الله منه، قال: فارفض البراق عرقًا. (3)
لما كانت الليلة التي أسري بي فيها وجدت رائحة طيبة، فقلت: ما هذه الرائحة الطيبة يا جبريل؟ قال: هذه رائحة ماشطة بنت فرعون وأولادها، قلت: ما شأنها؟ قال: بينا هي تمشط بنت فرعون، إذ سقط المشط من يدها، فقالت: بسم الله، قالت بنت فرعون: أبى؟ فقالت: لا، ولكن ربي ورب أبيك؛ الله، قالت: وإن لك ربًا غير أبي؟ قالت: نعم فأعلمته بذلك، فدعا بها فقال: يا فلانه ألك رب غيري؟ قالت: نعم، ربي وربك الله الذي في السماء، فأمر ببقرة من نحاس فأحميت، ثم أخذ أولادها يلقون فيها واحدًا واحدًا، فقالت: إن لي إليك حاجة، قال: وما هي؟ قالت: أحب أن تجمع عظامي وعظام ولدي في ثوب واحد فتدفنا جميعًا، قال: ذلك لك بما لك علينا من الحق، فلم يزل أولادها يلقون في البقرة حتى انتهى إلى ابن لها رضيع، فكأنها تقاعست من أجله، فقال لها: يا أمهاقتحمي، فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، ثم ألقيت مع ولدها، فكان هذا من الأربعة الذين تكلموا وهم صبيان. (1)
عن محمَّد بن إسحاق، حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، عن أسماء بنت أبي بكر قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، ذكر سدرة المنتهى فقال: (يسير في ظل الفنن الراكب مائة سنة) أو قال: (يستظل في ظل الفنن منها مائة راكب) شك يحيى (فيها فراش الذهب كأنما ثمرها القلال). (2)
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله: صحبه وسلم: (لما عرج بي ربي عز وجل مررت بقوم لهم أظفار من نحاس، يخمشون وجوههم وصدورهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس، ويقعون في أعراضهم). (3)
عن ابن عباس رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال: (ما مررت ليلة أسري بي بملاء من الملائكة، إلا كلهم يقول لي: عليك، يا محمَّد! بالحجامة).
روى أحمد بسنده عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (رأيت ليلة أسرى بي موسى رجلًا آدم طوالًا جعدًا، كأنه منرجال شنوءة، ورأيت عيسى رجلًا مربوع الخلق إلى الحمرة والبياض، سبط الرأس، ورأيت مالكًا خازن النار والدجال). (1)
عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال: (أتيت على موسى ليلة أسري بي عند الكثيب الأحمر وهو قائم يصلي في قبره. (2)
أخبرنا أبو مصعب، قال: حدثنا مالك، عن يحيى بن سعيد، أنه قال: أسري برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فرأى عفريتًا من الجن، يطلبه بشعلة من نار، كلما التفت النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم رآه، فقال جبريل: ألا معلمك كلمات تقولهن، إذا قلتهن طفئت شعلته، وخر لفيه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: بلى قال جبريل: قل: أعوذ بوجه الله الكريم، وبكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر، من شر ما ينزل من السماء وشر ما يعرج فيها، ومن شر ما ذرئ في الأرض وشر ما يخرج منها، ومن شر فتن الليل والنهار، ومن طوارق الليل، إلا طارق يطرق بخير، يا رحمان. (3)
روى مسلم بسنده عن عبد الله بن مسعود قال: لما أسري برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم انتهى به إلى سدرة المنتهى، وهي في السماء السادسة، إليها ينتهي ما يعرج به من الأرض، فيقبض منها، وإليها ينتهي ما يهبط به من فوقها، فيقبض منها، قال {إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى} قال: فراش من ذهب، قال: فأعطي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ثلاثًا: أعطي الصلوات الخمس، وأعطى خواتم سورة البقرة،وغفر لمن لا يشرك بالله من أمته شيئًا المقحمات. (1)
لقيت ليلة أسرى بي إبراهيم وموسى وعيسى، فتذاكروا أمر الساعة، فردوا أمرهم إلى إبراهيم، فقال: لا علم لي بها، فردرا الأمر إلى موسى، فقال: لا علم لي بها، فردوا الأمر إلى عيسى، فقال أما وجبتها فلا يعلم بها أحد إلا الله، وفيما عهد إلي ربي: أن الدجال خارج ومعي قضيبان، فإذا رآني ذاب كما يذوب الرصاص، فيهلكه الله إذا رآني، حتى إن الحجر والشجر: ليقول يا مسلم إن تحتي كافرًا فتعال فاقتله، فيهلكهم الله ثم يرجع الناس إلى بلادهم وأوطانهم، فعند ذلك يخرج يأجوج ومأجوج {وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ} فيطؤون بلادهم، لا يأتون على شيء إلا أهلكوه، ولا يمرون على ماء إلا شربوه ثم يرجع الناس إليَّ، فيشكونهم، فأدعو الله عليهم، فيهلكهم ويميتهم حتى تجوي الأرض من نتن ريحهم، فينزل الله المطر، فيجترف أجسادهم، حتى يقذفهم في البحر، ثم تنسف الجبال، وتمد الأرض مد الأديم، ففيما عهد إلي ربي: أن ذلك إذا كان كذلك فإن الساعة كالحامل المتم، لا يدري أهلها من تفجؤهم بولادتها ليلًا أو نهارًا.
عن عبد الله رضي الله عنه: {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} قال: رأى رفرفًا أخضر سد أفق السماء.
روى أحمد بسنده عن ابن مسعود أنه قال في هذه الآية: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى}، قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (رأيت جبريل عند سدرة المنتهى،عليه ستمائة جناح ينثر من ريشه التهاويل والدر والياقوت).
عن أبي ذر، قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم هل رأيت ربك؟ قال: (نور أنى أراه). (4)
روى البخاري ومسلمٌ بسنديهما عن عبد الله بن شقيق، قال: قلت لأبي ذر: لو رأيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم لسألته. فقال: عن أي شيء كنت تسأله؟ قال: كنت أسأله هل رأيت ربك؟ قال أبو ذر: قد سألت فقال: (رأيت نورًا).
روى البخاري بسنده عن شريك بن عبد الله أنه قال: سمعت ابن مالك يقول: فذكر الحديث وفيه قال: ثم عرج به إلى السماء الدنيا وذكر الحديث إلى أن قال: ثم مضى به في السماء فإذا هو بنهر آخر عليه قصر من لؤلؤ وزبرجد فضرب يده فإذا هو مسك، قال: (ما هذا يا جبريل؟) قال: هذا الكوثر الذي خبأ لك ربُكَ، ثم عرج إلى السماء الثانية.
روى الإمام أحمد بسنده عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (لما كان ليلة أسري بي: أصبحت بمكة، فظعت بأمري؛ وعرفت أن الناس مكذبي، فقعدت معتزلًا حزينًا، قال: فمر عدو الله، أبو جهل، فجاء حتى جلس إليه فقال له كالمستهزئ: هل كان من شيء؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (نعم) قال: ما هو؟ قال: (إنه أسري بي الليلة) قال: إلى أين؟ قال: (إلى بيت المقدس) قال: ثم أصبحت بين ظهرانينا؟ قال: (نعم) قال: فلم ير أنه يكذبه مخافة أن يجحده الحديث إذا دعا قومه إليه قال: أرأيت إن دعوت قومك تحدثهم ما حدثتني. فقال رسول الله صلى الله عليه: على آله وصحبه وسلم: (نعم) فقال: هيا معشر بني كعب بن لؤي قال: فانتفضت إليه المجالس وجاءوا حتى جلسوا إليهما قال: حدث قومك بما حدثتني فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (إني أسري بي الليلة) قالوا: إلى أين؟ قلت: (إلى بيت المقدس) قالوا: ثم أصبحت بين ظهرانينا؟ قال: (نعم) قال: فمن بين مصفق، ومن بين واضع يده على رأسه متعجبًا للكذب زعم قالوا: وهلتستطع أن تنعت لنا المسجد وفي القوم من قد سافر إلى ذلك البلد ورأى المسجد؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (فذهبت أنعت فما زلت أنعت حتى التبس علي بعض النعت، قال فجيء بالمسجد وأنا أنظر حتى وضع دون دار عقال أو عقيل، فنعته وأنا أنظر إليه، قال وكان مع هذا نعت لم أحفظه: فقال القوم: أما النعت فوالله لقد أصاب. (1)
عن ابن عباس رضي الله عنه قال: أسري بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم إلى بيت المقدس ثم جاء من ليلته فحدثهم بمسيره، وبعلامة بيت المقدس، وبعيرهم قال: قال: أناس نحن لا نصدق محمدًا فارتدوا كفارًا، فضرب الله أعناقهم مع أبي جهل، قال: وقال أبو جهل: يخوفنا محمَّد بشجرة الزقوم؟ هاتوا تمرًا وزبدًا تزقموا. قال: ورأي الدجال في صورته رؤيا عين ليس رؤيا منام وعيسى بن مريم وإبراهيم .. قال: فسئل النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم عن الدجال فقال: (رأيته فيلمانيًا أقمر هجانًا إحدى عينيه قائمة كأنها كوكب دري، كأن شعره أغصان شجرة. ورأيت عيسى شابًا أبيض جعد الرأس، حديد البصر، مبطن الخلق. ورأيت موسى أسحم، آدم، كثير الشعر شديد الخلق. ورأيت إبراهيم فلا انظر إلي إرب من آرابه إلا نظرت إليه كأنه صاحبكم). قال: (وقال لي جبريل: سلم على أبيك، فسلمت عليه). (2)
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (لقد رأيتني في الحجر. وقريش تسألني عن مسرائي، فسألوني عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها، فكربت كربًا، ما كربت مثله قط. فرفعه الله لي، أنظر إليه. فما سألوني عن شيء إلا أتيتهم به، وقد رأيتني في جماعة من الأنبياء، وإذا موسى عليه السلام قائم يصلي، فإذا رجل ضرب، (جعد)، كأنه من رجال شنوءة. وإذا عيسى قائم يصلي، أقرب الناس به شبهًا: عروة بن مسعود الثقفي. وإذا إبراهيم قائم يصلي، أشبهالناس به: صاحبكم يعني نفسه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فحانت الصلاة، وأممتهم. فلما فرغت من الصلاة، قال لي قائل: يا محمَّد: هذا مالك، صاحب النار، فسلم عليه. فالتفت إلي فبدأني بالسلام. (1)
روى الحاكم بسنده عن عائشة رضي الله عنها، قالت: لما أسري بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، إلى المسجد الأقصى أصبح يتحدث الناس بذلك، فارتد ناس ممّن كانوا آمنوا به وصدقوه، وسعوا بذلك إلى أبي بكر رضي الله عنه، فقالوا: هل لك إلى صاحبك يزعم أنه أسري به الليلة إلى بيت المقدس. قال: أو قال ذلك؟ قالوا: نعم. قال: لئن كان قال ذلك لقد صدق، قالوا: أو تصدقه أنه ذهب الليلة إلى بيت المقدس وجاء قبل أن يصبح؟ قال: نعم إني لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك، أصدقه بخبر السماء في غدوة أو روحه. فلذلك سمي أبو بكر الصديق.
عن جابر بن عبد الله، أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال: (لما كذبتني قريش قمت في الحجر فجلى الله لي بيت المقدس فطفقت أخبرهم عن آياته وأنا أنظر إليه). (2)
عن ابن عباس في قوله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ}. قال: هي رؤيا عين أريها النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ليلة أسري به إلى بيت المقدس {وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ}. قال: هي شجرة الزقوم.
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (أمّني جبريل عليه السلام عند البيت، فصلى بي الظهر حين زالت الشمس فكانت بقدر الشراك، ثم صلى بي العصر حين صار ظل كل شيء مثله، ثم صلى بي المغرب حين أفطر الصائم، ثم صلى بي العشاء حين غاب الشفق، ثم صلى بي الفجر حين حرم الطعام والشراب على الصائم، ثم صلى بي الغد الظهر حين كان ظل كل شيء مثله، ثم صلى بي العصر حين كان ظل كل شيء مثليه، ثم صلى بي المغرب حين أفطر الصائم لوقت واحد، ثم صلى بي العشاء إلى ثلث الليل الأول، ثم صلى بي الفجر فأسفر بها، ثم التفت إلي فقال: يا محمد، هذا وقت الأنبياء من قبلك، والوقت فيما بين هذين الوقتين).