أحداث السنة العاشرة من هجرة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم

Events of the tenth year of the Hijrah of the Messenger of Allah, Muhammad (peace be upon him)

عن سُبَيْعَةَ بنتِ الْحَارِثِ رضي الله عنها أَنَّهَا كَانَتْ تَحْتَ سَعْدِ بن ‌خوْلَةَ وَهُوَ مِنْ بني عَامِرِ بن لُؤَيٍّ، وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا فَتُوُفِّيَ عَنْهَا في حَجَّةِ الْوَدَاعِ.

أرسل عليه الصلاة والسلام خالد بن الوليد في جمع لبني عبد المدان بنجران من أرض اليمن، وأمره أن يدعوهم إلى الإِسلام ثلاث مرات، فإن أبوا قاتلهم، فلما قدم إليهم بعث الركبان في كل وجه يدعون إلى الإِسلام، ويقولون: أسْلِموا تسلموا، فأسلموا ودخلوا في دين الله أفواجًا، فأقام خالد بينهم يعلمهم الإِسلام والقرآن، وكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فأرسل إليه أن يقدم بوفدهم ففعل (1).
وذكر ابن إسحاق هذه السرية وقال: سرية خالد بن الوليد إلى بني الحارث بن كعب بنجران في شهر ربيع الآخر أو جمادى الأولى سنة عشر

عَنْ عَدِيِّ بن حَاتِمٍ قَالَ أَتَيْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم وَهُوَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ الْقَوْمُ هَذَا عَدِيُّ بن حَاتِمٍ وَجِئْتُ بِغَيْرِ أَمَانٍ وَلا كِتَابٍ فَلَمَّا دُفِعْتُ إِلَيْهِ أَخَذَ بِيَدِي وَقَدْ كَانَ قَالَ قَبْلَ ذَلِكَ: “إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَجْعَلَ الله يَدَهُ فِي يَدِي” قَالَ: فَقَامَ فَلَقِيَتْهُ امْرَأَةٌ وَصَبِيٌّ مَعَهَا، فَقَالَا: إِنَّ لَنَا إِلَيْكَ حَاجَةً، فَقَامَ مَعَهُمَا حَتَّى قَضَى حَاجَتَهُمَا ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي حَتَّى أَتَى بِي دَارَهُ فَأَلْقَتْ لَهُ الْوَلِيدَةُ وِسَادَةً فَجَلَسَ عَلَيْهَا وَجَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَحَمِدَ الله وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: “مَا يُضرُّكَ أَنْ تَقُولَ لَا إِلَهَ إِلَّا الله؟ فَهَلْ تَعْلَمُ مِنْ إِلَهٍ سِوَى الله؟ ” قَالَ: قُلْتُ: لَا، قَالَ: ثُمَّ تَكَلَّمَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: “إِنَّمَا تَفِرُّ أَنْ تَقُولَ الله أَكْبَرُ وَتَعْلَمُ أَنَّ شَيْئًا أَكبَرُ مِنْ الله؟ “، قَال: قُلْتُ: لَا، قَالَ: “فَإنَّ الْيَهُودَ مَغْضُوبٌ عَلَيهِمْ وَإِنَّ النَّصَارَى ضُلَّالٌ”، قَالَ: قُلْتُ: فَإِنِّي جِئْتُ مُسْلِمًا، قَالَ: فَرَأَيْتُ وَجْهَهُ تَبَسَّطَ فَرَحًا، قَالَ: ثُمَّ أَمَرَ بِي فَأُنْزِلْتُ عِنْدَ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ جَعَلْتُ أَغْشَاهُ آتِيهِ طَرَفَيْ النَّهَارِ، قَالَ: فَبَيْنَمَا أَنَا عِنْدَهُ عَشِيَّةً إِذْ جَاءَهُ قَوْمٌ في ثِيَابٍ مِنْ الصُّوفِ مِنْ هَذِهِ النِّمَارِ، قَالَ: فَصَلَّى وَقَامَ فَحَثَّ عَلَيْهِمْ، ثُم قَالَ:”وَلَوْ صَاعٌ وَلَوْ بنصْفِ صَاعٍ وَلَوْ بِقَبْضَةٍ وَلَوْ بِبَعْضِ قَبْضَةٍ يَقِي أَحَدُكُمْ وَجْهَهُ حَرَّ جَهَنَّمَ أَوْ النَّارِ وَلَوْ بِتَمْرَةٍ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ فَإنَّ أَحَدَكُمْ لَاقِي الله وَقَائِلٌ لَهُ مَا أَقُولُ لَكُمْ أَلَمْ أَجْعَلْ لَكَ سَمْعًا وَبَصَرًا فَيَقُولُ: بَلَى فَيَقُولُ أَلَمْ أَجْعَلْ لَكَ مَالًا وَوَلَدًا؟ فَيَقُولُ: بَلَى، فَيَقُولُ: أَيْنَ مَا قَدَّمْتَ لِنَفْسِكَ؟ فَيَنْظُرُ قُدَّامَهُ وَبَعْدَهُ وَعَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ ثُمَّ لَا يَجِدُ شَيْئًا يَقِي بِهِ وَجْهَهُ حَرَّ جَهَنَّمَ لِيَقِ أَحَدُكُمْ وَجْهَهُ النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ فَإنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيّبَةٍ فَإنِّي لَا أَخَافُ عَلَيكُمْ الْفَاقَةَ فَإنَّ الله نَاصِرُكُمْ وَمُعْطِيكُمْ حَتَّى تَسِيرَ الظَّعِينَةُ فِيمَا بَيْنَ يثْرِبَ وَالْحِيرَةِ أَوْ أكثَرَ مَا تَخَافُ عَلَى مَطِيَّتِهَا السَّرَقَ”، قَالَ: فَجَعَلْتُ أَقُولُ في نَفْسِي: فَأَيْنَ لُصُوصُ طَيّىءٍ؟

أقبل خالد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقبل معه وفد بني الحارث بن كعب،منهم قيس بن الحصين، ويزيد بن عبد المَدَان، ويزيد بن المحجَّل، وعبد الله بن قُراد الزيادي، وشداد بن عبد الله القَناني، وعمرو بن عبد الله الضِّبابي، وأمَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم على بني الحارث بن كعب قيسَ بن الحصين، فرجع وفد بني الحارث إلى قومهم في بقية من شوال، أو في صدر ذي القعدة

قدم وفد خولان في شعبان سنة عشر، وهم عشرة نفر، فسألهم رسول الله صلى الله عليه وسلم -عن صنمهم الذي يقال له: عَمُّ أَنَس، فقالوا: أُبدلنا به خيرًا منه، ولو قد رجعنا لهدمناه، وتعلَّموا القرآن والسنة، فلما رجعوا هدموا الصنم، وأحلوا ما أحل الله، وحرموا ما حرم الله

قدم وفد غامد على رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان، وهم عشرة، فنزلوا ببقيع الغرقد، ثم لبسوا من صالح ثيابهم، ثم انطلقوا إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم، فسلَّموا عليه وأقرُّوا بالإِسلام، وكتب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم -كتابًا فيه شرائع الإِسلام، وأتوا أبي بن كعب فعلَّمهم قرآنًا، وأجازهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يجيز الوفد وانصرفوا

عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَعْتَكِفُ كُلَّ عَامٍ عَشْرَةَ أَيَّامٍ، فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ اعْتَكَفَ عِشْرِينَ يَوْمًا، وَكَانَ يُعْرَضُ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً، فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ عُرِضَ عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ

عن عدي بن بكير الغساني عن قومه غسان قالوا: قدمنا علي رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان سنة عشر، المدينة، ونحن ثلاث نفر، فنزلنا دار رملة بنت الحارث، فإذا وفود العرب كلهم مصدقون بمحمد صلى الله عليه وسلم، فأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأسلمنا وصدقنا، وشهدنا أن ما جاء به الحق، ولا ندري أيتبعنا قومنا أم لا، فأجاز لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بجوائز وانصرفوا راجعين، فقدموا على قومهم فلم يستجيبوا لهم، فكتموا إسلامهم حتى مات منهم رجلان مسلمين وأدرك واحد منهم عمر بن الخطاب عام اليرموك، فلقي أبا عبيدة فخبَّره بإسلامه فكان يكرمه

عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: بعث رسولُ الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى أهل اليمن يدعوهم إلى الإِسلام، قال البراء: فكنت فيمن خرج مع خالد بن الوليد، فأقمنا ستة أشهر يدعوهم إلى الإِسلام، فلم يجيبوه، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عليَّ بن أبي طالب، وأمره أن يُقفل خالدًا، إلا رجلاً كان ممن مع خالد فأحبَّ أن يُعَقب مع عليٍّ فَلْيُعَقِب معه، قال البراء: فكنت فيمن عَقَّب مع عليِّ، فلما دنونا من القوم خرجوا إلينا فصلَّى بنا عليٌّ، ثم صفنا صفًا واحدًا، ثم تقدم بين أيدينا، وقرأ عليهم كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمت همدان جميعًا، فكتب عليٌّ إلى رسول الله بإسلامهم، فلما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتاب خَرَّ ساجدًا، ثم رفع رأسه فقال: “السلام على همْدان، السلام على همْدان”

عن جَرِير بن عبد الله رضي الله عنه قال: لَمَّا دَنَوْتُ مِنْ الْمَدِينَةِ أَنَخْتُ رَاحِلَتِي، ثُمَّ حَلَلْتُ عَيْبَتِي، ثُمَّ لَبِسْتُ حُلَّتِي، ثُمَّ دَخَلْتُ فَإِذَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ، فَرَمَانِي النَّاسُ بِالْحَدَقِ (1)، فَقُلْتُ: لِجَلِيسِي. يَا عبد الله ذَكَرَنِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: نعَمْ ذَكَرَكَ آنِفًا بِأَحْسَنِ ذِكْرٍ؛ فَبَيْنَمَا هُوَ يَخْطُبُ إِذْ عَرَضَ لَهُ في خُطْبَتِهِ، وَقَالَ: “يدخلُ عَلَيْكُمْ مِنْ هَذَا الْبَابِ- أَوْ مِنْ هَذَا الْفَجِّ- مِنْ خَيْرِ ذِي يَمَنٍ إِلَّا أَنَّ عَلَى وَجْهِهِ مَسْحَةَ مَلَكٍ” (2).
قَالَ جَرِيرٌ: فَحَمِدْتُ الله عز وجل عَلَى مَا أَبْلَانِي.

قَالَ جَرِيرٌ رضي الله عنه قَالَ لِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: “أَلَا تُرِيحُنِي مِنْ ذِي الْخَلَصَةِ؟ ” وَكَانَ بَيْتًا في خَثْعَمَ يُسَمَّى الْكَعْبَةَ الْيَمانِيَةَ فَانْطَلَقْتُ في خَمْسِينَ وَمِائَةِ فَارِسٍ مِنْ أَحْمَسَ (2)، وَكَانُوا أَصْحَابَ خَيْلٍ وَكُنْتُ لَا أَثْبُتُ عَلَى الْخَيْلِ فَضَرَبَ في صَدْرِي حَتَّى رَأَيْتُ أَثَرَ أَصَابِعِهِ في صدْرِي، وَقَالَ: “اللهُمَّ ثَبِّتْهُ وَاجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا”، فَانْطَلَقَ إِلَيهَا فَكَسَرَهَا وَحَرَّقَهَا ثُمَّ بَعَثَ إلى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ رَسُولُ جَرِيرٍ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا جِئْتُكَ حَتَّى تَرَكْتُهَا كَأَنَّهَا جَمَلٌ أَجْرَبُ، قَالَ: فَبَارَكَ في خَيْلِ أَحْمَسَ وَرِجَالِهَا خَمْسَ مَرَّاتٍ

يقال مرتين: إحداهما في رمضان سنة عشر من مهاجره صلى الله عليه وسلم، وعقد له لواءً وعمَّمه بيده، وقال: “امض ولا تلتفت، فإذا نزلت بساحتهم فلا تقاتلهم حتى يقاتلوك”، فخرج في ثلاثمائة فارس، وكانت أوَّل خيل دخلت إلى تلك البلاد، وهي بلاد مَذْحج، ثم لقي جمعهم فدعاهم إلى الإِسلام فأبوا، ورموا بالنبل والحجارة، فصفَّ أصحابه، ودفع لواءه إلى مسعود بن سنان السَّلِمي، ثم حمل عليهم عليٌّ بأصحابه، فقتل منهم عشرين رجلاً، فتفرَّقوا وانهزموا، فكف عن طلبهم، ثم دعاهم إلى الإِسلام فأسرعوا وأجابوا، وتابعه نفر من رؤسائهم على الإِسلام، وقالوا: نحن على من وراءنا من قومنا، وهذه صدقاتنا، فخذ منها حقَّ الله، ثم قفل عليٌّ فوافى النبيِّ صلى الله عليه وسلم بمكة، وقد قدمها للحج سنة عشر

قدم وفد سلامان على رسول الله صلى الله عليه وسلم في شوال سنة عشر، فصلَّى النبي صلى الله عليه وسلم الظهر ثم جلس بين المنبر وبيته، فتقدم الوفد فسألوه عن أمر الصلاة وشرائع الإِسلام، وعن الرُّقى، وأسلموا، وأعطى كل رجل منهم خمس أواق، ثم رجعوا إلى بلادهم

وقدم عليٌّ من سعايته من اليمن بِبُدْن النبي صلى الله عليه وسلم، فوجد فاطمة رضي الله عنها ممن حلَّ: ترجلَّت (1)، ولبست ثيابًا صبغًا واكتحلت، فأنكر ذلك عليها، وقال: من أمرك بهذا؟! فقالت: إن أبي أمرني بهذا.
قال: فكان عليٌّ يقول بالعراق: فذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم محرشًا على فاطمة للذي صنعت مُستفتيًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ذكرت عنه، فأخبرته أني أنكرت ذلك عليها، فقالت: أبي أمرني بهذا، فقال: “صَدَقَتْ، صَدَقَتْ، صَدَقَتْ، أنا أمرتها به”.
قال جابر: وقال لعليّ: “ماذا قلت حين فرضت الحج؟ ” قال: قلت: اللهم إني أهل بما أهل به رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: “فإن معي الهدي فلا تحل، وامكث حرامًا كما أنت”. قال: فكان جماعة الهدي الذي قدم به عليٌّ من اليمن، والذي أتى النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة مائة بدنة

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث بالمدينة تسع سنين لم يحج، ثم أُذِّن في الناس في العاشرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجُّ هذا العام، فقدم المدينة بشر كثير- وفي رواية: فلم يبق أحد يقدر أن يأتي راكبًا أو راجلاً إلا قدم- فتدارك الناس ليخرجوا معه، كلهم يلتمس أن يأْتمَّ برسول الله صلى الله عليه وسلم -ويعمل مثله عمله.

وقال جابر رضي الله عنه خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: “مهل أهل المدينة من ذي الحليفة، ومهل أهل الطريق الآخر الجُحْفة، ومهل أهل العراق من ذات عرق، ومهل أهل نجد من قرن، ومهل أهل اليمن من يلَمْلَم”.
قال: فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لخمس بقين من ذي القعدة -أو أربع- وساق هديًا، فخرجنا معه، معنا النساء والولدان، حتى أتينا ذا الحليفة، فولدت أسماء بنت عُميس: محمَّد بن أبي بكر، فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف أصنع؟ فقال: “اغتسلي واستثفري (1) بثوب وأحرمي”.
فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد وهو صامت (2).

‌‌الإحرام
ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ، حَتَّى إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ نَاقَتُهُ عَلَى الْبَيْدَاءِ أَهلَّ الحج- وفي رواية: أفرد الحج هو وأصحابه- قال جابر: نَظَرْتُ إلى مَدِّ بَصَرِي بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ رَاكِبٍ وَمَاشٍ، وَعَنْ يَمِينِهِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَعَنْ يَسَارِهِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَمِنْ خَلْفِهِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَرَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بَينَ أَظْهُرِنَا، وَعَلَيهِ يَنْزِلُ الْقُرآنُ، وَهُوَ يَعْرِفُ تَأْوِيلَهُ، وَمَا عَمِلَ بِهِ مِنْ شَيءٍ عَمِلْنَا بِهِ.
فَأَهَلَّ بِالتَّوْحِيدِ: لَبَّيْكَ اللهمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ، لَا شَرِيكَ لَكَ.
وَأَهَلَّ النَّاسُ بِهَذَا الَّذِي يُهِلُّونَ بِهِ- وفي رواية: ولبى الناس- والناس يزيدون: لبيك ذا المعارج، لبيك ذا الفواضل، فَلَم يَرُدَّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم شيْئًا مِنْهُ،وَلَزِمَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم تَلْبِيَتَهُ.
قَالَ جَابِرٌ: ونحن نقول: لبيك اللهم، لبيك الحج، نصرخ صراخا، لَسْنَا نَنْوِي إِلَّا الْحَجَّ مفردا، لا نخلطه بعمرة- وفي رواية: لَسْنَا نَعْرِفُ الْعُمْرَةَ، وفي أخرى: أهللنا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالحج خالصًا ليس مع غيره، خالصًا وحده (1) – وأقبلت عائشة بعمرة، حتى إذا كانت بسرف (2) عركت (3).

‌‌دخول مكة والطواف
حَتَّى إِذَا أَتَيْنَا الْبَيْتَ مَعَهُ صبح رابعة مضت من ذي الحجة، دخلنا مكة عند ارتفاع الضحى، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم باب المسجد فأناخ راحلته ثم دخل المسجد، فاسْتَلَمَ الرُّكْنَ- وفي رواية: الحجر الأسود (4) – ثم مضى عن يمينه فَرَمَلَ حتى عاد إليه ثَلَاثًا، وَمَشَى أَرْبَعًا هيّنته (5)، ثُمَّ نَفَذَ إلى مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام فَقَرَأَ:{وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125]، ورفع صوته يسمع الناس فَجَعَلَ الْمَقَامَ بَيْنَهُ وَبَينَ الْبَيْتِ، فصلى ركعتين فَكَانَ يَقْرَأُ في الرَّكْعَتَيْنِ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} و {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)} – وفي رواية: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)} و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)}.
ثم ذهب إلى زمزم فشرب منها، وصب على رأسه، ثم رجع إلى الركن فاستلمه.

‌‌الوقوف على الصفا والمروة
ثُمَّ خَرَجَ مِنْ الْبَابِ- وفي رواية: باب الصفا- إلى الصَّفَا، فَلَمَّا دَنَا مِنْ الصَّفَا قَرَأَ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: 158]، أَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ الله بِهِ، فَبَدَأَ بِالصَّفَا فَرَقِيَ عَلَيْهِ حَتَّى رَأَى الْبَيْتَ، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فَوَحَّدَ الله وَكَبَّرَهُ ثلاثاً، وحمده وَقَالَ: “لَا إِلَهَ إِلَّا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، يحيى ويميت، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ، لَا إِلَهَ إِلَّا الله وَحْدَهُ لا شريك له، أَنْجَزَ وَعْدَه وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ” ثُمَّ دَعَا بَينَ ذَلِكَ، وقَالَ: مِثْلَ هَذَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ.
ثُمَّ نَزَلَ ماشيًا إلى الْمَروَةِ حَتَّى إِذَا انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ في بَطْنِ الْوَادِي سَعَى، حَتَّى إِذا صَعِدَتَا -يعني: قدماه- الشق الآخر مَشَى، حَتَّى أَتَى الْمَروَةَ، فرقى عليها حتى نظر إلى البيت، فَفَعَلَ – عَلَى الْمَروَةِ كَمَا فَعَلَ عَلَى الصَّفَا.

‌‌الأمر بنسخ الحج إلى العمرة
حَتَّى إِذَا كَانَ آخِرُ طَوَافِهِ- وفي رواية: كان السابع- عَلَى الْمَرْوَةِ، فَقَالَ: “يا أيها الناس لَوْ أَنِّي اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرتُ لَم أَسُقْ الْهَدْيَ، وَجَعَلْتُهَا عُمْرَةٌ، فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ لَيسَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَحِلَّ وَلْيَجْعَلْهَا عُمْرةٌ”،- وفي رواية:فقال: “أحلوا من إحرامكم، فطوفوا بالبيت، وبين الصفا والمروة، وقصروا (1)، وأقيموا حلالا، حتى إذا كان يوم التروية (2) فأهلوا بالحج واجعلوا التي قدمتم بها متعة”.
فَقَامَ سُرَاقَةُ بن مَالِكِ بن جُعْشُمٍ – وهو في أسفل المروة- فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله أرأيت عمرتنا هذه لِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِأَبَدٍ؟ قال: فَشَبَّكَ رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم أَصَابِعَهُ وَاحِدَةً في الْأُخْرَى، وَقَالَ: “دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ في الْحَجِّ إلى يوم القيامة، لَا بَلْ لِأَبَدٍ أَبَدٍ، لَا بَلْ لِأَبَدٍ أَبَدٍ”، ثلاث مرات، قال: يا رسول الله بيّن لنا ديننا كأنا خلقنا الآن، فيما العمل اليوم؟ أفيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير أو فيما نستقبل؟ قال: “لا بل فيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير”، قال: ففيم العمل إذن؟ قال: “اعملوا فكل ميسر لما خلق له” (3).
قال جابر: فأمرنا إذا حللنا أن نهدي، ويجتمع النفر منا في الهدية، كل سبعة منا في بدنة، فمن لم يكن معه هدي فليصم ثلاثة أيام وسبعة إذا رجع إلى أهله.
قال: فقلنا: حِلُّ ماذا؟ قال: الحِلُّ كله، قال: فكَبُر ذلك علينا، وضاقت به صدورنا.

‌‌النزول في البطحاء
قَالَ: فَخَرَجْنَا إلى الْبَطْحَاءِ، قَالَ: فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَقُولُ: عَهْدِي بِأَهْلِي الْيَوْمَ، قَالَ: فتذاكرنا بيننا فقلنا: خرجنا حجاجًا لا نريد إلا الحج، ولا ننوي غيره، حتى إذا لم يكن بيننا وبين عرفة إلا أربع- وفي رواية: خمس ليال- أمرنا أن نفضي إلى نسائنا، فنأتي عرفة تقطر مذاكرينا المني من النساء (1)، قال: يقول جابر بيده، قال الراوي: كأني أنظر إلى قوله بيده يحركها، قالوا: كيف نجعلها متعة وقد سمينا الحج؟ قال: فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فما ندري أشيء بلغه من السماء أم شيء بلغه من قِبَل الناس.

‌‌خطبته صلى الله عليه وسلم بتأكيد الفسخ وإطاعة الصحابة له
فقام فخطب الناس فحمد الله وأثنى عليه، فقال: “أبالله تعلموني أيها الناس؟ قد علمتم أني أتقاكم لله وأصدقكم وأبركم، افعلوا ما آمركم به، فإني لولا هديي لحللتُ كما تحلون، ولكن لا يحل منِّي حرام (2). حتى يبلغ الهدي محلَّه، ولو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي، فحلُّوا”. قال: فواقعنا النساء، وتطيبنا بالطيب، ولبسنا ثيابنا، وسمعنا وأطعنا.
فحلَّ الناس كلهم وقعدوا إلا النبي صلى الله عليه وسلم ومن كان معه هدي.قال: وليس مع أحد منهم هدي غير النبي صلى الله عليه وسلم وطلحة (1).

‌‌التوجُّه إلى منى مُحرمين يوم الثامن
فلما كان يوم التروية، وجعلنا مكة بظهر، توجهوا إلى مني فأهلوا بالحج من البطحاء.
قال: ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على عائشة رضي الله عنها فوجدها تبكي، فقال: “ما شأنك؟ ” قالت: شأني أني قد حضت، وقد حلَّ الناس ولم أحلل، ولم أطف بالبيت والناس يذهبون إلى الحج الآن، فقال: “إن هذا أمر كتبه الله على بنات آدم فاغتسلي ثم أهلي بالحج، ثم حجي واصنعي ما يصنع الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت ولا تصلي”، ففعلت- وفي رواية: فنسكت المناسك كلها غير أنها لم تطف بالبيت.
وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصلى بها -يعني: مني وفي رواية: بنا- الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، ثم مكث قليلاً حتى طلعت الشمس وأمر بقبَّة له- من شعر تُضرب له بنمِرة (2).

‌‌التوجه إلى عرفات والنزول بنمرة
فَسَارَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم (3) وَلَا تَشُكُّ قُرَيْشٌ إِلَّا أَنَّهُ وَاقِفٌ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ بالمزدلفة، ويكون منزله ثَمَّ كَمَا كَانَتْ قُرَيْش تَصْنَعُ في الْجَاهِلِيَّةِ، فَأَجَازَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ، فَوَجَدَ الْقُبَّةَ قَدْ ضرِبَتْ لَهُ بنمِرَةَ، فَنَزَلَ بِهَا.
حَتَّى إِذَا زَاغَتِ الشَّمْسُ أَمَرَ بِالْقَصْوَاءِ فَرُحِلَتْ لَهُ، فركب حتى أَتَى بَطْنَ الْوَادِي (1).

‌‌خطبة عرفات
فَخَطَبَ النَّاسَ وَقَالَ:
“إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ، كَحُرمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، في شَهْركُمْ هَذَا، في بَلَدِكُمْ هَذَا، أَلَا كُلُّ شَيءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيَّ هاتين مَوْضُوعٌ، وَدِمَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ، وَإِنَّ أَوَّلَ دَمٍ أَضَعُ مِنْ دِمَائِنَا دَمُ ابْنِ رَبِيعَةَ بن الْحَارِثِ بن عبد المطلب، كَانَ مُسْتَرْضِعًا في بني سَعْدٍ فَقَتَلَتْهُ هُذَيْلٌ، وَرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ، وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُ رِبَانَا: رِبَا عَبَّاسِ بن عبد الْمُطَّلِبِ، فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ، فَاتَّقُوا الله في النِّسَاءِ، فَإِنكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِة الله، وَاسْتَحْلَلْتُم فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ الله، وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُم أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ، فَاِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَربًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ، وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَ إِنْ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ: كِتَابُ الله، وَأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ- وفي رواية: مسؤولون- عَنِّي، فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ؟ ” قَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ رسالات ربك، وَأَدَّيْتَ، وَنَصَحْتَ لأمتك، وقضيت الذي عليك، فَقَالَ بِإِصبَعِهِ السَّبَّابَةِ يَرفَعُهَا إلى السَّمَاءِ وَيَنْكُتُهَا إلى النَّاسِ: “اللهُمَّ اشْهَدْ اللهمَّ اشْهَدْ”.

‌‌الجمع بين الصلاتين والوقوف على عرفة
ثُمَّ أَذَّنَ بنداء واحد، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ، وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا.
ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم القصواء حَتَّى أَتَى الْمَوْقِفَ، فَجَعَلَ بَطْنَ نَاقَتِهِ الْقَصْوَاءِ إلى الصَّخَرَاتِ (1)، وَجَعَلَ حَبْلَ الْمُشَاةِ بين يديه (2)، وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ (3)، فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفُ حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ، وَذَهَبَتْ الصُّفْرَةُ قَلِيلًا حَتَّى غَابَ الْقُرْصُ (4).
وقال: “وقفت هنا وعرفة كلها موقف”.
وَأَرْدَفَ أُسَامَةَ بن زيد خَلْفَهُ.

‌‌الإفاضة من عرفات
وَدَفَعَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وفي رواية: أفاض وعليه السكينة- وَقَدْ شَنَقَ لِلْقَصْوَاءِ الزِّمَامَ، حَتَّى إِنَّ رَأْسَهَا لَيُصِيبُ مَوْرِكَ رَحْلِهِ وَيَقُولُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى هكذا وأشار بباطن كفه إلى السماء: “أَيُّهَا النَّاسُ السَّكِينَةَ السَّكِينَةَ”.
كُلَّمَا أَتَى حَبْلًا (1) مِنْ الْحِبَالِ أَرْخَى لَهَا قَلِيلًا حَتَّى تَصْعَدَ (2).

‌‌الجمع بين الصلاتين في المزدلفة والبيات بها
حَتَّى أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ فَصَلَّى بِهَا، فجمع الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ، بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَينِ، وَلَم يُسَبِّحْ (3) بَينَهُمَا شَيئًا، ثُمَّ اضْطَجَعَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ (4) وَصَلَّى الْفَجْرَ حِينَ تَبَيَّنَ لَهُ الفجر، بِأَذَانٍ وإقَامَةٍ.

‌‌الوقوف على المشعر الحرام
ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ حَتَّى أَتَى الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ (5) فرقى عليه، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فَدَعَاهُ- وفي لفظ: فحمد الله- وَكَبَّرَهُ وَهَلَّلَهُ وَوَحَّدَهُ.

فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفُ حَتَّى أَسْفَرَ جِدًّا، وقال: “وقفت ها هنا، والمزدلفة كلها موقف”.

‌‌الدفع من المزدلفة لرمي الجمرة
فَدَفَعَ من جمع قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وعليه السكينة (1)، وَأَرْدَفَ الْفَضْلَ بن عَبَّاسٍ، وَكَانَ رَجُلًا حَسَنَ الشَّعْرِ أَبْيَضَ وَسِيمًا، فَلَمَّا دَفَعَ رَسُولُ الله- صلى الله عليه وسلم مَرَّتْ بِهِ ظُعُنٌ يَجْرِينَ، فَطَفِقَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهِنَّ، فَوَضَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَدَهُ عَلَى وَجْهِ الفضل، فَحَوَّلَ الْفَضْلُ وَجْهَهُ إلى الشِّقِّ الْآخَرِ، يَنْظُرُ فَحَوَّلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَدَهُ مِنْ الشِّقِّ الْآخَرِ عَلَى وَجْهِ الْفَضْلِ، يَصْرِفُ وَجْهَهُ مِنْ الشِّقِّ الْآخَرِ يَنْظُرُ.
حَتَّى أَتَى بَطْنَ مُحَسِّرٍ (2) فَحَرَّكَ قَلِيلًا (3)، وقال: “عليكم السكينة”.

‌‌رمي الجمرة الكبرى
ثُمَّ سَلَكَ الطَّرِيقَ الْوُسْطَى الَّتِي تَخْرُجُ عَلَى الْجَمْرَةِ الْكُبْرَى، حَتَّى أَتَى الْجَمْرَةَ الَّتِي عِنْدَ الشَّجَرَةِ، فَرَمَاهَا ضحى، يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ مِنْهَا، مِثْلِ حَصَى الْخَذْفِ، رَمَى مِنْ بَطْنِ الْوَادِي وهو على راحلته، يقول: “لتأخذوا مناسككم، فإني لا أدري لعلِّي لا أحج بعد حجتي هذه” (4). قال: ورمى بعد يوم النحر في سائر أيام التشريق (1)، إذا زالت الشمس، ولقيه سُراقة وهو يرمي جمرة العقبة، فقال: يا رسول الله ألنا هذه خاصة؟ قال: “لا، بل لأبد”.

‌‌النحر والحلق
ثُمَّ انْصَرَفَ إلى الْمَنْحَرِ فَنَحَرَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بِيَدِهِ، ثُمَّ أَعْطَى عَلِيًّا فَنَحَرَ مَا غَبَرَ – يقول: ما بقى- وَأَشْرَكَهُ في هَدْيِهِ، ثُمَّ أَمَرَ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ بِبَضْعَةٍ، فَجُعِلَتْ في قِدْرٍ فَطُبِخَتْ فَأَكَلَا مِنْ لَحْمِهَا، وَشَرِبَا مِنْ مَرَقِهَا.- وفي رواية: قال: نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نسائه بقرة، وفي أخرى قال: فنحرنا البعير عن سبعة، والبقرة عن سبعة، وفي رواية: فاشتركنا في الجزور سبعة، فقال له رجل: أرأيت البقرة أيشترك؟ فقال: “ما هي إلا من البدن”، وفي رواية: قال جابر: كنا لا نأكل من البدن إلا ثلاث منى، فأرخص لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: “كلوا وتزودوا”، قال: فأكلنا وتزودنا حتى بلغنا بها المدينة (2).

‌‌رفع الحرج عمن قدم شيئًا من المناسك أو أخر يوم النحر
وفي رواية: نَحَرَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فَحَلَقَ وَجَلَسَ بمنى يوم النحر لِلنَّاسِ، فَمَا سُئِلَ يومئذ عَنْ شَيءٍ قدم قبل شيء إِلَّا قَالَ: “لَا حَرَجَ، لَا حَرَجَ” حَتَّى جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: حَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَنْحَرَ؟ قَالَ: “لَا حَرَجَ”.
ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَقَالَ: حَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ؟ قَالَ: “لَا حَرَجَ”.
ثم جاء آخر فقال: طفت قبل أن أرمي؟ قال: “لا حرج”.
وقال آخر: طفت قبل أن أذبح؟ قال: “اذبح لا حرج”.

ثم جاءه آخر فقال: إني نحرت قبل أن أرمي؟ قال: “ارم لا حرج”.
ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: “قد نحرت ها هنا، وَمِنًى كُلُّهَا مَنْحَرٌ، وَكُلُّ فِجَاجِ مَكَّةَ طَرِيقٌ وَمَنْحَرٌ، فانحروا من رحالكم”.

‌‌خطبة النحر
وقال جَابِر رضي الله عنه: خَطَبَنَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَوْمَ النَّحْرِ، فَقَالَ: “أَيُّ يوم أَعْظَمُ حُرْمَةً؟ ” فَقَالُوا: يَوْمُنَا هَذَا، قَالَ: “فَأَيُّ شَهْرٍ أَعْظَمُ حُرمَةً؟ “، قَالُوا: شَهْرُنَا هَذَا، قَالَ: “أَيُّ بَلَدٍ أَعْظَمُ حُرْمَةً؟ “، قَالُوا: بَلَدُنَا هَذَا، قَالَ: “فَإنَّ دمَاءَكُم وَأَمْوَالَكم عَلَيْكُم حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا في بَلَدِكُمْ هَذَا في شَهْرِكُمْ هَذَا، هَلْ بَلَّغْتُ؟ ” قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: “اللهُمَّ اشْهَدْ”.

‌‌الإفاضة لطواف الصدر
ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فَأَفَاضَ إِلَى الْبَيْتِ فطافوا (1)، ولم يطوفوا بين الصفا والمروة (2)، فَصَلَّى بِمَكَّةَ الظُّهْرَ.
فَأَتَى بني عبد الْمُطلِبِ يَسْقُونَ عَلَى زَمْزَمَ، فَقَالَ: “انْزِعُوا بني عبد الْمُطَّلِبِ، فَلَوْلَا أَنْ يَغْلِبَكُمْ النَّاسُ عَلَى سِقَايَتِكُمْ لَنَزَعْتُ مَعَكُمْ”، فَنَاوَلُوهُ دَلْوًا فَشَرِبَ مِنْهُ.

‌‌تمام قصة عائشة رضي الله عنها –
وقال جابر رضي الله عنه وإن عائشة حاضت فنسكت المناسك كلها غير أنها لم تطف بالبيت.
قال: حتى إذا طهرت طافت بالكعبة، والصفا والمروة، ثم قال: “قد حللت من حجك وعمرتك جميعًا”. قالت: يا رسول الله أتنطلقون بحج وعمرة وانطلق بحج؟ قال: “إن لك مثل ما لهم”.
فقالت: إني أجد في نفسي أني لم أطف بالبيت حتى حججت.
قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً سهلاً إذا هويت الشيء تابعها عليه (1).
قال: “فاذهب بها يا عبد الرحمن فأعمرها من التنعيم”، فاعتمرت بعد الحج، ثم أقبلت، وذلك ليلة الحَصْبة (2).
وقال جابر: طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبيت في حجة الوداع على راحلته يستلم الحِجْر بمحجنه؛ لأن يراه الناس، وليشرف، وليسألوه، فإن الناس غَشَوْه.
وقال: رفعت امرأة صبيًا لها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله ألهذا حج؟ قال: “نعم، ولك أجر”

عَنْ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْيَهُودِ قَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، آيَةٌ في كِتَابِكُمْ تَقْرَءُونَهَا لَوْ نزلت عَلَيْنَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ لَاتَّخَذْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ عِيدًا، قَالَ: أَيُّ آيَةٍ؟ قَالَ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}. قَالَ عُمَرُ: قَدْ عَرَفْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ وَالْمَكَانَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ قَائِمٌ بِعَرَفَةَ يَوْمَ الجُمُعَة

عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ بِخَزَائِنِ الْأَرْضِ، فَوُضِعَ فِي كَفِّي سِوَارَانِ مِنْ ذَهَبٍ، فَكَبُرَا عَلَيَّ، فَأَوْحَى الله إِلَيَّ أَنْ انْفُخْهُمَا، فَنَفَخْتُهُمَا، فَذَهَبَا، فَأَوَّلْتُهُمَا الْكَذَّابَيْنِ اللَّذَيْنِ أَنَا بَيْنَهُمَا صَاحِبَ صنْعَاءَ وَصَاحِبَ الْيَمَامَةِ (2).
وفي “البخاري” عن أبي هريرة أيضًا: أحدهما العنْسي والآخر مسيلمة

قدم صُرَد بن عبد الله الأزدي في بضعة عشر رجلاً من قومه، وفدًا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلوا على فروة بن عمرو فحيَّاهم وأكرمهم، وأقاموا عنده عشرة أيام، وكان صُرَد أفضلهم، فأمَّره رسول الله صلى الله عليه وسلم على من أسلم من قومه، وأمره أن يجاهد بهم من يليه من أهل الشرك من قبائل اليمن، فقاتل بهم أهل جُرَش، فهزمهم

قدم عمر بن معد يكرب الزبيدي في عشرة نفر من زبيد المدينة، فقال: من سيِّد أهل هذه البحرة من بني عمرو بن عامر؟ فقيل له: سعد بن عبادة، فأقبل يقول راحلته حتى أناخ ببابه، فخرج إليه سعد فرحَّب به، وأمر رحله فُحُطَّ وأكرمه وحباه، ثم راح به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم هو ومن معه، وأقام أيامًا، ثم أجازه رسول الله صلى الله عليه وسلم بجائزة وانصرف إلى بلاده، وأقام مع قومه على الإسلام فلما تُوفِّي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ارتدَّ، ثم رجع إلى الإسلام، وأبلى يوم القادسية وغيرها

وقدم فروة بن مُسَيك المرادي على رسول الله صلى الله عليه وسلم مفارقًا لملوك كندة، ومباعدًا لهم، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
واستعمله النبي صلى الله عليه وسلم على مُراد، وزبيد، ومذحج كلها، وبعث معه خالد بن سعيد بن العاص على الصدقة، فكان معه في بلاده حتى تُوفِّي رسول الله صلى الله عليه وسلم

قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم الجارود بن عمرو بن حَنَش أخو عبد القيس، وكان نصرانيًا، فلما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كلَّمه فعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام، ودعاه إليه، ورغبه فيه، فخرج من عنده الجارود راجعًا إلى قومه، وكان حسن الإسلام، صُلبًا في دينه حتى هلك

قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد بني حنيفة، فيهم مسيلمة بن حبيب الحنفي الكذاب، فكان منزلتهم في دار بنت الحارث امرأة من الأنصار من بني النجار، فأتت به بنو حنيفة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تستره بالثياب، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في أصحابه، معه عسيب من سَعَف النخل (3)، في رأسه خوصات، فلما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يسترونه بالثياب، كلمة وسأله، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو سألتني هذا العسيب ما أعطيتكه

 وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَدِمَ مُسَيلِمَةُ الْكَذَّابُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَجَعَلَ يَقُولُ إِنْ جَعَلَ لِي مُحَمَّدٌ الْأَمْرَ مِنْ بَعْدِهِ تَبِعْتُهُ وَقَدِمَهَا في بَشَرٍ كَثِيرٍ مِنْ قَوْمِهِ، فَأَقْبَلَ إِلَيْهِ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وَمَعَهُ ثَابِتُ بن قَيْسِ بن شَمَّاسٍ، وَفِي يَدِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم قِطْعَةُ جَرِيدٍ حَتَّى وَقَفَ عَلَى مُسَيْلِمَةَ في أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: “لَوْ سَأَلْتَنِي هَذِهِ الْقِطْعَةَ مَا أَعْطَيْتُكَهَا، وَلَنْ تَعْدُوَ أَمْرَ الله فِيكَ، وَلَئِنْ أَدْبَرْتَ لَيَعْقِرَنَّكَ الله، وَإِنِّي لَأَرَاكَ الَّذِي أُرِيتُ فِيهِ مَا رَأَيْتُ، وَهَذَا ثَابِتٌ يُجِيبُكَ عَنِّي ثُمَّ انْصَرَفَ عَنْهُ”.

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قدم عامر بن الطفيل وأَرْبَد على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رجل من أصحابه: يا رسول الله هذا عامر بن الطفيل قد أقبل نحوك، فقال: “دعه فإن يرد الله به خيرا يهده”، فأقبل حتى قام عليه، فقال: يا محمد مالي إن أسلمت؟ قال: “لك ما للمسلمين وعليك ما عليهم”، قال: تجعل لي الأمر من بعدك؟ قال: “لا ليس ذلك إلى إنما ذلك إلى الله يجعله حيث يشاء”، قال: فتجعلني على الوبر وأنت على المدر؟، قال: “لا”، قال: فماذا تجعل لي؟ قال: “أجعل لك أَعنَّة الخيل تغزو عليها”، قال: أو ليس ذلك إلى اليوم؟ وكان أوصى إلى أَرْبَد بن ربيعة إذا رأيتني أكلمه فدر من خلفه واضربه بالسيف، فجعل يخاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم ويراجعه، فدار أَرْبَد خلف النبي صلى الله عليه وسلم ليضربه، فاخترط من سيفه شبرًا ثم حبسه الله تعالى فلم يقدر على سلَّه، وجعل عامر يومئ إليه، فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى أربد وما يصنع بسيفه، فقال: “اللهم اكفنيهما بما شئت”، فأرسل الله تعالى على أَرْبَد صاعقة في يوم صائف صاح فأحرقته، وولى عامر هاربًا وقال: يا محمد دعوت ربك فقتل أربد، والله لأملأنها عليك خيلا جردًا وفتيانًا مردًا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يمنعك الله تعالى من ذلك وابنا قيلة” – يريد الأوس والخزرج – فنزل عامر بيت امرأة سلولية، فلما أصبح ضمّ عليه سلاحه، فخرج وهو يقول: واللات والعزى لئن أصحر محمَّد إليّ وصاحبه – يعني ملك الموت – لأنفذنّهما برمحي، فلما رأى تعالى ذلك منه أرسل ملكًا فلطمه بجناحيه فأذراه في التراب، وخرجت على ركبته غدة في الوقت عظيمة كغدة البعير، فعاد إلى بيت السلولية وهو يقول: غدّة كغدة البعير وموت في بيت السلولية، ثم مات على ظهر فرسه، وأنزل الله تعالى فيه هذه القصة: {سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ} حتى بلغ {وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ}

وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد طيئ فيهم زيد الخيل، وهو سيدهم، فلما انتهوا إليه كلَّموه وعرض عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام، فأسلموا، فحسن إسلامهم، وسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد الخير

في سنة عشر قدم وبر بن يُحَنّس على الأبناء من عند النبي صلى الله عليه وسلم، فنزل على بنات النعمان بن بُزْرَج، فأسلمن، وبعث إلى فيروز الديلمي، فأسلم، وإلى مركبود، فأسلم

كان باذان ملك اليمن في زمانه، وأسلم (باذان) لما هلك كسرى، وبعث بإسلامه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فاشتغله على بلاده

قدم وقد كِنْدة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلموا (3)، وعَن الْأَشْعَثِ بن قَيْسٍ رضي الله عنه قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم فِي وَفْدِ كِنْدَةَ، وَلَا يَرَوْنِي إِلَّا أَفْضَلَهُمْ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله أَلَسْتُمْ مِنَّا؟ فَقَالَ: نَحْنُ بنو النَّضْرِ بن كِنَانَةَ، لَا نَقْفُو أُمَّنَا، وَلَا نَنْتَفِي مِنْ أَبِينَا، قَالَ فَكَانَ الْأَشْعَثُ بن قَيْسٍ، يَقُولُ: لَا أُتِي بِرَجُلٍ نَفَى رَجُلًا مِنْ قُرَيْشٍ، ومِنْ النَّضْرِ بن كِنَانَةَ إِلَّا جَلَدْتُهُ الْحَدَّ

قدم وفد محارب على رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة عشر في حجة الوداع، وهم عشرة نفر، منهم سواء بن الحارث، وابنه: خزيمة بن سواء، فنزلوا دار رملة بنت الحارث، وكان بلال يأتيهم بغداء وعشاء، فأسلموا، وقالوا: نحن على من وراءنا. وأجازهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يجيز الوفد، وانصرفوا إلى أهلهم

ونزول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}وكانوا لا يفعلونه قبل ذلك

إبراهيم ابن سيد البشر محمد صلى الله عليه وسلم بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم، أمُّه مارية القبطية، ولدته في ذي الحجة سنة ثمان، قال مصعب الزبيري: ومات سنة عشر، جزم به الواقدي، وقال يوم الثلاثاء لعشر خلون من شهر ربيع الأول.

عن الْمُغِيرَةِ بن شُعْبَةَ رضي الله عنه قال: كَسَفَتْ الشَّمْسُ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يَوْمَ مَاتَ إِبْرَاهِيمُ، فَقَالَ النَّاسُ: انْكَسَفَتْ لِمَوْتِ إبْرَاهِيمَ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: “إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيتَانِ مِنْ آيَاتِ الله لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا، فَادْعُوا الله وَصَلُّوا حَتَّى يَنْجَلِيَ” (3).
وعَنْ جَابِرِ بن عبد الله رضي الله عنهما قَالَ: كَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم في يَوْمٍ شَدِيدِ الْحَرِّ فَصَلَّى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فَأَطَالَ الْقِيَامَ حَتَّى جَعَلُوا يَخِرُّونَ، ثُمَّ رَكَعَ فَأطَالَ، ثُمَّ رَفَعَ فَأَطَالَ، ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ، ثُمَّ رَفَعَ فَأطَالَ، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ قَامَ فَصَنَعَ نَحْوًا مِنْ ذَلكَ، فَكَانَتْ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ، ثُمَّ قَالَ: “إِنَّهُ عُرِضَ عَلَىَّ كُلُّ شَيْءٍ تُولَجُونَهُ فَعُرِضَتْ عَلَيَّ الْجَنَّةُ حَتَّى لَوْ تَنَاوَلْتُ مِنْهَا قِطْفًا أَخَذْتُهُ – أوْ قَالَ: تَنَاوَلْتُ مِنْهَما قِطْفًا – فَقَصُرَتْ يَدِي عَنْهُ، وَعُرِضَتْ عَلَىَّ النَّارُ،فَرَأَيْتُ فِيهَا امْرَأَةً مِنْ بني إِسْرَائِيلَ تُعَذَّبُ في هِرَّةٍ لَهَا رَبَطَتْهَا، فَلَمْ تُطْعِمْهَا، وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ (1)، وَرَأَيْتُ أَبَا ثُمَامَةَ عَمْرَو بن مَالِكٍ يَجُرُّ قُصْبَهُ (2) في النَّارِ”.
وفي رواية: “وَرَأَيْتُ في النَّارِ امْرَأَةً حِمْيَرِيَّةً سَوْداءَ طَوِيلَةً” وَلَمْ يَقُلْ مِنْ بني إِسْرَائِيلَ.
وفي رواية: أن النبي صلى الله عليه وسلم انْصَرَفَ حِينَ انْصَرَفَ – من الصلاة – وَقَدْ آضَتْ الشَّمْسُ (3)، فَقَالَ: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ آيتَانِ مِنْ آيَاتِ الله لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ شَيئًا مِنْ ذَلِكَ فَصَلُّوا حَتَّى تَنْجَلِيَ، مَا مِنْ شَيءٍ تُوعَدُونَهُ إِلَّا قَدْ رَأَيْتُهُ في صَلَاتِي هَذِهِ، لَقَدْ جِيءَ بِالنَّارِ حِينَ رَأَيْتُمُونِي تَأَخَّرْتُ، مَخَافَةَ أَنْ يُصِيبَنِي مِنْ لَفْحِهَا، وَحَتَّى رَأَيْتُ فِيهَا صَاحِبَ الْمِحْجَن يَجُرُّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ كَانَ يَسْرِقُ الْحَاجَّ بِمِحْجَنِهِ (4)، فَإنْ فُطِنَ لَهُ قَالَ: إِنَّمَا تَعَلَّقَ بمِحْجَنِي، وَإِنْ غُفِلَ عَنْهُ ذَهَبَ بِهِ، وَحَتَّى رَأَيْتُ فِيهَا صَاحِبَةَ الْهِرَّةِ، الَّتِي رَبَطَتْهَا فَلَمْ تُطْعِمْهَا وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ حَتَّى مَاتَتْ جُوعًا، ثُمَّ جِيءَ بِالْجَنَّةِ، وَذَلِكُمْ حِينَ رَأَيْتُمُونِي تَقَدَّمْتُ حَتَّى قُمْتُ في مَقَامِي، وَلَقَدْ مَدَدْتُ يَدِي وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَتَنَاوَلَ مِنْ ثَمَرِهَا لِتَنْظُرُوا إِلَيْهِ ثُمَّ بَدَا لِي أَنْ لَا أَفْعَلَ، فَمَا مِنْ شَيءٍ تُوعَدُونَهُ إِلَّا قَدْ رَأَيْتُهُ في صَلَاتِي هَذِهِ” (5).
وعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: انْصَرَفَ رَسُولُ الله – من الصلاة – وَقَدْ تَجَلَّتْ الشَّمْسُ، فَخَطَبَ النَّاسَ، فَحَمِدَ الله وَأَثْنَى عَلَيهِ، ثُمَّ قَالَ: “إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ مِنْ آيَاتِ الله، وَإِنَّهُمَا لَا يَنْخَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَكَبِّرُوا وَادْعُوا الله وَصَلُّوا وَتَصَدَّقُوا، يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ إِنْ مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرَ مِنْ الله أَنْ يَزْنِيَ عَبْدُهُ أَوْ تَزْنِيَ أَمَتُهُ، يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ وَاللهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَبَكَيتُمْ كَثِيرًا وَلَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً، أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ” (1).
وفي رواية: عَنْ عَائِشَةَ أيضًا أن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: “وَلَقَدْ رَأَيْتُ جَهَنَّمَ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا حِينَ رَأَيْتُمُونِي تَأَخَّرْتُ وَرَأيتُ فِيهَا ابْنَ لُحَيٍّ، وَهُوَ الَّذِي سَيَّبَ السَّوَائِبَ” (2).
وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أن الصحابة قَالُوا: يَا رَسُولَ الله رَأَيْنَاكَ تَنَاوَلْتَ شَيْئًا في مَقَامِكَ هَذَا ثُمَّ رَأَيْنَاكَ كَفَفْتَ (3)، فَقَالَ: “إِنِّي رَأَيْتُ الْجَنَّةَ فَتَنَاوَلْتُ مِنْهَا عُنْقُودًا، وَلَوْ أَخَذْتُهُ لأَكَلْتُمْ مِنْهُ مَا بَقِيَتْ الدُّنْيَا، وَرَأَيْتُ النَّارَ فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ مَنْظَرًا قَطُّ، وَرَأَيْتُ أَكثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ”، قَالُوا: بِمَ يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ: “بِكُفْرِهِنَّ”، قِيلَ: أَيَكْفُرْنَ بِاللهِ؟ قَالَ: “بِكُفْرِ الْعَشِيرِ، وَبكُفْرِ الإِحْسَانِ، لَوْ أَحْسَنْتَ إلى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا، قَالَتْ: مَا رَأيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ

وبعث فروة بن عمرو الجذامي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رسولاً بإسلامه، وأهدى له بغلة بيضاء وكان فروة عاملاً للروم على من يليهم من العرب، فلما بلغ الروم ذلك من إسلامه، غلبوه حتى أخذوه فحبسوه عندهم، ثم أخذوه فصلبوه على ماء يقال له: عفرى بفلسطين، ثم ضربوا عنقه وصلبوه على ذلك الماء.

قدم خمسة عشر رجلاً من الرهاويين، وهم حيٌّ من مذحج، على رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة عشر، فنزلوا دار رملة بنت الحارث، فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فتحدث عندهم طويلاً، وأهدوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم هدايا منها فرس يقال له: المرواح وأمر به فشوّر بين يديه فأعجبه، فأسلموا وتعلَّموا القرآن والفرائض، وأجازهم كما يُجيز الوفد

وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من بني عَنْس يقال له: ربيعة، وذكر له قصة مع النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه مات بعد انصرافه من عند النبي صلى الله عليه وسلم وهو في طريقه إلى أهله

قدموا في بضعة عشر راكبًا فصادفوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب على المنبر، فجلسوا ولم يسلموا، فقال: “أمسلمون أنتم؟ “، قالوا: نعم، قال: “فهلَّا سلمتم”، فقاموا، فقالوا: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، فقال: “وعليكم السلام، اجلسوا”، فجلسوا، وسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أوقات الصلوات

عَنْ مُعَاذِ بن جَبَلٍ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا بَعَثَهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى الْيَمَنِ خَرَجَ مَعَهُ يُوصِيهِ، وَمُعَاذٌ رَاكِبٌ وَرَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَمْشِي تَحْتَ رَاحِلَتِهِ، فَلَمَّا فَرَغَ، قَالَ: “يَا مُعَاذُ إِنَّكَ عَسَى أَنْ لَا تَلْقَانِي بَعْدَ عَامِي هَذَا، وْلَعَلَّكَ أَنْ تَمُرَّ بِمَسْجِدِي هَذَا وْقَبْرِي”، فَبَكَى مُعَاذٌ جَشَعًا لِفِرَاقِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ الْتَفَتَ رسول الله صلى الله عليه وسلم فَأَقْبَلَ بِوَجْهِهِ إلى الْمَدِينَةِ، فَقَالَ: “إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِي الْمُتَّقُونَ مَنْ كَانُوا وَحَيْثُ كَانُوا” (1).
وعَنْ أبي بُرْدَةَ قَالَ بَعَثَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أَبَا مُوسَى وَمُعَاذَ بن جَبَل إلى الْيَمَنِ قَالَ وَبَعَثَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى مِخْلَافٍ (2)، قَالَ وَالْيَمَنُ مِخْلَافَانِ ثمَّ قَالَ يَسِّرَا وَلَا تُعَسِّرَا وَبَشِّرَا وَلَا تُنَفِّرَا فَانْطَلَقَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلى عَمَلِهِ وَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِذَا سَارَ في أَرْضِهِ كَانَ قَرِيبًا مِنْ صَاحِبِهِ أَحْدَثَ بِهِ عَهْدًا فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَسَارَ مُعَاذٌ في أَرْضِهِ قَرِيبًا مِنْ صَاحِبِهِ أبي مُوسَى فَجَاءَ يَسِيرُ عَلَى بَغْلَتِهِ حَتَّى انْتَهَى إِلَيْهِ وَإِذَا هُوَ جَالِسٌ وَقَدْ اجْتَمَعَ إِلَيْهِ النَّاسُ وَإِذَا رَجُلٌ عِنْدَهُ قَدْ جُمِعَتْ يَدَاهُ إِلَى عُنُقِهِ فَقَالَ لَهُ مُعَاذٌ يَا عبد الله بن قَيْسٍ أَيُّمَ هَذَا قَالَ هَذَا رَجُلٌ كَفَرَ بَعْدَ إِسْلَامِهِ قَالَ لَا أَنْزِلُ حَتَّىِ يُقْتَلَ قَالَ إِنَّمَا جِيءَ بِهِ لِذَلِكَ فَانْزِلْ قَالَ مَا أَنْزِلُ حَتَّى يُقْتَلَ فَأَمَرَ بهِ فَقُتِلَ ثُمَّ نزَلَ فَقَالَ يَا عبد الله كَيْفَ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ قَالَ أَتَفَوَّقُهُ تَفَوُّقًا (3)، قَالَ فَكَيْفُ تَقْرَأُ أنْتَ يَا مُعَاذُ قَالَ أَنَامُ أَوَّلَ اللَّيْلِ فَأقُومُ وَقَدْ قَضَيْتُ جُزْئِي مِنْ النَّوْمِ فَأَقْرَأُ مَا كَتَبَ الله لِي فَأَحْتَسِبُ نَوْمَتِي كَمَا أَحْتَسِبُ قَوْمَتِي (4).
وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم لِمُعَاذِ بن جَبَلٍ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ إِنَّكَ سَتَأْتِي قَوْمًا أَهْلَ كِتَابٍ فَإِذَا جِئْتَهُمْ فَادْعُهُمْ إلى أَنْ يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ الله قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَأَخْبِرهُم أَنَّ الله قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِم صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِم فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الله حِجَابٌ (1).
وعَنْ أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَهُ إلى الْيَمَنِ فَسَأَلَهُ عَنْ أَشْرِبَةٍ تُصْنَعُ بِهَا، فَقَالَ: وَمَا هِيَ؟ قَالَ: الْبِتْعُ وَالْمِزْرُ، فَقَالَ كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ.
الْبِتْعُ: نَبِيذُ الْعَسَلِ، وَالْمِزْرُ: نَبِيذُ الشَّعِيرِ

عَنْ رِعْيَةَ السُّحَيْمِيّ، قَالَ: كَتَبَ إِلَيهِ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فِي أَدِيمٍ أَحْمَرَ، فَأَخَذَ كِتَابَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَرَقَعَ بِهِ دَلْوَهُ، فَبَعَثَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم سَرِيَّةً، فَلَمْ يَدَعُوا لَهُ رَائِحَةً وَلَا سَارِحَةً وَلَا أَهْلًا وَلَا مَالًا إِلَّا أَخَذُوهُ، وَانْفَلَتَ عُرْيَانًا عَلَى فَرَسٍ لَهُ لَيْسَ عَلَيْهِ قِشْرَةٌ حَتَّى يَنْتَهِيَ إلى ابْنَتِهِ، وَهِيَ مُتَزَوِّجَةٌ في بني هِلَالٍ، وَقَدْ أَسْلَمَتْ وَأَسْلَمَ أَهْلُهَا، وَكَانَ مَجْلِسُ الْقَوْمِ بِفِنَاءِ بَيْتِهَا فَدَارَ حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهَا مِنْ وَرَاءِ الْبَيْتِ، قَالَ: فَلَمَّا رَأَتْهُ أَلْقَتْ عَلَيْهِ ثَوْبًا، قَالَتْ: مَا لَكَ، قَالَ: كُلُّ الشَّرِّ نَزَلَ بِأَبِيكِ مَا تُرِكَ لَهُ رَائِحَةٌ وَلَا سَارِحَةٌ وَلَا أَهْلٌ وَلَا مَالٌ إِلَّا وَقَدْ أُخِذَ، قَالَتْ: دُعِيتَ إلى الْإِسْلَامِ، قَالَ: أَيْنَ بَعْلُكِ؟ قَالَتْ: في الْإِبِلِ، قَالَ: فَأَتَاهُ، فَقَالَ: مَا لَكَ، قَالَ: كُلُّ الشَّرِّ قَدْ نَزَلَ بِهِ مَا تُرِكَتْ لَهُ رَائِحَةٌ وَلَا سَارِحَةٌ وَلَا أَهْلٌ وَلَا مَالٌ إِلَّا وَقَدْ أُخِذَ وَأَنَا أُرِيدُ مُحَمَّدًا أُبَادِرُهُ قَبْلَ أَنْ يُقَسِّمَ أَهْلِي وَمَالِي، قَالَ: فَخُذْ رَاحِلَتِي بِرَحْلِهَا، قَالَ: لَا حَاجَةَ لِي فِيهَا، قَالَ: فَأَخَذَ قَعُودَ الرَّاعِي وَزَوَّدَهُ إِدَاوَةً مِنْ مَاءٍ، قَالَ: وَعَلَيْهِ ثَوْبٌ إِذَا غَطَّى بِهِ وَجْهَهُ خَرَجَتْ اسْتُهُ وَإِذَا غَطَّى اسْتَهُ خَرَجَ وَجْهُهُ وَهُوَ يَكْرَهُ أَنْ يُعْرَفَ حَتَّى انْتَهَى إلى الْمَدِينَةِ، فَعَقَلَ رَاحِلَتَهُ، ثُمَّ أَتَى رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم فَكَانَ بِحِذَائِهِ حَيْثُ يُصَلِّي، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم الْفَجْرَ، قَالَ: يَا رَسُولَ الله ابْسُطْ يَدَيْكَ فَلْأُبَايِعْكَ، فَبَسَطَهَا، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَضْرِبَ عَلَيْهَا قَبَضَهَا إِلَيْهِ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، قَالَ: فَفَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ذَلِكَ ثَلَاثًا قَبَضَهَا إِلَيهِ وَيَفْعَلُهُ، فَلَمَّا كَانَتْ الثَّالِثَةُ، قَالَ: “مَنْ أَنْتَ؟ “، قَالَ: رِعْيَةُ السُّحَيْمِيُّ، قَالَ: فَتَنَاوَلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَضُدَهُ، ثُمَّ رَفَعَهُ، ثُمَّ قَالَ: “يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ هَذَا رِعْيَةُ السُّحَيْمِيُّ الَّذِي كَتَبْتُ إِلَيهِ فَأَخَذَ كتَابي فَرَقَعَ بِهِ دَلْوَهُ فَأَخَذَ يَتَضَرَّعُ إِلَيهِ”، قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله أَهْلِي وَمَالِي، قَالَ: “أَمَّا مَالُكَ، فَقَدْ قُسِّمَ، وَأَمَّا أَهْلُكَ، فَمَنْ قَدَرْتَ عَلَيْهِ مِنْهُمْ”،فَخَرَجَ، فَإِذَا ابْنُهُ قَدْ عَرَفَ الرَّاحِلَةَ وَهُوَ قَائِمٌ عِنْدَهَا، فَرَجَعَ إلى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: هَذَا ابْنِي، فَقَالَ: يَا بِلَالُ اخْرُجْ مَعَهُ فَسَلْهُ أَبُوكَ هَذَا، فَإِنْ قَالَ: نَعَمْ، فَادْفَعْهُ إِلَيْهِ، فَخَرَجَ بِلَالٌ إِلَيْهِ، فَقَالَ: أَبُوكَ هَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ، فَرَجَعَ إلى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله مَا رَأَيْتُ أَحَدًا اسْتَعْبَرَ إلى صَاحِبِهِ (1)، فَقَالَ: “ذَاكَ جَفَاءُ الْأَعْرَابِ”

وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم، نفر من قُشير، فيهم ثور بن عروة بن عبد الله بن قُشير، فأسلم، فأقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم قطيعة وكتب له بها كتابًا، ومنهم: حيدة بن معاوية بن قُشير، وذلك قبل حجة الوداع وبعد حُنين، ومنهم: قُرَّة بن هبيرة بن سلمة الخير بن قُشير، فأسلم، فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكساه بُردًا، وأمره أن يتصدّق على قومه – أي: يلي الصدقة –