محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم عند أهل الكتاب وفي الكتب السابقة

قال الله تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}.

وقال الله -عَزَّ وجَلَّ-: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156) الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157) قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}.

أخبرنا علي بن محمد عن أبي عبيدة بن عبد الله بن أبي عبيدة بن محمد بن عمار ابن ياسر وغيره عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: سكن يهودي بمكة يبيع بها تجارات، فلما كان ليلة ولد رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، قال في مجلس من مجالس قريش: هل كان فيكم من مولود هذه الليلة؟ قالوا: لا نعلمه، قال: أخطأت والله حيث كنت أكره، انظروا يا معشر قريش وأحصوا ما أقول لكم: ولد الليلة نبي من هذه الأمة أحمد الآخر. فإن أخطأكم فبفلسطين، به شامة ببن كتفيه سوداء صفراء فيها شعرات متواترات، فتصدع القوم من مجالسهم وهم يعجبون من حديثه، فلما صاروا في منازلهم ذكروا لأهاليهم، فقيل لبعضهم: ولد لعبد الله بن عبد المطلب الليلة غلام فسماه محمدًا، فالتقوا بعد من يومهم فأتوا اليهودي في منزله فقالوا: أعلمت أنه ولد فينا مولود؟ قال: أبعد خبري أم قبله؟ قالوا: قبله واسمه أحمد، قال فاذهبوا بنا إليه، فخرجوا معه حتى دخلوا على أمه، فأخرجته إليهم، فرأى الشامة في ظهره، فغشي على اليهودي ثم أفاق، فقالوا: ويلك! مالك؟ قال: ذهبت النبوة من بني إسرائيل وخرج الكتاب من أيديهم، وهذا مكتوب يقتلهم ويبز أخبارهم، فازت العرب بالنبوة، أفرحتم يا معشر قريش؟ أما والله ليسطون بكم سطوة يخرج نبؤها من المشرق إلى المغرب.

وروي أيضا عن وهب بن منبه رحمه الله تعالى قال: أوحى الله إلى إشعيا: إني باعث نبيًا أميًا أفتح به آذانًا صما وقلوبًا غلفا وأعينًا عميا، مولده بمكة، ومهاجره بطيبة، وملكه بالشام، عبدي المتوكل المصطفى المرفوع، الحبيب المنتخب المختار، لا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح ويغفر، رحيمًا بالمؤمنين، يبكي للبهيمة المثقلة، ويبكي لليتيم في حجر الأرملة، ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب في الأسواق ولا متزين بالفحش ولا قوال بالخنا لو يمر إلى جنب السراج لم يطفئه من سكينته، ولو يمشي على القصب الرعراع، يعني اليابس، لم يسمع من تحت قدمه، أبعثه مبشرًا ونذيرًا، أسدده لكل جميل وأهب له كل خلق كريم، أجعل السكينة لباسه والبر شعاره، والتقوى ضميره والحكمة معقوله، والصدق والوفاء طبيعته، والعفو والمغفرة والمعروف خلقه، والعدل سيرته والحق شريعته، والهدى إمامه، والإسلام ملته وأحمد اسمه، أهدي به بعد الضلالة وأعلم به بعد الجهالة، وأرفع به بعد الخمالة، وأسمي به بعد النكرة، وأكثر به بعد القلة، وأغني به بعد العيلة وأجمع به بعد الفرقة، وأؤلف به بين القلوب وأهواء مشتتة وأمم مختلفة، وأجعل أمته خير أمة أخرجت للناس، أمرًا بالمعروف ونهيًا عن المنكر وتوحيدا لي وإيمانًا بي وإخلاصًا لي، وتصديقًا بما جاءت به رسلي، وهم رعاة الشمس، طوبى لتلك القلوب والوجوه والأرواح التي أخلصت لي، ألهمهم التسبيح والتكبير والتحميد والتوحيد في مساجدهم ومجالسهم ومضاجعهم ومنقلبهم ومثواهم، يصفون في مساجدهم كما تصف الملائكة حول عرشي، هم أوليائي وأنصاري، أنتقم بهم من أعدائي عبدة الأوثان، يُصلّون لي قياما وقعودا وسجودا، ويخرجون من ديارهم وأموالهم ابتغاء مرضاتي ألوفا فيقاتلون في سبيلي صفوفا وزحوفا، أختم بكتابهم الكتب وبشريعتهم الشرائع وبدينهم الأديان، فمن أدركهم فلم يؤمن بكتابهم ويدخل في دينهم وشريعتهم فليس مني وهو مني برئ، وأجعلهم أفضل الأمم وأجعلهم أمة وسطا شهداء على الناس، إذا غضبوا هللوني، وإذا قبضوا كبروني، وإذا تنازعوا سبحوني، يطهرون الوجوه والأطراف ويشدون الثياب إلى الأنصاف، ويهللون على التلال والأشراف، قربانهم دماؤهم، وأناجيلهم صدورهم، رهبان بالليل ليوثا بالنهار، ويناديهم مناديهم في جو السماء لهم دوي كدوي النحل.

طوبى لمن كان معهم وعلى دينهم ومناهجهم وشريعتهم، ذلك فضلي أوتيه من أشاء وأنا ذو الفضل العظيم.

قال ابن قتيبة: إذا طال القصب فهبت عليه أدنى ريح، أو مر ألطف شخص: تحرك وصوت، فأراد -عَزَّ وجَلَّ- أن النبي – صلى الله عليه وسلم – وقور ساكن الطائر.

وروى البيهقي عن وهب بن منبه رحمه الله تعالى قال: أوحى الله في الزبور إلى دواد: إنه سيأتي من بعدك نبي اسمه أحمد ومحمَّد، صادقًا لا أغضب عليه أبدًا ولا يعصيني أبدًا، وقد غفرت له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. الحديث.

وروى أبو نعيم عن كعب -رحمه الله- قال: كان أبي من أعلم الناس بما أنزل الله على موسى، وكان لم يدخر عني شيئا مما كان يعلم، فلما حضره الموت دعاني فقال لي: يا بني إنك قد علمت أني لم أدخر عنك شيئا أعلمه إلا أني قد حبست عنك ورقتين فيهما نبي يبعث قد أطل زمانه، فكرهت أن أخبرك بذلك، فلا آمن عليك أن يخرج بعض هؤلاء الكذابين فتطيعه، وقد جعلتهما في هذه الكوة التي ترى وطينت عليهما فلا تتعرض لهما ولا تنظر فيهما حينك هذا، فإن الله إن يرد بك خيرا ويخرج ذلك النبي تبعته.

ثم إنه مات فدفناه، فلم يكن شيء أحب إلي من أن أنظر في الورقتين، ففتحت الكوة ثم استخرجت الورقتين فإذا فيهما: محمد رسول الله خاتم الأنبياء، لا نبي بعده، مولده بمكة ومهاجره بطيبة، لا فظ ولا غليظ ولا سخاب في الأسواق، ويجزئ بالسيئة الحسنة، ويعفو ويصفح أمته الحمادون الذين يحمدون الله على كل حال، تذلل ألسنتهم بالتكبير، وينصر نبيهم على كل من ناوأه، يغسلون فروجهم ويأتزرون على أوساطهم، أناجيلهم في صدورهم، وتراحمهم بينهم كتراحم بني الأم، وهم أول من يدخل الجنة يوم القيامة من الأمم.

فمكثت ما شاء الله ثم بلغني أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قد خرج بمكة، فأخذت أستثبت ثم بلغني أنه توفي وأن خليفته قد قام مقامه، وجاءتنا جنوده، فقلت: لا أدخل في هذا الدين حتى أنظر سيرتهم وأعمالهم، فلم أزل أدافع ذلك وأؤخره لأستثبت حتى قدم علينا عمال عمر بن الخطاب، فلما رأيتهم رأيت وفاءهم بالعهد وما صنع الله لهم على الأعداء، فعلمت أنهم هم الذين كنت أنتظر.

فوالله إني ذات ليلة فوق سطحي فإذا رجل من المسلمين يتلو قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا} الآية.

فلما سمعت هذه الآية خشيت أن لا أصبح حتى يحول وجهي في قفاى، فما كان شيء أحب إلي من الصباح، فغدوت في المسلمين.

روى ابن سعد بسنده عن الشعبي قال: في مجلة إبراهيم – صلى الله عليه وسلم -: إنه كائن من ولدك شعوب وشعوب حتى يأتي النبي الأمي الذي يكون خاتم الأنبياء.

وروى بسنده عن ابن عباس قال: لما أمر إبراهيم بإخراج هاجر حمل على البراق، فكان لا يمر بأرض عذبه سهلة إلا قال: أنزل ها هنا يا جبريل. فيقول: لا، حتى أتى مكة فقال جبريل: انزل يا إبراهيم، قال حيث لا ضرع ولا زرع؟ قال: نعم ها هنا يخرج النبي الذي من ذرية ابنك الذي تتم به الكلمة العليا.

وروى بسنده عن محمد بن كعب القرظي قال: لما خرجت هاجر بابنها إسماعيل تلقاها متلق فقال: يا هاجر إن ابنك أبو شعوب كثيرة، ومن شعبه النبي الأمي ساكن الحرم.

ذكر وهب بن منبه في قصة داود النبي – صلى الله عليه وسلم – وما أوحي إليه في الزبور: يا داود، إنه سيأتي من بعدك نبي يسمى: أحمد ومحمدًا، صادقًا سيدًا، لا أغضب عليه أبدًا، ولا يغضبني أبدًا، وقد غفرت له قبل أن يعصيني ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وأمته مرحومة، أعطيتهم من النوافل مثل ما أعطيت الأنبياء، وافترضت عليهم الفرائض التي افترضت على الأنبياء والرسل، حتى يأتوني يوم القيامة نورهم مثل نور الأنبياء، وذلك أني افترضت عليهم أن يتطهروا لي لكل صلاة، كما افترضت على الأنبياء قبلهم، وأمرتهم بالغسل من الجنابة كما أمرت الأنبياء قبلهم. وأمرتهم بالحج كما أمرت الأنبياء قبلهم، وأمرتهم بالجهاد كما أمرت الرسل قبلهم. يا داود، فإني فضلت محمدًا وأمته على الأمم كلها: أعطيتهم ست خصال لم أعطها غيرهم من الأمم: لا أؤاخذهم بالخطأ والنسيان، وكل ذنب ركبوه على غير عمد إذا استغفروني منه غفرته لهم، وما قدموا لآخرتهم من شيء طيبة به أنفسهم عجلته لهم أضعافًا مضاعفة، ولهم في المدخور عندي أضعافًا مضاعفةً وأفضل من ذلك، وأعطيتهم على المصائب في البلايا إذا صبروا وقالوا:

-إنا لله وإنا إليه راجعون- الصلاة والرحمة والهدى إلى جنات النعيم. فإن دعوني استجبت لهم، فإما أن يروه عاجلا، وما أن أصرف عنهم سوءًا، وإما أن أدخره لهم في الآخرة.

يا داود، من لقيني من أمة محمد يشهد أن لا إله إلا أنا وحدي لا شريك لي صادقًا بها فهو معي في جنتي وكرامتي. ومن لقيني وقد كذّب محمدًا، وكذّب بما جاء به، واستهزأ بكتابي صببت عليه في قبره العذاب صبًا، وضربت الملائكة وجهه ودبره عند منشره من قبره، ثم أدخله في الدرك الأسفل من النار.

عن وهب قال: قرأت في زبور داود، -عليه السلام-، ذكر نبينا – صلى الله عليه وسلم – أنه يجوز من البحر إلى البحر، من لدن الأنهار إلى منقطع الأرض، وأنه غير أهل الجزائر بين يديه على ركبهم، ويلحس أعداؤه التراب من تحت قدميه، وتدين له الأمم بالطاعة والانقياد؛ لأنه يُخلّص المضطهد ممّن هو أقوى منه ويرأف بالضعفاء والمساكين، ويصلى عليه في كل وقت ويبارك عليه في كل يوم، ويدوم ذكره مع ذكر الله -عَزَّ وجَلَّ- إلى الأبد.

روى ابن سعد بسنده عن محمد بن كعب القرظي قال: أوحى الله إلى يعقوب أني أبعث من ذريتك ملوكًا وأنبياء، حتى أبعث النبي الحرمي الذي تبني أمته هيكل بيت المقدس وهو خاتم الأنبياء، واسمه أحمد.

روى أبو نعيم عن أبي سعيد مالك بن سنان الخدري بالخاء المعجمة والدال المهملة رضي الله تعالى عنه قال: سمعت أبي يقول: جئت بني عبد الأشهل يومًا لأتحدث فيهم، فسمعت يوشع اليهودي يقول: أظل خروج نبي يقال له أحمد يخرج من الحرم. فقيل له: ما صفته؟ قال: رجل ليس بالقصير ولا بالطويل، في عينيه حمره يلبس الشملة ويركب الحمار، سيفه على عاتقه، وهذه البلد مهاجره. فرجعت إلى قومي بني خدرة وأنا أتعجب مما قال، فأسمع رجلا منا يقول: ويوشع يقول هذا وحده؟ كل يهود يثرب تقول هذا فخرجت حتى جئت بني قريظة فأجد جمعا فتذاكروا النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال الزبير بن باطا: قد طلع الكوكب الأحمر الذي لم يطلع إلا لخروج نبي وظهوره، ولم يبق من الأنبياء أحد إلا أحمد وهذه مهاجرة. (أظل: قرب)

روى ابن عساكر عن أبي بكر الصديق -رضي الله تعالى عنه- قال: كنت جالسا بفناء الكعبة وزيد بن عمرو بن نفيل قاعد، فمر به أمية بن أبي الصلت فقال: أما إن هذا النبي الذي ينتظر منا أو منكم أو من أهل فلسطين. قال: ولم أكن سمعت قبل ذلك بنبي ينتظر فلا يبعث. فخرجت أريد ورقة بن نوفل فقصصت عليه الحديث فقال: نعم يا بن أخي، أخبرنا أهل الكتاب والعلماء، أن هذا النبي الذي ينتظر من أوسط العرب نسبًا، ولي علم بالنسب فقومك أوسط العرب نسبا. قال: يا عم وما يقول النبي؟ قال ما قيل له، إلا أنه لا يظلم ولا يظالم. قال: فلما بعث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – آمنت وصدقت.

حدث ابن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة عن شيخ من بني قريظة قال: كان يهود بني قريظة قد قدم عليهم رجل من يهود أهل الشام يقال له ابن الهيبان، وذلك قبيل الإسلام بسنين. فحل بين أظهرهم، فما رأوا رجلا قط لا يصلي الخمس أفضل منه. فأقام عندهم، فكانوا إذا قحط عنهم المطر، قالوا له: اخرج يا ابن الهيبان فاستسق لنا. فيقول: لا والله، حتى تقدموا بين يدي مخرجكم صدقة. فيقولون له: كم؟ فيقول: صاعًا من تمر أو مدين من شعير. فيخرجونها، ثم يخرج بهم إلى ظاهر حرتهم، فيستسقي الله لهم، فما يبرح مجلسه حتى يمر السحاب ويسقون. قد فعل ذلك غيره مرة ولا مرتين ولا ثلاث. ثم حضرته الوفاة عندهم، فلما عرف أنه ميت، قال: يا معشر يهود، ما ترونه أخرجني من أرض الخمر والخمير إلى أرض البؤس والجوع؟ قالوا: إنك أعلم. قال: فإني إنما قدمت هذه البلدة، أتوكف خروج نبي قد أظلكم زمانه، فلا تسبقن إليه يا معشر يهود، فإنه يبعث بسفك الدماء، وسبي الذراري والنساء ممّن خالفه، فلا يمنعكم ذلك منه.

عن عطاء بن بسار -رضي الله عنه- قال: لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص، فقلت: أخبرني عن صفة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في التوراة، فقال: أجل، والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} وحرزا للأميين، أنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل، ليس بفظ ولا غليظ، ولا سخاب في الأسواق، ولا يدفع بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا: لا إله إلا الله، ويفتح به أعينًا عميا، وآذانًا صما، وقلوبًا غلفا.

وعن كعب الأحبار رحمه الله تعالى قال: (نجده مكتوبا محمَّد رسول الله صلى الله عليه وسلم لا فظ ولا غليظ ولا صخاب بالأسواق، ولا يجزئ بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويغفر، وأمته الحمادون ويكبرون الله -عَزَّ وجَلَّ- على كل نجد، ويحمدونه في كل منزلة، ويأتزرون على أنصافهم، ويتوضئون على أطرافهم، مناديهم ينادي في جو السماء صفهم في القتال وصفهم في الصلاة سواء لهم دوى كدوي النحل، ومولده بمكة ومهاجره بطيبة وملكه بالشام.

عن الفلتان بن عاصم قال: كنا قعودا مع النبي – صلى الله عليه وسلم – فشخص بصره إلى رجل في المسجد فقال: (يا فلان) فقال: لبيك يا رسول الله قال: ولا ينازعه الكلام إلا قال: يا رسول الله فقال النبي – صلى الله عليه وسلم -: (أتشهد أني رسول الله؟) قال: لا، قال (أتقرأ التوراة؟) قال: نعم والإنجيل، قال: (والقرآن) قال: والذي نفسي بيده لو أشاء لقرأته، قال: ثم ناشده: (هل تجدني في التوراة والإنجيل؟) قال: أجد مثلك ومثل هيأتك ومثل مخرجك، وكنا نرجوا أن يكون منا فلما خرجت تحيرنا أن يكون أنت هو، فنظرنا فإذا ليس أنت هو، قال: (ولم ذاك؟) قال: إن معه من أمته سبعين ألفا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، ومعك نفر يسير، قال: (فوالذي نفسي بيده لأنا هو وإنهم لأمتي، وإنهم لأكثر من سبعين ألفا وسبعين ألفا).

وعن عاصم بن عمر بن قتادة عن رجال من قومه، قالوا: إن مما دعانا إلى الإِسلام مع رحمة الله تعالى وهداه، لما كنا نسمع من رجال اليهود، كنا أهل شرك أصحاب أوثان، وكانوا أهل كتاب، عندهم علم ليس لنا، وكانت لا تزال بيننا وبينهم شرور، فإذا نلنا منهم بعض ما يكرهون، قالوا لنا: إنه تقارب زمان نبي يبعث الآن نقتلكم معه قتل عاد وإرم، فكنا كثيرًا ما نسمع ذلك منهم فلما بعث الله رسوله – صلى الله عليه وسلم – أجبناه حين دعانا إلى الله تعالى وعرفنا ما كانوا يتوعدوننا به فبادرناهم إليه فآمنا به وكفروا به ففينا وفيهم نزل هؤلاء الآيات من سورة البقرة {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ}.

حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يعقوب قال حدثني أبي عن ابن إسحق قال حدثني صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن محمود بن لبيد أخي بني عبد الأشهل عن سلمة بن سلامة بن وقش وكان من أصحاب بدر قال: كان لنا جار من يهود في بني عبد الأشهل قال فخرج علينا يوما من بيته قبل مبعث النبي – صلى الله عليه وسلم – بيسير فوقف على مجلس عبد الأشهل قال سلمة وأنا يومئذ أحدث من فيه سنا علي بردة مضطجعا فيها بفناء أهلي فذكر البعث والقيامة والحساب والميزان والجنة والنار فقال ذلك لقوم أهل شرك أصحاب أوثان لا يرون أن بعثا كائن بعد الموت فقالوا له: ويحك يا فلان، ترى هذا كائن أن الناس يبعثون بعد موتهم إلى دار فيها جنة ونار يجزون فيها بأعمالهم، قال: نعم، والذي يحلف به لود أن له بحظه من تلك النار أعظم تنور في الدنيا يحمونه ثم يدخلونه إياه فيطبق به عليه وإن ينجوا من تلك النار غدا، قالوا له: ويحك، وما آية ذلك، قال: نبي يبعث من نحو هذه البلاد وأشار بيده نحو مكة واليمن، قالوا: ومتى تراه قال: فنظر إلي وأنا أحدثهم سنا فقال: أن يستنفد هذا الغلام عمره يدركه، قال سلمة: فوالله ما ذهب الليل والنهار حتى بعث الله تعالى رسوله – صلى الله عليه وسلم – وهو حي بين أظهرنا فآمن به وكفر به بغيًا وحسدا فقلنا: ويلك يا فلان ألست بالذي قلت لنا فيه ما قلت، قال: بلى وليس به)

روى الترمذيُّ في الشمائل عن كعب رحمه الله تعالى قال: نجد نعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في التوراة: محمد بن عبد الله يولد بمكة ويهاجر إلى طابة، ويكون ملكه بالشام، وليس بفحاش ولا سخاب في الأسواق ولا يكافئ بالسيئة، ولكن يعفو ويغفر، أمته الحمادون يحمدون الله في كل أمر ويكبرون الله على كل نجد ويوضئون أطرافهم ويأتزرون في أوساطهم، يصفون في صلاتهم كما يصفون في قتالهم، دويهم في مساجدهم كدوي النحل يسمع مناديهم في جو السماء.

وروى أبو نعيم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن موسى لما نزلت عليه التوراة وقرأها فوجد فيها ذكر هذه الأمة فقال يا رب إني أجد في الألواح أمة هم الآخرون السابقون فاجعلها أمتي، قال تلك أمة أحمد، قال يا رب إني أجد في الألواح أمة هم السابقون المشفوع لهم فاجعلها أمتي، قال تلك أمة أحمد، قال يا رب إني أجد في الألواح أمة هم المستجيبون المستجاب لهم فاجعلها أمتي، قال تلك أمة أحمد، قال يا رب إني أجد في الألواح أمة أناجيلهم في صدورهم يقرأونها ظاهرًا فاجعلها أمتي، قال تلك أمة أحمد. قال يا رب إني أجد في الألواح أمة يجعلون الصدقة في بطونهم يؤجرون عليها فاجعلها أمتي قال تلك أمة أحمد، قال يا رب إني أجد في الألواح أمة إذا هم أحدهم بحسنة فلم يعملها كتب له حسنة واحدة، فإن عملها كتب له عشر حسنات فاجعلها أمتي قال، تلك أمة أحمد، قال يا رب إني أجد في الألواح أمة إذا هم أحدهم بسيئة ولم يعملها لم تكتب، وإن عملها كتبت عليه سيئة واحدة، فاجعلها أمتي قال تلك أمة أحمد، قال يا رب إني أجد في الألواح أمة يؤتون العلم الأول والعلم الآخر فيقتلون قرون الضلالة المسيح الدجال فاجعلها أمتي قال تلك أمة أحمد. قال يا رب فاجعلني من أمة أحمد، فأعطي عند ذلك خصلتين، فقال: {يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} قال: قد رضيت يا رب).

وروى أيضًا عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: أوحى الله تعالى إلى بعض أنبياء بني إسرائيل: اشتد غضبي عليكم من أجل ما ضيعتم من أمري، فإني حلفت لا يأتيكم روح القدس حتى أبعث النبي الأمي من أرض العرب الذي يأتيه روح القدس.

قال يعقوب ابن سفيان: حدثنا فيض البجلي، حدثنا سلام بن مسكين، عن مقاتل بن حيان قال: أوحى الله -عَزَّ وجَلَّ- إلى عيسى بن مريم: جد في أمري واسمع وأطع يا ابن الطاهرة البكر البتول، أنا خلقتك من غير فحل فجعلتك آية للعالمين، فإياى فاعبد. فبين لأهل سوران بالسريانية، بلغ من بين يديك أني أنا الحق القائم الذي لا أزول، صدقوا بالنبي الأمي العربي صاحب الجمل والمدرعة والعمامة، وهي التاج، والنعلين، والهراوة وهي القضيب، الجعد الرأس، الصلت الجبين، المقرون الحاجبين، الأنجل العينين الأقنى الأنف، الواضح الخدين، الكث اللحية، عرقه في وجهه كاللؤلؤ، ريح المسك ينضح منه، كأن عنقه إبريق فضة، وكأن الذهب يجرى في تراقيه، له شعرات من لبته إلى سرته تجرى كالقضيب، ليس في بطنه شعر غيره، شثن الكف والقدم، إذا جاء مع الناس غمرهم، وإذا مشى كأنما يتقلع من الصخر ويتحدر من صبب، ذو النسل القليل وكأنه أراد الذكور من صلبه.

هكذا رواه البيهقي في دلائل النبوة من طريق يعقوب بن سفيان.

أخبرنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك المدني عن موسى بن يعقوب الزمعي عن سهل مولى عتيبة أنه كان نصرانيًا من أهل مريس، وأنه كان يتيما في حجر أمه وعمه، وأنه كان يقرأ الإنجيل، قال: فأخذت مصحفًا لعمي فقرأته حتى مرت بي ورقة، فأنكرت كتابتها حين مرت بي ومسستها بيدي، قال: فنظرت فإذا فصول الورقة ملصق بغراء، قال: ففتقتها فوجدت فيها نعت محمد، – صلى الله عليه وسلم -، أنه لا قصير ولا طويل، أبيض، ذو ضفيرين، بين كتفيه خاتم، يكثر الاحتباء، ولا يقبل الصدقة، ويركب الحمار والبعير، ويحتلب الشاه، ويلبس قميصًا مرقوعا، ومن فعل ذلك برئ من الكبر، وهو يفعل ذلك، وهو من ذرية إسماعيل اسمه أحمد، قال سهل: فلما انتهيت إلى هذا من ذكر محمَّد، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، جاء عمي، فلما رأى الورقة ضربني وقال: مالك وفتح هذه الورقة وقراءتها؟ فقلت: فيها نعت النبي، صلى الله عليه وسلم، أحمد، فقال: إنه لم يأت بعد.