أحداث مبشرة برسالة محمد صلى الله عليه وسلم
عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أنه مر به رجل فسأله قال: (كنت كاهنهم في الجاهلية. قال: فما أعجب ما جاءتك به جنيتك، قال: بينما أنا يومًا في سوق جاءتني أعرف فيها الفزع، قالت: ألم تر الجن وإبلاسها ويأسها من بعد إنكاسها ولحوقها بالقلاص وأحلاسها. قال عمر: صدق، بينما أنا نائم عند آلهتهم إذ جاء رجل بعجل فذبحه فصرخ منه صارخ لم أسمع صارخًا قط أشد صوتا منه، يقول: يا جليح أمر نجيح رجل فصيح، يقول: لا إله إلا الله، فوثب القوم، قلت: لا أبرح حتى أعلم ما وراء هذا، ثم نادى كذلك الثانية والثالثة فما قمت فما نشبنا أن قيل هذا نبي).
قال الله تعالى فيما أخبر عن الجن: {وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا (8) وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا}
روى أبو نعيم بسنده عن أبي هريرة قال: قال خريم بن فاتك لعمر بن الخطاب ألا أخبرك ببدء إسلامي؟ بينا أنا في طلب نَعم لي إذ جن الليل بأبرق العزاف فناديت بأعلى صوتي: أعوذ بعزيز هذا الوادي من سفهائه، وإذا هاتف يهتف بي فقال:
عذ يا فتى بالله ذي الجلال … والمجد والنعماء والأفضال
واقرأ بآيات من الأنفال … ووحِّد الله ولا تبال
قال: فارتعت من ذلك روعا شديدا فلما رجعت إلى نفسي قلت:
يا أيها الهاتف ما تقول … أرشد عندك أم تضليل
بين لنا هديت ما العويل
فقال:
هذا رسول الله ذو الخيرات … يدعو إلى الخيرات والنجاة
يأمر بالصوم وبالصلاة … ويزع الناس عن الهنات
قال: فاتبعني راحلتي وقلت:
أرشدني رشدا بها هديتا … لا جعت يا هذا ولا عريتا
ولا صحبت صاحبا مقيتا … لا يثوين الخير إن ثويتا
قال: فاتبعني وهو يقول:
صاحبك الله وسلم نفسكا … وبلغ الأهل وسلم رحلكا
آمن به أفلح ربي حقكا … وانصر نبيًا عز ربي نصركا
قال: فدخلت المدينة فطلعت في المسجد، فخرج إلي أبو بكر فقال: ادخل رحمك الله فقد بلغنا إسلامك، فقلت: لا أحسن الطهور، فعُلِّمت، ودخلت المسجد، فإذا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – على المنبر كأنه البدر وهو يقول: “ما من مسلم توضأ فأحسن الوضوء ثم صلى صلاة يعقلها ويحفظها إلا دخل الجنة”. فقال عمر: لتأتيني على هذا بينة أو لأنكلن بك، قال: فشهد له شيوخ قريش عثمان بن عفان، فأجاز شهادته.
قال ابن إسحاق: وحدثني بعض أهل العلم أن امرأة من بني سهم، يقال لها الغيطلة كانت كاهنة في الجاهلية، فلما جاءها صاحبها في ليلة من الليالي فأنقض تحتها ثم قال: أدر ما أدر، يوم عقر ونحر، قالت قريش -حين بلغها ذلك-: ما يريد؟ ثم جاءها ليلة أخرى، فأنقض تحتها، ثم قال: شعوب ما شعوب، تصرع فيه كعب لجنوب، فلما بلغ ذلك قريشا قالوا: ماذا يريد؟ إن هذا لأمر هو كائن، فانظروا ما هو؟ فما عرفوه حتى كانت وقعة بدر وأحد بالشعب؛ فعرفوا أنه الذي كان جاء به إلى صاحبته.
قال ابن إسحاق: وحدثني علي بن نافع الجرشي، أن جنبًا، بطنا من اليمن، كان لهم كاهن في الجاهلية، فلما ذكر أمر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وانتشر في العرب قالت له جنب: انظر لنا في أمر هذا الرجل، واجتمعوا له في أسفل جبله، فنزل عليهم -حين طلعت الشمس- فوقف لهم قائمًا متكئًا على قوس له، فرفع رأسه إلى السماء طويلًا ثم جعل ينزو، ثم قال: أيها الناس، إن الله أكرم محمدًا واصطفاه، وطهر قلبه وحشاه، ومكثه فيكم أيها الناس قليل، ثم اشتد في جبله راجعًا من حيث جاء.
روى ابن سعد بسنده عن جبير بن مطعم قال: كنا جلوسا عند صنم ببوانة قبل أن ببعث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بشهر، فنحرنا جزورًا، فإذا صائح يصيح من جوف واحده: اسمعوا إلى العجب، ذهب استراق الوحي ونرمى بالشهب، لنبي بمكة اسمه أحمد، مهاجرة إلى يثرب. قال: فأمسكنا وعجبنا، وخرج رسول الله – صلى الله عليه وسلم -.
وروى ابن سعد بسنده عن جابر أو غيره قال: إن أول خبر جاء إلى المدينة عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أن امرأة من أهل المدينة كان لها تابع فجاء في صورة طائر حتى وقع على حائط دارهم، فقالت المرأة: انزل حدثنا ونحدثك وتخبرنا وتخبرك، قال: إنه قد بعث بمكة نبي حرم علينا الزنا ومنع منا القرار.
وروى بسنده عن عمرو الهذلي قال: حضرت مع رجال من قومي صنمنا سواع وقد سقنا إليه الذبائح، فكنت أول من قرب إليه بقرة سمينة فذبحتها على الصنم، فسمعنا صوتا من جوفها: العجب العجب كل العجب، خروج نبي بين الأخاشب يحرم الزنا، ويحرم الذبح للأصنام، وحرست السماء، ورمينا بالشهب فتفرقنا، وقدمنا مكة فسألنا فلم نجد أحدًا يخبرنا بخروج محمد – صلى الله عليه وسلم – حتى لقينا أبا بكر الصديق فقلنا: يا أبا بكر، خرج أحد بمكة يدعوا إلى الله يقال له أحمد؟ قال: وما ذاك؟ قال: فأخبرته الخبر، فقال: نعم هذا رسول الله، ثم دعانا إلى الإِسلام، فقلنا: حتى ننظر ما يصنع قومنا، ويا ليت أنا أسلمنا يومئذ، فأسلمنا بعده.
وروى بسنده عن الزهري قال: كان الوحي يستمع، وكان لامرأة من بني أسد تابع فأتاها يوما وهو يصيح: جاء أمر لا يطاق، أحمد حرم الزنا، فلما جاء الله بالإِسلام منعوا الاستماع
روى أبو نعيم بسنده عن عثمان بن عفان قال: خرجنا في عير إلى الشام قبل أن يبعث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فلما كنا بأفواه الشام وبها كاهنة فتعرضنا لها، فقال: أتاني صاحبي فوقف على بابي فقلت: ألا تدخل؟ فقال: لا سبيل إلى ذلك، خرج أحمد، وجاء أمر لا يطاق. ثم انصرفت فرجعت إلى مكة فوجدت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قد خرج بمكة يدعو إلى الله -عَزَّ وجَلَّ-.
وروى أبو نعيم عن طلحة رضي الله تعالى عنه قال: وجد في البيت حجر منقور في الهدمة الأولى، فدعي رجل فقرأه فإذا فيه: عبدي المنتخب المتوكل المنيب المختار، مولده بمكة ومهاجره طيبة، لا يذهب حتى يقيم السنة العوجاء ويشهد أن لا إله إلا الله، أمته الحمادون يحمدون الله بكل أكمة يأتزرون على أوساطهم ويطهرون أطرافهم.
(رؤيا عبد المطلب بن هاشم)
قال أبو نعيم: حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر، حدثنا محمد بن أحمد بن أبي يحيى، حدثنا سعيد بن عثمان، حدثنا قتيبة الخراساني، حدثنا خالد بن إلياس، عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي الجهم، عن أبيه عن جده. قال سمعت أبا طالب يحدث عن عبد المطلب قال: بينا أنا نائم في الحجر إذ رأيت رؤيا هالتني، ففزعت منها فزعًا شديدًا، فأتيت كاهنة قريش وعلى مطرف خز وُجمَّتي تضرب منكبي، فلما نظرت إليَّ عرفت في وجهي التغير، وأنا يومئذ سيد قومي فقالت: ما بال سيدنا قد أتانا متغير اللون؟ هل رابه من حدثان الدهر شيء؟ فقلت لها: بلى! وكان لا يكلمها أحد من الناس حتى يقبِّل يدها اليمنى، ثم يضع يده على أم رأسها ثم يذكر حاجته، ولم أفعل لأني [كنت] كبير قومي.
فجلست فقلت: إني رأيت الليلة وأنا نائم في الحجر كأن شجرة نبتت قد نال رأسها السماء وضربت بأغصانها المشرق والمغرب، وما رأيت نورًا أزهر منها أعظم من نور الشمس سبعين ضعفًا، ورأيت العرب والعجم ساجدين لها وهي تزداد كلَّ ساعة عظمًا ونورًا وارتفاعًا، ساعة تخفي وساعة تزهر، ورأيت رهطًا من قريش قد تعلقوا بأغصانها، ورأيت قوما من قريش يريدون قطعها، فإذا دنوا منها أخرَّهم شاب لم أر قط أحسن منه وجهًا ولا أطيب منه ريحًا، فيكسر أظهرهم ويقلع أعينهم. فرفعت يدي لأتناول منها نصيبًا، فمنعني الشاب، فقلت: لمن النصيب؟ فقال: النصيب لهؤلاء الذين تعلقوا بها وسبقوك إليها. فانتبهت مذعورا فزعا.
فرأيت وجه الكاهنة قد تغير، ثم قالت: لئن صدقت رؤياك ليخرجن من صلبك رجل يملك المشرق والمغرب ويدين له الناس. ثم قال -يعني عبد المطلب- لأبي طالب لعلك تكون هذا المولود.
قال: فكان أبو طالب يحدث بهذا الحديث بعد ما ولد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وبعد ما بعث. ثم قال كانت الشجرة والله أعلم أبا القاسم الأمين، فيقال لأبي طالب: ألا تؤمن؟ فيقول: السبة والعار!
*(رؤيا خالد بن سعيد بن العاص)
أخبرنا علي بن محمد عن سعيد بن خالد وغيره عن صالح بن كيسان أن خالد بن سعيد قال: (رأيت في المنام قبل مبعث النبي، – صلى الله عليه وسلم -، ظلمة غشيت مكة حتى ما أرى جبلا ولا سهلا، ثم رأيت نورًا يخرج من زمزم مثل ضوء المصباح كلما ارتفع عظم وسطع حتى ارتفع فأضاء لي أول ما أضاء البيت، ثم عظم الضوء حتى ما بقي من سهل ولا جبل إلا وأنا أراه، ثم سطع في السماء، ثم انحدر حتى أضاء لي نخل يثرب فيها البسر وسمعت قائلا يقول في الضوء: سبحانه تمت الكلمة وهلك ابن مارد بهضبة الحصى بين أذرح والأكمة، سعدت هذه الأمة، جاء نبي الأميين، وبلغ الكتاب أجله، كذبته هذه القرية، تعذب مرتين، تتوب في الثالثة، ثلاث بقيت، ثنتان بالمشرق وواحدة بالمغرب فقصها خالد ابن سعيد على أخيه عمرو بن سعيد فقال: لقد رأيت عجبا وإني لأرى هذا أمرًا يكون في بني عبد المطلب إذ رأيت النور خرج من زمزم.
*في ذكر منام رآه عمرو بن مرة يدل على رسول الله (صلى الله عليه وسلم)
عن عمرو بن مرة الجهني: أنه كان يحدث قال: خرجت حاجًا في جماعة من قومي في الجاهلية، فرأيت في المنام وأنا بمكة نورًا ساطعًا خرج من الكعبة حتى أضاء لي من الكعبة إلى جبل يثرب وأشعر جهينة، فسمعت صوتًا في النور وهو يقول: انقشعت الظلماء وسطع الضياء، وبعث خاتم الأنبياء، ثم أضاء إضاءة أخرى حتى نظرت إلى قصور الحيرة وأبيض المدائن، فسمعت صوتا في النور وهو يقول: ظهر الإسلام، وكسرت الأصنام، ووصلت الأرحام، فانتبهت فزعا، فقلت لقومي: والله ليحدثن في هذا الحي من قريش حدث وأخبرتهم بما رأيت، فلما انتهينا إلى بلادنا جاءنا الخبر أن رجلا يقال له: أحمد قد بعث. فخرجت حتى أتيته، فأخبرته بما رأيت فقال لي: “يا عمرو بن مرة، أنا النبي المرسل إلى العباد كافة، أدعوهم إلى الإِسلام وآمرهم بحقن الدماء وصلة الأرحام وعبادة الله، ورفض الأصنام، وحج البيت، وصيام شهر رمضان شهرا من اثني عشر شهرا، فمن أجاب دخل الجنة ومن عصى فله النار، فآمن بالله يا عمرو بن مرة يؤمنك الله من هول جهنم، فقلت: يا رسول الله، آمنت بكل ما جئت به من حلال وحرام، وان أرغم ذلك كثيرا من الأقوام.
ثم أنشدته أبياتا قلتها حين سمعت به، وكان لنا صنم وكان أبي سادنا له فقمت إليه فكسرته ثم لحقت بالنبي – صلى الله عليه وسلم -:
شهدت بأن الله حق وأنني … لآلهة الأحجار أول تارك
وشمرت عن ساقي الإزار مهاجرا … أجوب إليك الدعث بعد الدكادك
لأصحب خير الناس نفسًا ووالدا … رسول مليك الناس فوق الحبائك
فقال النبي – صلى الله عليه وسلم -: مرحبا بك يا عمرو بن مرة، فقلت: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي ابعث بي إلى قومي لعل الله -عَزَّ وجَلَّ- يمن عليهم بي كما منَّ بك عليّ فبعثني إليهم وقال: عليك بالرفق والقول السديد، ولا تك فظا ولا متكبرًا ولا حسودا، فأتيت قومي، فقلت: يا بني رفاعة، بل يا معشر جهينة إني رسول رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إليكم، أدعوكم إلى الجنة وأحذركم النار وآمركم بحقن الدماء، وصلة الأرحام وعبادة الله ورفض الأصنام، وحج البيت، وصيام شهر رمضان شهر من اثني عشر شهرا، فمن أجاب فله الجنة ومن عصى فله النار. يا معشر جهينة إن الله وله الحمد جعلكم خيار من أنتم منه، وبغض إليكم في الجاهلية ما حبب إلى غيركم من العرب، كانوا يجمعون بين الأختين، ويخلف الرجل على امرأة أبيه، والغزاة في الشهر الحرام، فأجيبوا هذا النبي المرسل من بني لؤي بن غالب، تنالوا شرف الدنيا وكرامة الآخرة وسارعوا في ذلك تكن لكم فضيلة عند الله -عَزَّ وجَلَّ-، فأجابوا إلا رجلًا منهم، فقام فقال: يا عمرو بن مرة أمر الله عيشك! أتأمرنا أن نرفض ألهتنا ونفرق جماعتنا ونخالف دين آبائنا إلى ما يدعو إليه هذا القرشي من أهل تهامة؟! لا حبًا ولا كرامة.
ثم أنشأ الخبيث يقول:
هذا ابن مرة أتى بمقالة … ليست مقالة من يريد صلاحا
إني لأحسب قوله وفعاله … يوما، وإن طال الزمان رياحا
أنسفه الأشياخ فيمن قد مضى … من رام ذاك فلا أصاب فلاحا
فقال عمرو بن مرة: الكاذب بيني وبينك أمر الله عيشه وأبكم لسانه وأكمه أسنانه فقال عمرو: فوالله ما مات حتى سقط فوه، فكان لا يجد طعم الطعام، وعمى وخرس.
فخرج عمرو بن مرة ومن أسلم من قومه معه حتى أتوا النبي – صلى الله عليه وسلم – فرحب بهم وحياهم وكتب لهم كتابًا هذه نسخته:
بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب أمان من الله على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتاب صادق وحق ناطق، مع عمرو بن مرة الجهني: أجهينة بن زيد، إن لكم بطون الأرض وظهورها، وتلاع الأودية وسهولها، ترعون نباته وتشربون صافيه، على أن تقروا بالخمس وتصلوا صلاة الخمس، وفي التبعة والصريمة شاتان إذا اجتمعا وإن افترقا فشاة شاة، ليس على أهل الميرة صدقة، والله يشهد على ما ببننا ومن حضر من المسلمين.
فذلك حين يقول عمرو بن مرة:
ألم تر أن الله أظهر دينه … وبين برهان القرآن لعامر
كتاب من الرحمن نور لجمعنا … وأخلافنا في كل باد وحاضر
إلى خير من يمشي على الأرض … كلها وأفضلها عند اعتكار الضرائر
أطعنا رسول الله لما تقطعت … بطون الأعادي بالظبا والخواصر
فنحن قبيل قد بنى المجد حولنا … إذا اجتلبت في الحرب هام الأكابر
بنو الحرب نقريها بأيد طويلة … وبيض تلألأ في أكف المغاور
ترى حوله الأنصار يحمون سربه … بسمر العوالي والصفاح البواتر
إذا الحرب دارت عند كل عظيمة … ودارت رحاها بالليوث الهواصر
تبلج منه اللون وازداد وجهه … كمثل ضياء البدر بين الهواصر