أحداث سيرة محمد صلى الله عليه وسلم من مولده إلى بعثته

كانت آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب في حجر عمها وُهيب بن عبد مناف بن زهرة، فمشى إليه عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قُصيّ بابنه عبد الله بن عبد المطّلب أبي رسول الله، – صلى الله عليه وسلم -، فخطب عليه آمنة بنت وهب فزوجها عبد الله بن عبد المطّلب، وخطب إليه عبد المطّلب بن هاشم في مجلسه ذلك ابنته هالة بنت وُهيب على نفسه فزوّجه إياها، فكان تَزَوُّجُ عبد المطّلب بن هاشم وتزوّج عبد الله بن عبد المطّلب في مجلس واحد، فولدت هالة بنت وهيب لعبد المطّلب حمزة بن عبد المطّلب، فكان حمزة عم رسول الله، – صلى الله عليه وسلم -، في النّسب وأخاه من الرضاعة.

 لما حملت آمنة بنت وهب  برسول الله، – صلى الله عليه وسلم –  كانت تقول: ما شعرتُ أني حملت به، ولا وجدت له ثقلةً كما تجد النساء، إلا أني قد أنكرت رفع حيضي وربما كانت ترفعني وتعود، وأتاني آتٍ وأنا بين النائم واليقظان فقال: هل شعرت أنك حملت؟ فكأني أقول ما أدري؛ فقال: إنك قد حملتِ بسيّد هذه الأمّة ونبيّها، وذلك يوم الاثنين، قالت: فكان ذلك مّما يَقّن عندي الحملَ، ثمّ أمهلني حتى إذا دنا موعد ولادتي أتاني ذلك الآتي فقال: قولي أعيذه بالواحد الصّمَد من شر كل حاسد، قالت: فكنتُ أقول ذلك، فذكرت ذلك لنسائي، فقُلْن لي: تعلّقي حديدا في عضُدَيْكِ وفي عنقكِ، قالت: ففعلت، قالت: فلم يكن تُرِك عليّ إلَّا أيّامًا فأجده قد قُطع، فكنت لا أتعلّقه.وقالت آمنة لقد علقت به فما وجدت له مشقة حتى وضعته.

وُلد محمد صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول من عام الفيل، بمكة المكرمة📍، في دار أبيه التي كانت موجودة بشِعْب بني هاشم📍، وقيل: إنه ولد بدار عند الصفا📍.

ومما يدل على ولادته يوم الاثنين ما رُوي أن أعرابيا قال: يا رسول الله، ما تقول في صوم يوم الاثنين؟

قال صلى الله عليه وسلم: “ذاك يوم ولدت فيه، ويوم بعثت أو وأنزل عليَّ فيه”

ويشهد لولادته صلى الله عليه وسلم عام الفيل حديث قيس بن مخرمة الذي قال فيه: “ولدت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل”

يقول محمد بن إسحاق: “ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين عام الفيل لاثنتي عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الأول”.

كما يروي الترمذي بسنده عن قيس بن مخرمة بن عبد مناف قال: “ولدت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل، كنا لدين“.

ورُوي عن أبي الحويرث قال: “سمعت عبد الملك بن مروان يقول لقباث بن أشيم الكناني ثم الليثي: يا قباث، أنت أكبر أم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال قباث: رسول الله أكبر مني، وأنا أسن منه، ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل، ووقفت بي أمي على روث الفيل أخضر محيلا أعقله”.

يقول ابن عباس رضي الله عنه: “ولد نبيكم يوم الاثنين”.

وجمهور المؤرخين وعلماء السيرة يجمعون على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولد يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول عام الفيل، حين طلع الفجر.

وقد مات أبوه عبد الله وهو حمل في بطن أمه، وكانت وفاته بالمدينة📍 عند أخواله من بني النجار حيث دفن بدار عدي النابغة📍، يقول ابن كثير: “خرج عبد الله بن عبد المطلب إلى الشام، إلى غزة📍🌍 ، في عير من عيران قريش، يحملون تجاراتهم، فلما فرغوا من تجارتهم مروا بالمدينة، وعبد الله يومئذ مريض، فقال: أتخلف عند أخوالي بني عدي بن النجار، فأقام عندهم مريضا شهرا، ومضى أصحابه فقدموا مكة، فسألهم عبد المطلب عن ابنه عبد الله، فقالوا: خلفناه عن أخواله في المدينة وهو مريض، فبعث إليه عبد المطلب أكبر ولده الحارث، فوجده قد تُوفي، ودفن في دار النابغة فرجع إلى أبيه، وأخبره”، وكان وقع خبر وفاته على أبيه وإخوته مؤلما. وكان عُمْر عبد الله يوم وفاته خمسا وعشرين سنة على الصحيح، ولم يترك عبد الله مالا يورثه لزوجه وولده، إلا جاريته أم أيمن، وخمسة جمال، وقطعة من غنم.

 ألهم الله جده عبد المطلب حين أخبرته السيدة آمنة بوضع حملها أن يسميه محمدا.

يقول السهيلي: “سئل عبد المطلب: ما سميت ابنك؟

فقال: محمدا.

فقيل له: كيف سميته باسم ليس لأحد من آبائك وقومك.

فقال: إني لأرجو أن يحمده أهل الأرض كلهم.

وكان ذلك لرؤيا كان رآها في منامه، كأن سلسلة من فضة، خرجت من ظهره، لها طرف في السماء، وطرف في الأرض، وطرف في المشرق، وطرف في المغرب، ثم عادت كأنها شجرة، على كل ورقة منها نور، وإذا أهل المشرق والمغرب، كأنهم يتعلقون بها، فقصها، فعبرت له بمولود يكون من صلبه يتبعه أهل المشرق والمغرب، ويحمده أهل السماء والأرض؛ فلذلك سماه: محمدا.

وذكروا أن أمه حدثته بأنه قد قيل لها: إنك حملت بسيد هذه الأمة، فإذا وضعتيه فسميه محمدا”.

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر فضل تسميته محمدا ويقول: “ألا تعجبون كيف يصرف الله عني شتم قريش ولعنهم، يشتمون مذمما، وأنا محمد.

بعدما وضعت السيدة آمنة بنت وهب حملها أرسلت إلى جده عبد المطلب وأخبرته بولادة حفيده، فسُّر به كثيرا، وأخذه ودخل به الكعبة  📍ودعا له بخير، وسماه محمدا، فلما سئل عن سبب هذه التسمية مع أنها لم توجد في آبائه أو في أقربائه، قال: أردت أن يحمد في السماء عند الله، وفي الأرض عند الناس.

يذكر السهيلي أن التسمية كانت لرؤيا رآها عبد المطلب توافقت في دلالتها مع ما حدثته به أمه صلى الله عليه وسلم.

يروي ابن عساكر أن عبد المطلب سر بولادة محمد كثيرا، وعق عنه بكبش، وقد عاش الوليد في كنف أمه سبعة أيام أرضعته فيها ومعها قابلته “الشفاء”، وقد سر أعمامه بميلاد ابن لأخيهم الذي فقدوه صغيرا، لدرجة أن أبا لهب أعتق جاريته ثويبة الأسلمية عندما أخبرته بميلاد محمد صلى الله عليه وسلم، فذهبت إلى أمه “آمنة”، وأرضعته معها.

جاءت المراضع من بني سعد📍 🌍 يلتمس أبناء الأغنياء؛ طمعا في الرزق واليسار ومروا جميعا على آمنة، فرأوا ولدها يتيما فقيرا، فتركنه لقلة الأجر، وضآلة العطاء المنتظر من يتيم فقير.

ووجد النسوة عند أبناء الأثرياء ما يأملون، ما عدا حليمة السعدية، فإنها كانت فقيرة ضعيفة، رأت الأمهات منها ما صرفهن عن اختيارها مرضعة لأبنائهم، فلبنها قليل، وجسدها نحيل، وأتانها هزيل، والفقر باد عليها، فانصرفوا عنها إلى غيرها.

ووجدت حليمة نفسها مضطرة لأخذ محمد صلى الله عليه وسلم حتى لا تعود لديارها خاوية الوفاض، فكان في أخذها له الخيرة والبركة، وظهر ذلك في كافة جوانب حياتها وأسرتها، ونعمت بهذا الخير هي وقومها بعد ذلك.

وحليمة هي بنت أبي ذؤيب، وهو عبد الله بن الحارث بن سعد من هوازن، وتعرف بحليمة السعدية، وكنيتها أم كبشة.. وزوجها هو الحارث بن عبد العزى بن رفاعة من هوازن كذلك، ويكنى بأبي كبشة.

وقد شرَّفها الله تعالى بإرضاع محمد صلى الله عليه وسلم، فصارت له أما، وصار زوجها له أبا، وصار أبناؤها إخوته، وهم: عبد الله بن الحارث، وحفص بن الحارث، وأمية بن الحارث، والشيماء، وهي حذافة بنت الحارث، وقد أكرمها الله تعالى، ففاض الخير في كل جوانب حياتها ببركته صلى الله عليه وسلم، رغم أنها لم تكن راغبة فيه، ولولا انصراف الوالدات عنه ما أخذته.

تحكي حليمة قصتها مع رضاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم فتقول: خرجت في نسوة من بني سعد بن بكر📍، نلتمس الرضعاء بمكة📍، على أتان لي قمراء قد أدمت بالركب، وخرجنا في سنة شهباء، لم تُبقِ لنا شيئا، ومعي زوجي الحارث بن عبد العزى، ومعنا شارف لنا، والله ما يبض علينا بقطرة من لبن، ومعي صبي لي ما نام ليلنا أجمع، من بكائه من الجوع، وما في ثديي ما يمصه، وما في شارفنا من لبن نغذوه، ولكن كنا نرجو الغيث والفرج، فخرجت على أتاني تلك، فشق ذلك علينا ضعفا وعجفا، حتى قدمنا مكة نلتمس الرضعاء.

فما منا امرأة إلا وقد عرض عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتأباه، وإنما كنا نرجو كرامة رضاعة من والد المولود، فكنا نقول: يتيم! وما عسى أن تصنع أمه؟ وما يفعل جده؟ فكنا نكرهه لذلك، فما بقيت امرأة معي إلا أخذت رضيعا غيري.

فلما أجمعنا الانطلاق قلت لزوجي: والله لأرجعن إلى ذلك اليتيم فلآخذنه، والله إني لأكره أن أرجع من بين صواحبي، ولم آخذ رضيعا.

قال: لا عليك أن تفعلي عسى الله أن يجعل لنا فيه بركة.

قالت: فذهبت إليه فأخذته، وما حملني على أخذه إلا أني لم أجد غيره، فلما أخذته رجعت إلى رحلي.

وقد رأت حليمة فضل الله عليها عقب عودتها إلى رحلها بمحمد صلى الله عليه وسلم، تقول: “فلما وضعته في حجري، أقبل عليه ثدياي بما شاء من لبن، فشرب حتى روي، وشرب معه أخوه حتى روي ،ثم ناما، وما كنا ننام معه قبل ذلك.

وقام زوجي إلى شارفنا تلك، فإذا لبنها حافل، فحلب منها و شرب، وشربت معه حتى انتهينا ريا وشبعا، فبتنا ليلتنا تلك بخير ليلة شباعا رواء، وقد نام صبيّانا.

يقول أبوه -يعني زوجها- والله يا حليمة، ما أراك إلا أصبت نسمة مباركة، قد نام صبيانا ورويا. فقلت: والله إني لأرجو ذلك.

ثم خرجنا وركبت أتاني، وحملته عليها معي، فوالله لقطعت بالركب ما يقدر عليها شيء من حمرهم، حتى إن صواحبي ليقلن لي: يابنة أبي ذؤيب، ويحك، أربعي علينا، أليست هذه أتانك التي كنت خرجت عليها؟

فأقول لهن: بلى والله، وإنها لهي هي.

فيقلن: والله إن لها لشأنا.

ثم قدمنا منازلنا من بلاد بني سعد، وما أعلم أرضا من أرض الله أجدب منها، فكانت غنمي تروح عليَّ حين قدمنا به معنا شباعا لبنا، وتروح أغنامهم جياعا هالكة ما بها من لبن، فنحلب ونشرب، وما يحلب إنسان قطرة لبن، ولا يجدها في ضرع، حتى كان الحاضرون من قومنا يقولون لرعيانهم: ويلكم، اسرحوا حيث يسرح راعي بنت أبي ذويب، فتروح أغنامهم جياعا ما تبض بقطرة لبن، وتروح غنمي شباعا لبنا.

فلم نزل نتعرف من الله الزيادة والخير، حتى مضت سنتاه وفصلته، وكان يشب شبابا لا يشبه الغلمان، كان صلى الله عليه وسلم يشب في اليوم شباب الصبي في شهر، ويشب في الشهر شباب الصبي في سنة، فبلغ ستا وهو غلام جفر.

ولما بلغ عمره صلى الله عليه وسلم سنتين فصلته حليمة، وعادت به إلى أمه في مكة

عادت حليمة السعدية بمحمد إلى أمة السيدة آمنة بعد تمام إرضاعه وفصاله، وذلك على عادة سائر المراضع مع أبنائهن، ولم تكن حليمة سعيدة بعودته لأمه؛ لأنها تخاف توقف الخير الذي تدفق عليها، تقول حليمة: “فقدمنا به على أمه، ونحن أحرص شيء على مكثه فينا؛ لما كنا نرى من بركته”.

عرضت حليمة على آمنة أن تعود بمحمد صلى الله عليه وسلم إلى ديارها مرة ثانية لتستمر بركته، ولتبتعد به عن وباء كان بمكة يومذاك، فوافقتها آمنة، وأعادته معها مرة ثانية إلى ديار بني سعد، وبخاصة أن مكة يومذاك كانت موبوءة، وأملت أن يزداد محمد نضارة وازدهارا ونموا في بدنه وعقله وشخصيته، ليشب رجلا له قدره ومنزلته ويقوم بدوره مع جده وأعمامه وقومه.

وأخذته حليمة وعادت به سعيدة مرة ثانية، وفرحت بذلك، إلا أنها اضطرت إلى إعادته لأمه حين بلغ عمره خمس سنوات وشهرا، ولم تره بعد ذلك إلا مرتين، الأولى: بعد تزويجه صلى الله عليه وسلم خديجة، والثانية: يوم حنين

وكانت آمنة قد أوصت حليمة بمحمد، وعرفتها بما حصل معها، في حملها وولادته، وبينت لها ما رأت وما شاهدت من كرامات صاحبت مولده، وقالت لها: احفظي ابني هذا، واحذري عليه الرهبان والكهان.

تقول حليمة: مر بي بعض اليهود فقلت لهم: ألا تحدثوني عن ابني هذا؟! فإني حملته كذا، ووضعته كذا، ورأيت كذا! كما قالت أمه.

تريد حليمة بذلك أن تعرف شيئا عن الأسرار المتصلة بهذا الغلام المبارك.

تقول حليمة: لما رآه اليهود، قال بعضهم لبعض: اقتلوه.

وسألوها: أيتيم هو؟

فقلت لهم: لا، هذا أبوه، وأنا أمه.

فقالوا: لو كان يتيما لقتلناه.

فذهبت به حليمة وقالت: كدت أخرب أمانتي.

تقول حليمة السعدية فرجعنا به، فوالله إنه بعد مَقْدمنا بأشهر وهو مع أخيه في بَهْم لنا خلف بيوتنا، إذ أتانا أخوه يَشْتدّ ، فقال لي ولأبيه: ذاك أخي القرشيّ قد أخذه رجلان عليهما ثياب بيض، فأضجعاه، فشقَّا بطنَه، فهما يَسوطانه قالت: فخرجت أنا وأبوه نحوه، فوجدنا قائما مُنتَقَعا وجهُه. قالت فالتزمته والتزمه أبوه، فقلنا له: ما لك يا بُنيّ؛ قال: جاءني رجلان عليهما ثياب بيض، فأضجعانى وشقا بطني، فالتمسا فيه شيئًا لا أدري ما هو. قالت: فرجعنا به إلى خبائنا.

قالت: وقال لي أبوه يا حليمة، لقد خشيت أن يكون هذا الغلام قد أُصيب فألحقيه بأهله قبل أن يظهر ذلك به، قالت: فاحتملناه، فقَدِمْنا به على أمه.

عن عتبة بن عبد: أنه حدثهم أن رجلًا سأل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال: كيف كان أول شأنك يا رسول الله فقال: “كانت حاضنتي من بنى سعد بن بكر، فانطلقت أنا وابن لها في بهم لنا, ولم نأخذ معنا زادًا فقلت: يا أخي اذهب فأتنا بزاد من عند أمنا، فانطلق أخي ومكثت عند البهم، فأقبل طائران أبيضان كأنهما نسران، فقال أحدهما لصاحبه: أهو هو؟ قال: نعم، فأقبلا يبتدراني فأخذاني فبطحاني إلى القفا فشقا بطني، ثم استخرجا قلبي فشقاه فأخرجا منه علقتين سوداوين، فقال أحدهما لصاحبه: ائتني بماء ثلج، فغسلا به جوفي، ثم قال: ائتني بماء برد فغسلا به قلبي، ثم قال: ائتني بالسكينة، فذارها في قلبي، ثم قال أحدهما لصاحبه: خطه فخاطه وختم عليه بخاتم النبوة” وفي رواية “وأختم عليه بخاتم النبوة -قال أحدهما لصاحبه- اجعله في كفة واجعل ألفا من أمته في كفة فإذا أنا أنظر إلى الألف فوقي أشفق أن يخر علي بعضهم، فقال لو أن أمته وزنت به لمال بهم، فانطلقا وتركاني قد فرقت فرقا شديدا، ثم انطلقت إلى أمي فأخبرتها بالذي لقيت، فأشفقت علي أن يكون ألبس بي، فقالت: أعيذك بالله، فرحلت بعيرًا لها -فجعلتني- أو فحملتني- على الرحل وركبت خلفي حتى بلغنا إلى أمي فقالت: أديت أمانتي وذمتي، فحدثتها بالذي لقيت فلم يرعها ذلك، قالت: إني رأيت خرج مني نور أضاءت له قصور الشام”.

عاد محمد صلى الله عليه وسلم من ديار بني سعد بعدما بلغ خمس سنوات للمرة الثانية والأخيرة، كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، مع أمه أمنة بنت وهب، فلما بلغ ست سنين خرجت به إلى أخواله بني عدي بن النجار بالمدينة📍  تزورهم به، ومعه أم أيمن تحضنه وهم على بعيرين، فنزلت به في دار النابغة📍، فأقامت به عندهم شهرًا، فكان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يذكر أمورًا كانت في مقامه ذلك، لما نظر إلى أطم بني عدي بن النجار عرفه وقال: كنت ألاعب أنيسة جارية من الأنصار على هذا الأطم وكنت مع غلمان من أخوالي نطير طائرًا كان يقع عليه، ونظر إلى الدار فقال: ها هنا نزلت بي أمي وفي هذه الدار قبر أبي عبد الله ابن عبد المطلب وأحسنت العوم في بئر بني عدي بن النجار، وكان قوم من اليهود يختلفون ينظرون إليه فقالت أم أيمن فسمعت أحدهم يقول: هو نبي هذه الأمة وهذه دار هجرته، فوعيت ذلك كله من كلامه، ثم رجعت به أمه إلى مكة، فلما كانوا بالأبواء📍 توفيت آمنة بنت وهب، فقبرها هناك، فرجعت به أم أيمن على البعيرين الذين قدموا عليهما مكة، وكانت تحضنه مع أمه ثم بعد أن ماتت وكان صلى الله عليه وسلم يذكر حاضنته أم أيمن ويقول: “أم أيمن أمي بعد أمي” 

وقد زار النبي صلى الله عليه وسلم بعد البعثة أيضا قبر أمه فبكى وأبكى، فلما سئل: ما يبكيك يا رسول الله؟ قال: “تذكرت رحمتها فبكيت”

انتقل النبي – صلى الله عليه وسلم – بعد وفاة أمه إلى كفالة جده عبد المطلب وكان عبد المطلب أطول الناس قامة، وأحسن الناس وجهًا، ما رآه قط شيء إلا أحبه، وكان له مفرش في الحجر📍، لا يجلس عليه غيره. ولا يجلس معه عليه أحد وكان الندي من قريش، حرب بن أمية فمن دونه، يجلسون حوله دون المفرش فجاء رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وهو غلام يدرج ليجلس على المفرش، فجذبوه، فبكى، فقال عبد المطلب، وذلك بعد ما حجب بصره، ما لابني يبكي، قالوا له: إنه أراد أن يجلس على المفرش فمنعوه، فقال عبد المطلب: دعوا ابني، فإنه يحس بشرف، أرجو أن يبلغ من الشرف ما لم يبلغ عربي قط.

 عن هشام بن الكلبي، عن أبيه، أن عبد المطلب كان إذا أُتي بالطعام، أجلس النبي – صلى الله عليه وسلم – إلى جانبه، وربما أقعده على فخذه، فيؤثره بأطيب طعامه. وكان رقيقًا عليه بآدابه. فربما أُتي بالطعام وليس رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حاضرًا فلا يمس شيئًا منه حتى يُؤتى به. وكان يفرش له في ظل الكعبة، ويجلس بنوه حول فراشه إلى خروجه، فإذا خرج، قاموا على رأسه مع عبيده، إجلالًا له وكان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يأتي وهو غلام جفر، فيجلس على الفراش فيأخذه أعمامه ليؤخروه، فيقول عبد المطلب: مهلًا، دعوا ابني ما تريدون منه. ثم يقول: دعوه فإن له شأنًا؛ أما ترونه؟ ويقبل رأسه وفمه ويمسح ظهره، ويُسر بكلامه وما يري منه.

قال محمَّد بن عمر بن واقد الأسلمي كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يكون مع أمه آمنه بنت وهب فلما توفيت قبضه إليه جده عبد المطلب وضمه ورق عليه رقة لم يرقها على ولده، وكان يقربه منه ويدنيه، ويدخل عليه إذا خلا وإذا نام، وكان يجلس على فراشه فيقول عبد المطلب: إذا رأى ذلك دعوا ابني إنه يؤنس مُلكًا. وقال قوم من بني مدلج لعبد المطلب: احتفظ به فإنا لم نر قدمًا أشبه بالقدم التي في المقام📍 منه، فقال عبد المطلب لأبي طالب: اسمع ما يقول هؤلاء، فكان أبو طالب يحتفظ به، وقال عبد المطلب لأم أيمن، وكانت تحضن رسول الله، – صلى الله عليه وسلم -: يا بركة لا تغفلي عن ابني فإني وجدته مع غلمان قريبًا من السدرة ، وإن أهل الكتاب يزعمون أن ابني هذا نبي هذه الأمة، وكان عبد المطلب لا يأكل طعامًا إلا قال: عليَّ بابني، فيؤتى به إليه، فلما حضرت عبد المطلب الوفاة أوصى أبا طالب بحفظ رسول الله، – صلى الله عليه وسلم -، وحياطته.

 ومات عبد المطلب فدفن بالحجون📍، وهو يومئذ ابن اثنتين وثمانين سنة، ويقال ابن مائة وعشر سنين، وسئل رسول الله، – صلى الله عليه وسلم -: أتذكر موت عبد المطلب؟ قال: نعم أنا يومئذٍ ابن ثماني سنين؛ قالت أم أيمن: رأيت رسول الله، – صلى الله عليه وسلم -، يومئذٍ يبكي خلف سرير عبد المطلب.

فلما توفي عبد المطلب ضم أبو طالب رسول الله – صلى الله عليه وسلم -وهو ابن ثمان سنين، وكان يكون معه، وكان أبو طالب لا مال له، وكان له قَطيعَة من إبل تكون بعرنة📍 يبدو إليها فيكون ينشأ فيها، ويؤتى بلبنها إذا كان حاضرًا بمكة📍، وكان أبو طالب قد رق عليه وأحبه، وكان إذا أكل عيال أبي طالب جميعًا أو فرادي لم يَشْبَعوا، وإذا أكل معهم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – شبعوا، وكان إذا أراد أن يُعشِّهم أو يُغديِهم فيقول: كما أنتم حتى يحضر ابني فيأتي رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فيأكل معهم فكانوا يفضلون من طعامهم وإن كان لبنًا شرب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أولهم، ثم يتناول العيال القعب فيشربون منه فيروون عن آخرهم من القعب الواحد وإن كان أحدهم ليشرب قعبا، وحده، فيقول أبو طالب: إنك لمبارك، وكان الصبيان يصبحون شعثا رمصا، ويصبح رسول – صلى الله عليه وسلم – دهينا كحيلا.

قال ابن إسحاق وكان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بعد عبد المطلب مع عمه أبي طالب، وكان عبد المطلب -فيما يزعمون- يوصي به عمه أبا طالب، وذلك لأن عبد الله أبا رسول الله- صلى الله عليه وسلم – وأبا طالب أخوان لأب وأم. أمهما: فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عبد بن عمران بن مخزوم.

قال ابن إسحاق: وكان أبو طالب هو الذي يلي أمر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بعد جده فكان إليه ومعه.

قال ابن إسحاق: وحدثني يحيي بن عباد بن عبد الله بن الزبير، أن أباه حدثه: أن رجلًا من لهب كان عائفًا، فكان إذا قدم مكة أتاه رجال قريش بغلمانهم ينظر إليهم، ويعتاف لهم فيهم قال: فأتى به أبو طالب، وهو غلام مع من يأتيه فنظر إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ثم شغله عنه شيء، فلما فرغ قال: الغلام. عليّ به، فلما رأى أبو طالب حرصه عليه غيبه عنه، فجعل يقول ويلكم ردوا عليّ الغلام الذي رأيت أنفًا فوالله ليكونن له شأن. قال: فانطلق أبو طالب.

قال ابن إسحاق ثم أن أبا طالب خرج في ركب تاجرًا إلى الشام📍 فلما تهيأ للرحيل، وأجمع المسير صبّ به رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فيما يزعمون فرّق له، وقال: والله لأخرجن به معي، ولا يفارقني ولا أفارقه أبدًا، أو كما قال فخرج به معه.

فلما نزل الركب بصرى📍 🌍 من أرض الشام وبها راهب يقال له: بحيرى في صومعة له , وكان إليه علم أهل النصرانية، ولم يزل في تلك الصومعة منذ قط راهب، إليه يصير علمهم عن كتاب فيها فيما يزعمون يتوارثونه كابرا عن كابر فلما نزلوا ذلك العام ببحيرى، وكانوا كثيرا ما يمرون به قبل ذلك، فلا يكلمهم، ولا يعرض لهم، حتى كان ذلك العام فلما نزلوا به قريبا من صومعته صنع لهم طعاما كثيرا وذلك -فيما يزعمون عن شيء رآه وهو في صومعته، يزعمون أنه رأى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وهو في صومعته في الركب حين أقبلوا، وغمامة تظله من بين القوم قال: ثم أقبلوا فنزلوا في ظل شجرة قريبا منه فنظر إلى الغمامة حين أظلت الشجرة، وتهصرت أغصان الشجرة على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حتى استظل تحتها، فلما رأى ذلك بحيرى نزل من صومعته، وقد أمر بذلك الطعام فصنع، ثم أرسل إليهم، فقال: إني قد صنعت لكم طعاما يا معشر قريش، فأنا أحب أن تحضروا كلكم، صغيركم وكبيركم، وعبدكم وحركم، فقال له رجل منهم: والله يا بحيرى إن لك لشأنا اليوم! ما كنت تصنع هذا بنا، وقد كنا نمر بك كثيرًا، فما شأنك اليوم؟ قال له بحيرى: صدقت، قد كان ما تقول، ولكنكم ضيف، وقد أحببت أن أكرمكم، وأصنع لكم طعامًا، فتأكلوا منه كلكم، فاجتمعوا إليه وتخلف رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من بين القوم، لحداثة سنه في رحال القوم تحت الشجرة، فلما نظر بحيرى في القوم لم ير الصفة التي يعرف ويجد عنده، فقال: يا معشر قريش لا يتخلفن أحد منكم عن طعامي، قالوا له يا بحيرى، ما تخلف عنك أحد ينبغي له أن يأتيك إلا غلام، وهو أحدث القوم سنا فتخلف في رحالهم، فقال لا تفعلوا، ادعوه، فليحضر هذا الطعام معكم قال: فقال رجل من قريش مع القوم: واللات والعزى، إن كان للؤم بنا أن يتخلف ابن عبد الله بن عبد المطلب عن طعام من بيننا، ثم قام إليه فاحتضنه، وأجلسه مع القوم.

فلما رآه بحيرى جعل يلحظه لحظًا شديدا، وينظر إلى أشياء من جسده قد كان يجدها عنده من صفته حتى إذا فرغ القوم من طعامهم وتفرقوا، قام إليه بحيرى فقال: يا غلام أسألك بحق اللات والعزى إلا ما أخبرتني عما أسألك عنه وإنما قال له بحيرى ذلك, لأنه سمع قومه يحلفون بهما فزعموا إن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: لا تسألني باللات والعزى شيئا فوالله ما أبغضت شيئًا قط بغضهما، فقال له بحيرى فبالله إلا ما أخبرتني عما أسألك عنه، فقال له سلني عما بدا لك فجعل يسأله عن أشياء من حاله: من نومه وهيئته وأموره، فجعل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يخبره فيوافق ذلك ما عند بحيرى من صفته، ثم نظر إلى ظهره فرأى خاتم النبوة بين كتفيه على موضعه من صفته التي عنده.

قال ابن إسحاق: فلما فرغ، أقبل على عمه أبو طالب، فقال له: ما هذا الغلام منك؟ قال: ابني. قال له بحيرى: ما هو بابنك، وما ينبغي لهذا الغلام أن يكون أبوه حيا، قال: فإنه ابن أخي، قال فما فعل أبوه؟ قال: مات وأمه حبلى به، قال: صدقت، فارجع بابن أخيك إلى بلده، واحذر عليه يهود، فوالله لئن رأوه، وعرفوا منه ما عرفت ليبتغنّه شرا، فإنه كائن لابن أخيك هذا شأن عظيم، فأسرع به إلى بلاده.

فخرج به عمه أبو طالب سريعًا حتى أقدمه مكة حين فرغ من تجارته بالشام، فزعموا فيما روى الناس: أن زريرًا وتمامًا ودريسًا -وهم نفر من أهل الكتاب- قد كانوا رأوا من رسول الله- صلى الله عليه وسلم – مثل ما رآه بحيرى في ذلك السفر الذي كان فيه مع عمه أبي طالب، فأرادوه، فردهم عنه بحيرى، وذكرهم الله وما يجدون في الكتاب من ذكره وصفته، وأنهم إن أجمعوا لما أرادوا به لم يخلصوا إليه، ولم يزل بهم. حتى عرفوا ما قال لهم، وصدقوه بما قال، فتركوه وانصرفوا عنه.

وقد أورد الإمام الترمذي هذه الحادثة وزاد فيه: “حين سأله أشياخ من قريش عن سبب ما فعل قال لهم: إنكم حين أشرفتم من العقبة لم يبقَ شجر ولا حجر إلا خر ساجدا، ولا يسجدان إلا لنبي، وإني أعرفه بخاتم النبوة أسفل من غضروف كتفه مثل التفاحة، ثم رجع فصنع لهم طعاما، فلما أتاهم به وكان هو في رعي الإبل قال: أرسلوا إليه، فأقبل وعليه غمامة تظله، فلما دنا من القوم وجدهم قد سبقوه إلى فيء الشجرة، فلما جلس مال فيء الشجرة عليه فقال: انظروا إلى فيء الشجرة مال عليه، وبينما هو قائم عليهم، يناشدهم ألا يذهبوا به إلى الروم، فإن الروم إذا رأوه عرفوه بالصفة فيقتلوه، فالتفت فإذا بسبعة قد أقبلوا من الروم فاستقبلهم فقال: ما جاء بكم؟

قالوا: جئنا لهذا النبي الذي أظلنا زمانه، فلم يبقَ طريق إلا بُعث إليه بأناس منا، وإنا قد بُعثنا إلى طريقك هذا.

فقال: هل خلفكم أحد هو خير منكم؟

قالوا: إنما اخترنا خيرتنا لك، لطريقك هذا.

قال: أفرأيتم أمرا أراد الله أن يقضيه هل يستطيع أحد من الناس رده؟

قالوا: لا.

فلما رد الرومان قال لأبي طالب ومَن معه: أنشدكم الله أيكم وليه؟

قالوا: أبو طالب، فلم يزل يناشده حتى رده أبو طالب”.

*ويبدو أنها حادثة أخرى؛ لأن رواية ابن إسحاق كانت التحذير من اليهود، والتحذير في هذه الحادثة كان من الروم، وأيضا فإن الحادثة الأولى حددت اسم الراهب وهو بحيرى، بينما هذه الحادثة لم تذكر اسما معينا.

اشترك محمد صلى الله عليه وسلم بحرب الفجار التي وقعت بين قريش وهوازن وعمره خمسة عشر عاما.
وسبب وقوعها أن النعمان بن المنذر أتى مكة بإبل تحمل الحرير والعطر، ويسميها العرب “لطيمة”، أتى بها لبيعها في سوق عكاظ 📍، فلما نزلت عند بئر “أوارة”📍 أراد البراض بن قيس -وكان صعلوكا خليعا- أن يستولي على اللطيمة لضعف صاحبها المنذري، وبعد قومه من مكة، فاستجار النعمان بـ”عروة الرحال بن ربيعة” ليقوي ضعفه، ويصد عنه عدوان كنانة، فأجار عروة اللطيمة، وأصبح العدوان عليها عدوانا على عروة وقبيلته.
فجاء البراض بن قيس أحد بني ضمرة يعاتب عروة، ويقول له: أتجير اللطيمة على كنانة؟!!
فقال عروة: نعم، وأجيرهم على الخلق كلهم.
وأدت هذه المواجهة الساخنة بني الرجلين إلى أن خرج عروة الرحال في سفره فتبعه البراض بن قيس، يطلب غفلته لينال منه، حتى إذا وصلا إلى “تيمن ذي ظلال”📍 وهو وادٍ بعالية نجد📍 غفل عروة، وهو ابن ربيعة بن جعفر بن كلاب، فوثب عليه البراض، وقتله في شهر شوال، وهو من الأشهر الحرم، وتعرف هذه الحرب بـ”فجار البراض”.

أدى مقتل عروة إلى قيام حرب الفجار -بكسر الفاء وفتح الجيم- وسماها العرب بهذا الاسم بسبب وقوعها في الأشهر الحرم؛ لأنهم لمّا تقاتلوا لم يأبهوا بحرمة الأيام، ولا بحرمة المكان، وقالوا: قد فجرنا وارتكبنا ذنبا عظيما، وبذلك سميت الحرب بهذا الاسم.
وقيل: إنما سميت بذلك لأن كلا الطرفين استحلا من المحارم بينهم ما لم يكن يقع في أيام العرب الأخرى.
وقد جاء خبر مقتل عروة إلى قريش، وهي بعكاظ فتركت السوق، ورحلت حيث عروة، وهوازن لا تشعر، وانفض السوق، ولم يقم بعكاظ سوق هذا العام.
علمت هوازن بعد ذلك أن قريشا ذهبت تيمن ذي ظلال، فاتبتعها ورأتها راجعة إلى مكة ، وأدركتها قبل أن تدخل الحرم، فاقتتلوا حتى جاء الليل.
فلما دخلت قريش الحرم أمسكت هوازن فوقفت الحرب، ولكنهم تواعدوا على اللقاء في عكاظ من العام القادم حيث كان يوم شمطة، وقد استمرت أيامهم بعد ذلك مدة طويلة.
وانتظم الفريقان خلال اقتتالهما تحت قيادة واحدة لكل قبيلة، حيث كان لكل بطن من قريش وكنانة رئيس منهم، ولكل قبيلة من قيس رئيس منهم، وعلى القبائل جميعا عند كل طرف رئيس واحد، وبهذا التنظيم يلتزم كل فرد بما يوجبه عليه العرف القبلي؛ حفاظا على وضع القبيلة، وحماية لها من الذل والهوان.

ولذلك أشرك أبناء عبد المطلب محمدا صلى الله عليه وسلم معهم في حرب الفجار، وكانت مشاركة محمد صلى الله عليه وسلم في هذه الحرب دفاعا عن أعمامه؛ حيث يقول صلى الله عليه وسلم: “كنت أنبل على أعمامي” أي: أرد عنهم نبل عدوهم إذا رموهم بها.
ويقول ابن سعد: إن محمدا حضر الحرب مع أعمامه، ورمى بالسهام.

سبب حلف الفضول
كان أول من تكلم به ودعا إليه الزبير بن عبد المطلب عم رسول الله – صلى الله عليه وسلم -. وكان سببه أن رجلًا من زبيد📍 قدم مكة📍 ببضاعة فاشتراها منه العاصي بن وائل السّهمي وكان ذا قَدْر وشرف بمكة فحبَس عنه حقه فاستعدى عليه الزبيديُّ الأحلاف عبد الدار ومخزومًا وجمحًا وسَهْمًا فأبوا أن يعينوا الزبيدي على العاصي بن وائل وزبَروه ونَهروه فلما رأى الزبيدي الشَّر رقى على أبي قُبَيْس📍 عند طلوع الشمس وقريش في أنديتهم حول الكعبة فقال بأعلى صوته:
يَا آَلَ فِهْرٍ لِمَظْلُومٍ بِضَاعَتَه … بِبَطْنِ مَكْةَ نَائِي الدَّارِ وَالنَّفَرِ
ومُحْرمٍ أشْعَثَ لَمْ يَقْضِ عُمْرتَهُ … يَا لَلرِّجَالِ وَبينَ الحِجْرِ وَالْحَجَرِ
إِنَّ الحَرَامَ لِمَنْ تَمَّتْ مَكَارِمُهُ … وَلا حَرَامَ لِثَوْبِ الفَاجِرِ الغُدَرِ
فقام في ذلك الزبير بن عبد المطلب وقال ألهذا مَتْرك؟ فاجتمعت هاشم وزُهْرة وتَيم في دار عبد الله ابن جُدْعان فصنع لهم طعامًا فحالفوا في القعدة في شهر حرام قيامًا فتعاقدوا وتعاهدوا ليكونن يدًا واحدة مع المظلوم على الظالم حتى يؤدى إليه حقه ما بَلَّ بَحْر صوفة وما رَسَا حِرَاء📍 وثَبِير📍 مكانهما، وعلى التآسي في المعاش. فسمَّت قريش ذلك الحلف حلف الفُضول وقالوا: لقد دخل هؤلاءِ في فُضولٍ من الأمر. ثم مشوا إلى العاصي بن وائِل. فانتزعوا منه سلعة الزبيدي فدفعوها إليه.

وقد شهده رسول الله – صلى الله عليه وسلم – مع عمومته، (ولم يشهد غيره)، فكان يقول: شهدت مع عمومتي حلف المطيبين، فما أحب أن أنكثه وأن لي حمر النعم. وكان يقول: لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفا، لو دعيت به في الإِسلام لأجبت، تحالفوا على أن ترد الفضول على أهلها، وأن يكونوا يدا واحدة للمظلوم على الظالم. 

روي الحاكم بسنده عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم -يقول: “ما هممت بما كان أهل الجاهلية يهمّون به إلَّا مرّتين من الدهر، كلاهما يعصمني الله تعالي منهما، قلت ليلة لفتىً كان معي من قريش، في أعلى مكة📍 في أغنام لأهلها ترعى، أبصر لي غنمي حتى أسمر هذه الليلة بمكة📍 كما تسمُرُ الفتيان، قال: نعم، فخرجت فلمّا جئت أدنى دارٍ من مكة سمعت غُنا وصوت دفوف وزمر، فقلت: ما هذا؟ قالوا فلانٌ تزوّج فلانةً لرجلٍ من قريش تزّوج امرأةً، فلهوت بذلك الغنا والصوت حتى غلبتني عيني فنمت فما أيقظني إلا مسُّ الشمس، فرجعت فسمعت مثل ذلك، فقيل لي مثل ما قيل لي، فلهوت بما سمعت وغلبتني عيني فما أيقظني إلا مسُّ الشمس، ثم رجعت إلى صاحبي، فقال: ما فعلت؟ فقلت: ما فعلت شيئًا. قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: “فوالله ما هممت بعدها أبدًا بسوءٍ مما يعمل أهل الجاهلية حتى أكرمني الله تعالي بنبوته”

عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: “لقد رأيتنا مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بَمرِّ الظَّهْران📍 نَجْني الكَباثَ، ، ويقول: عليكم بالأسود منه، فإنه أطيَبُ، فقلت: أكنت ترعى الغنم؟ قال: وهل من نبيٍّ إلا ورعاها؟ ” 
قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: (أحْسِنُوا إلى المَاعِزِ وامسَحُوا عنها الرَّغَامَ فإنَّها مِن دوابِّ الجَنَّةِ، ما من نبيٍّ إلَّا قد رعى، قالُوا: وأنت؟ قال: وأنا قد رَعَيْتُ الغَنَمَ) 
عن أبي هريرة، عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: (ما بعث الله نبيًّا إلا رعى الغنم فقال أصحابه وأنت؟ فقال: (نعم كنت أرعى على قراريط لأهل مكة) 
عن أبي سعيد الخدري قال: افتخر أهل الإبل والغنم عند رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -:
(الفَخْرُ والخُيَلاءُ في أهل الإبل، والسَّكِيْنَةُ والوقارُ في أهل الغنم).

وقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -:
(بُعِثَ مُوسى – صلى الله عليه وسلم – وهو يرعى غنمًا على أهلِهِ، وبُعِثْتُ أنا وأنا أرعى غنما لأهلي بِجِيَادٍ). 
عن أبي إسحاق، عن عبدة بن حزن النصري قال: (تفاخَر عِند رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أصحاب الإبل وأصحاب الغنم، فقال أصحاب الإبل: وما أنتم يا رُعاة الشَّاءِ، هل تُحِبُّون شيئًا أو تصِيدُونَهُ؟ ما هيَ إلا شُوَيْهَاتٌ، أحَدُكُمْ يَرْعَاهَا ثُمَّ يَرْفَعُهَا، حتى أصْمَتُوهُمْ، فقال النبيُّ – صلى الله عليه وسلم -: بُعِثَ داوُدُ وَهُوَ رَاعِي غَنَمٍ، وبُعِثَ مُوسى وَهُوَ رَاعِي غَنَمٍ، وبُعِثْتُ أَنَا وَأَرْعى غَنَمَ أَهْلي بأجيادَ📍، فَغَلَبَهُمْ أصْحَابُ الغَنَمِ).
عن أبي هريرة؛ قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: (مَا بَعَثَ الله نَبيًا إلَّا رَاعيَ غَنَمٍ) قال له أصحابه: وأنت يا رسول الله! قال: (وَأَنَا)

 عن نفيسة بنت أمية قالت: لما بلغ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – خمسًا وعشرين سنة وليس له. بمكة📍 اسم إلا الأمين لما تكامل فيه من خصال الخير، قال له أبو طالب: يا ابن أخي أنا رجل لا مال لي وقد اشتد الزمان علينا وألحَّتْ علينا سنُون مُنْكرة وليست لنا مادة ولا تجارة، وهذه عيرُ قومك قد حضر خروجها إلى الشام📍 وخديجة بنت خويلد تبعث رجالًا من قومك في عيراتها فيتْجرون لها في مالها ويصيبون منافع، فلو جئتها وعرضتَ نفسك عليها لأسرعتْ إليك وفضَّلتك على غيرك، لِمَا يبلغها عنك من طهارتك وإن كنت أكره أن تأتي الشامَ، وأخاف عليك من يهود، ولكن لا نجد من ذلك بُدَّا.

وكانت خديجة امرأة تاجرة ذات شرف ومال كثير وتجارة تبعث بها إلى الشام فيكون عيرها كعامة عير قريش، وكانت تستأجر الرجال وتدفع إِليهم الأموال مضارِبةً، وكانت قريش قومًا تجارًا ومن لم يكن تاجرًا من قريش فليس عندهم بشيء فقال له رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: فلعلها ترسل إليّ في ذلك. فقال أبو طالب: إني أخاف أن تولِّي غيرك فتطلب أمرًا مُدْبرًا. 
وبلغ خديجة ما كان من محاورة عمه له وقبْل ذلك ما كان من صدق حديثه وعِظَم أمانته وكرم أخلاقه؛ فقالت: ما علمتُ أنه يريد هذا.
ثم أرسلت إليه فقالت: إِنه دعاني إلى البعث إليك ما بلغني من صِدق حديثك وعِظَم أمانتك وكرم أخلاقك، وأنا أعطيك ضِعف ما أعطي رجلًا من قومك.
ففعل رسول الله – صلى الله عليه وسلم -. ثم لقي عمه أبا طالب فذكر له ذلك فقال: إن هذا لَرزقْ ساقه الله إليك.
فخرج رسول الله – صلى الله عليه وسلم – مع غلامها مَيْسرة، وقالت خديجة لميسرة: لا تَعْص له أَمرًا ولا تخالف له رأيًا.
فخرج هو وميسرة وعليه غَمامة تظله وجعل عمومته يُوصون به أهل العِير.
فخرج حتى قدم الشام فنزلا في سوق بُصْرَى📍 🌍 في ظل شجرة قريبًا من صومعة راهب يقال له نَسطورا. فاطَّلع الراهب إلى ميسرة -وكان يعرفه- فقال: يا ميسرة من هذا الذي نزل تحت هذه الشجرة؟ فقال ميسرة: رجل من قريش. فقال الراهب: ما نزل تحت هذه الشجرة قطّ إلا نبي، أفي عينيه حُمْرة؟ قال ميسرة: نعم لا تفارقه. فقال الراهب: هو هو وهو آخر الأنبياء، ويا ليت أني أدركه حيث يُؤْمر بالخروج.

ثم باع رسول الله- صلى الله عليه وسلم – سلعته التي خرج بها، واشترى ما أراد أن يشتري، ثم أقبل قافلًا إلى مكة، ومع مَيْسَرة، فكان ميْسرة -فيما يزعمون- إذا كانت الهاجرة، واشتدّ الحَرّ، يرى مَلَكَين يُظِلّانه من الشمس- وهو يسير على بعيره فلما قدم مكة على خديجة بمالها، باعت ما جاء به، فأضعف أو قريبًا. وحدّثها ميسرة عن قول الراهب، وعما كان يرى من إظلال الملكين إياه.

*خروجه إلى سوقِ حُباشةَ📍 🌍
قال حكيم ابن حزام وقد رأيت رسول الله صلي عليه وآله وصحبه وسلم يحضرها واشتريت منها بزًا من بز تهامة

وكان ممّن تاجر لهم صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم خديجة بنت خويلد [استأجرته سفرتين إلى جرش📍 🌍 كل سفرة بقلوص [وكانت امرأة ذات مال]

*شريك رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم في التجارة قبل الإِسلام
عن مجاهد عن السائب بن أبي السائب أنه كان يشارك رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قبل الإِسلام في التجارة فلما كان يوم الفتح جاءه فقال النبي – صلى الله عليه وسلم – مرحبا بأخي وشريكي كان لا يداري ولا يماري يا سائب قد كنت تعمل أعمالًا في الجاهلية لا تقبل منك وهي اليوم تقبل منك وكان ذا سلف وصلة.
وروي بسنده عن السائب قال: أتيتُ النبيَّ – صلى الله عليه وسلم – فجعلوا يُثنون عليَّ، ويذكرونني، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “أنا أعلمكم به”، قلت: صدقت بأبي أنت وأمي، كنت شريكي فنعم الشريك كنت لا تُداري ولا تماري.

قال ابن شهاب الزهري: فلمّا استوى وبلغ أشدَّه، وليس له كثير مال، استأجرته خديجة ابنة خُويلد، إلى سوق حُباشَة 📍-وهو سوق بتهامة- واستأجرت معه رجلًا آخر من قريش، فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وهو يحدث عنها: ما رأيت من صاحبة أجير خيرًا من خديجة، ما كنا نرجع أنا وصاحبي إلَّا وجدنا عندها تحفة طعام تخبئه لنا، فقال: فلما رجعنا من سوق حُباشَة -قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-: قلت لصاحبي: انطلق بنا نتحدث عند خديجة، قال: فجئناها، فبينا نحن عندها، إذ دخل علينا مستنشئة من مولدات قريش -والمستنشئة: الكاهنة التي تستنشيء الرجل- قالت: أمحمد هذا، والذي يُحلف به إن جاء لخاطبًا، فقلت كلَّا، فلما خرجنا أنا وصاحبي، قال: أمِنْ خطبة خديجة تستحي، فوالله ما من قرشية إلَّا تراك لها كفوًا، قال: فرجعت إليها مرة أخرى، فدخلت علينا تلك المستنشئة، فقالت: أمحمد هذا؟ والذي يُحلف به إن جاء لخاطبًا، قال: قلت على حياء: أجل، قال: فأرسلت خديجة وراء أختها، فانطلقت إلى أبيها خويلد بن أسد -وهو ثمل من الشراب- فقالت: هذا ابن أخيك محمَّد بن عبد الله يخطب خديجة، وقد رضيت خديجة، فدعاه، فسأله عن ذلك، فخطب إليه، فأنكحه، قال: فخَلَّقته خديجة، وحَلَّت عليه حلة، فدخل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم بها، فلما أصبح، صحا الشيخ من سكره، فقال: ما هذا الخلوق، وما هذه الحُلَّة؟ قالت أخت خديجة: هذه حلَّة كساكها ابن أخيك محمد بن عبد الله أنكحته خديجة، وقد بنى بها، فأنكر الشيخ، ثم سلَّم 

و عن جابر بن سمرة -أو رجل من الصحابة- قال: (كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يرعي غنمًا، فاستعلى الغنم،فكان في الإبل هو وشريك له، فاكتريا أخت خديجة، فلمّا قضوا السفر بقي لهم عليها شيء فجعل شريكه يأتيهم فيتقاضاهم، ويقول لمحمد: انطلق، فيقول: اذهب أنت، فإني أستحي، فقالت مرّة -وأتاهم-: فأين محمَّد لا يجيء معك؟ قال: قلت له، فزعم أنه يستحي، فقالت: ما رأيت رجلًا أشد حياءً ولا أعف ولا ولا! فوقع في نفس أختها خديجة، فبعثت إليه، فقالت: اِئْتِ أبي فاخطبني إليه، فقال: أبوك رجل كثير المال، وهو لا يفعل، قالت: انطلق فالقه فكلّمه، ثم أنا أكفيك، وأْتِهِ عند سكره، ففعل فأتاه فزوّجه، فلما أصبح جلس في المجلس، فقيل له: قد أحسنت زوّجت محمدًا، قال: أوَفعلت؟ قالوا: نعم، فقام فدخل عليها، فقال: إن الناس يقولون: إني قد زوّجت محمدًا وما فعلت، قالت: بلى، فلا تُسفِّهنِّ رأيك، فإن محمدًا كذا، فلم تزل به حتى رضي، ثم بعثت إلى محمَّد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم بأوقيَّتين من فضة أو ذهب وقالت: اشتر حُلّة واهدها لي، وكبشًا وكذا وكذا، ففعل).

وُلد القاسم رضي الله عنه قبل البعثة وبه يكنى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

وُلدت زينب رضي الله عنها قبل البعثة وتزوجها أبو العاص بن الربيع قبل الإسلام وولدت له أمامة تزوجها علي بن أبي طالب وتوفيت سنة 8هـ 641م وعمرها إحدى وثلاثون سنة

وُلدت رقية رضي الله عنها قبل البعثة بثمان سنين وتزوجها عثمان بن عفان رضي الله عنه في الإسلام وولدت له  ولدًا سمّاه عبد الله وبه كان يُكنّى، توفيت وعمرها 25 عامًا عام 2هـ 635م 

وُلدت أم كلثوم رضي الله عنها قبل البعثة بخمس سنوات وتزوجها عثمان بن عفان رضي الله عنه في الإسلام في العام الثالث للهجرةولم تنجب أولادا وتوفيت وعمرها29 عامًا سنة 9هـ 64م

 عن ابن أبي نجيح عن أبيه قال: جلس رجال من قريش في المسجد الحرام📍 فيهم حويطب بن عبد العزى ومخرمة بن نوفل فتذاكروا بنيان قريش الكعبة وما هاجهم على ذلك وذكروا كيف كان بناؤها قبل ذلك قالوا: كانت الكعبة مبنية برضم يابس ليس بمدر وكان بابها بالأرض ولم يكن لها سقف وإنما تدلى الكسوة على الجدر من خارج وتربط من أعلا الجدر من بطنها وكان في بطن الكعبة عن يمين من دخلها جب يكون فيه ما يهدى إلى الكعبة من مال وحلية كهيئة الخزانة وكان يكون على ذلك الجب حية تحرسه بعثها الله منذ زمن جرهم وذلك إنّه عدا على ذلك الجب قوم من جرهم فسرقوا مالها وحليتها مرة بعد مرة فبعث الله تلك الحية فحرست الكعبة وما فيها خمسمائة سنة فلم تزل كذلك حتى بنت قريش الكعبة وكان قرنا الكبش الذي ذبحه إبراهيم خليل الرحمن معلقين في بطنها بالجدر تلقا من دخلها، يخلقان ويطيبان إذا طيب البيت فكان فيها معاليق من حلية كانت تهدى إلى الكعبة فكانت على ذلك من أمرها ثم أن امرأة ذهبت تجمر الكعبة فطارت من مجمرتها شرارة فأحرقت كسوتها وكانت الكسوة عليها ركامًا بعضها فوق بعض فلما احترقت الكعبة توهنت جدرانها من كل جانب وتصدعت وكانت الخرف الأربعة عليهم مظللة والسيول متواترة، ولمكة سيول عوارم فجاء سيل عظيم على تلك الحال فدخل الكعبة وصدع جدرانها وأخافهم ففزعت من ذلك قريش فزعًا شديدًا وهابوا هدمها وخشوا أن مسوها أن ينزل عليهم العذاب قال: فبينا هم على ذلك يتناظرون ويتشاورون إذ أقبلت سفينة للروم حتى إذا كانت بالشعبية📍 وهي يومئذ ساحل مكة قبل جدة انكسرت فسمعت بها قريش فركبوا إليها فاشتروا خشبها وأذنوا لأهلها أن يدخلوا مكة فيبيعون ما معهم من متاعهم على أن لا يعشروهم، قال: وكانوا يعشرون من دخلها من تجار الروم كما كانت الروم تعشر من دخل منهم بلادها، فكان في السفينة رومي نجار بناء يسمى باقوم فلما قدموا بالخشب مكة قالوا: لو بنينا بيت ربنا فأجمعوا لذلك وتعاونوا عليه وترافدوا في النفقة وربعوا قبائل قريش أرباعًا ثم اقترعوا عند هبل في بطن الكعبة على جوانبها فطار قدح بن عبد مناف وبني زهرة على الوجه الذي فيه الباب وهو الشرقي وقدح بن عبد الدار وبني أسد بن عبد العزى وبني عدي بن كعب على الشق الذي يلي الحجر وهو الشق الشامي وطار قدح بني سهم وبني جمح وبني عامر بن لؤي على ظهر الكعبة وهو الشق الغربي وطار قدح بني تيم وبني مخزوم وقبائل من قريش ضموا معهم على الشق اليماني الذي يلي الصفا وأجياد، فنقلوا الحجارة ورسول الله يومئذ غلام لم ينزل عليه الوحي ينقل معهم الحجارة على رقبته فبينا هو ينقلها إذ انكشفت نمرة كانت عليه فنودي يا محمَّد عورتك وذلك أول ما نودي والله أعلم فما رؤيت لرسول الله صلي الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم عورة بعد ذلك ولبج برسول الله من الفزع حين نودي، فأخذه العباس بن عبد المطلب فضمه إليه وقال: لو جعلت بعض نمرتك على عاتقك تقيك الحجارة، قال: ما أصابني هذا إلا من التعري، فشد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم إزاره وجعل ينقل معهم وكانوا ينقلون بأنفسهم تبررا وتبركًا بالكعبة. فلما اجتمع لهم ما يريدون من الحجارة والخشب وما يحتاجون إليه عدوا على هدمها فخرجت الحية التي كانت في بطنها تحرسها سوداء الظهر، بيضاء البطن، رأسها مثل رأس الجدي، تمنعهم كلما أرادوا هدمها، فلما رأوا ذلك اعتزلوا عند مقام إبراهيم📍 وهو يومئذ بمكانه الذي هو فيه اليوم فقال لهم الوليد بن المغيرة: يا قوم ألستم تريدون بهدمها الإصلاح؟ قالوا: بلي قال: فإن الله لا يهلك المصلحين ولكن لا تدخلوا في عمارة بيت ربكم إلا من طيب أموالكم ولا تدخلوا فيه مالًا من ربا , ولا مالًا من ميسر، ولا مهر بغي، وجنبوه الخبيث من أموالكم فإن الله لا يقبل إلا طيبًا ففعلوا ثم وقفوا عند المقام فقاموا يدعون ربهم ويقولون: اللَّهم إن كان لك في هدمها رضًا فأتمه واشغل عنا هذا الثعبان فأقبل طائر من جو السماء كهيئة العقاب ظهره أسود، وبطنه أبيض، ورجلاه صفراوان والحية على جدر البيت فاغرة فاها فأخذ برأسها ثم طار بها حتى أدخلها أجياد الصغير📍 فقالت قريش: انّا لنرجوا أن يكون الله سبحانه وتعالي قد رضي عملكم وقبل نفقتكم فاهدموه، فهابت قريش هدمه وقالوا: من يبدأ فيهدمه؟ فقال الوليد بن المغيرة: أنا أبدؤكم في هدمه، أنا شيخ كبير فإن أصابني أمر كان قد دنا أجلي وإن كان غير ذلك لم يرزأني فعلا البيت وفي يده عتلة يهدم بها فتزعزع من تحت رجله حجر فقال: اللَّهم لم ترع؟ إنما أردنا الإصلاح وجعل يهدمه حجرًا حجرًا بالعتلة فهدم يومه ذلك فقالت قريش: إنا نخاف أن ينزل به العذاب إذا أمسى. فلما أمسى، لم تر بأسًا فأصبح الوليد بن المغيرة غاديًا على عمله فهدمت قريش معه حتى بلغوا الأساس الأول الذي رفع عليه إبراهيم وإسماعيل القواعد من البيت فأبصروا حجارة كأنها الإبل الخلف لا يطيق الحجر منها ثلاثون رجلًا، يحرك الحجر منها فترتج جوانبها، قد تشبك بعضها ببعض فأدخل الوليد بن المغيرة عتلته بين الحجرين فانفلقت منه فلقة عظيمة فأخذها أبو وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم فنزت من يده حتى عادت في مكانها وطارت من تحتها برقة كادت أن تخطف أبصارهم ورجفت مكة بأسرها فلما رأوا ذلك امسكوا عن أن ينظروا ما تحت ذلك فلما جمعوا ما اخرجوا من النفقة قلت النفقة عن أن تبلغ لهم عمارة البيت كله فتشاوروا في ذلك فأجمع رأيهم على أن يقصروا عن القواعد ويحجروا ما يقدرون عليه من بناء البيت ويتركوا بقيته في الحِجْر📍 عليه جدار مدار يطوف الناس من ورائه ففعلوا ذلك وبنوا في بطن الكعبة أساسًا يبنون عليه من شق الحجر وتركوا من ورائه من فناء البيت في الحجر ستة أذرع وشبرًا فبنوا على ذلك فلما وضعوا أيديهم في بنائها قالوا: ارفعوا بابها من الأرض واكبسوها حتى لا تدخلها السيول ولا ترقا إلا بسلم ولا يدخلها إلا من أردتم إن كرهتم أحدًا دفعتموه، ففعلوا ذلك وبنوها بساف من حجارة، وساق من خشب بين الحجارة حتى انتهوا إلى موضع الركن فاختلفوا في وضعه وكثر الكلام فيه وتنافسوا في ذلك فقالت بنو عبد مناف وزهرة: هو في الشق الذي وقع لنا وقالت تيم ومخزوم: هو في الشق الذي وقع لنا وقالت سائر القبائل: لم يكن الركن مما أسهمنا عليه فقال أبو أمية بن المغيرة: يا قوم إنما أردنا البر، ولم نرد الشر فلا تحاسدوا , ولا تنافسوا فإنكم إذا اختلفتم تشتت أموركم، وطمع فيكم غيركم ولكن حكموا بينكم أول من يطلع عليكم من هذا الفج، قالوا: رضينا وسلمنا، فطلع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فقالوا: هذا الأمين قد رضينا به، فحكموه، فبسط رداءه ثم وضع فيه الركن فدعا من كل ربع رجلًا فأخذوا بأطراف الثوب فكان من بني عبد مناف عتبة بن ربيعة وكان في الربع الثاني أبو زمعة بن الأسود، وكان أسن القوم وفي الربع الثالث العاصي بن وائل، وفي الربع الرابع أبو حذيفة بن المغيرة فرفع القوم الركن وقام النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم على الجدر ثم وضعه بيده فذهب رجل من أهل نجد ليناول النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم حجرًا ليشد به الركن فقال العباس بن عبد المطلب: لا. وناول العباس النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم حجرًا فشد به الركن فغضب النجدي حيث نحي فقال النجدي: واعجباه لقوم أهل شرف وعقول وسن وأموال عمدوا إلى أصغرهم سنًا، وأقلهم مالًا فرأسوه عليهم في مكرمتهم وحوزهم كأنهم خدم له أما والله ليفوتنهم سبقًا وليقسمن عليهم حظوظًا وجدودًا ويقال: إنّه إبليس فبنوا حتى رفعوا أربعة أذرع وشبرًا ثم كبسوها ووضعوا بابها مرتفعًا على هذا الذرع ورفعوها بمدماك خشب ومدماك حجارة حتى بلغوا السقف. فقال لهم باقوم الرومي: أتحبون أن تجعلوا سقفها مكبسا أو مسطحًا؟ فقالوا: بل ابن بيت ربنا مسطحا. قال: فبنوه مسطحا وجعلوا فيه ست دعايم في صفين في كل صف ثلاث دعايم من الشق الشامي الذي يلي الحجر إلى الشق اليماني وجعلوا ارتفاعها من خارجها من الأرض إلى أعلاها ثمانية عشر ذراعا وكانت قبل ذلك تسعة أذرع فزادت قريش في ارتفاعها في السماء تسعة أذرع أخر وبنوها من أعلاها إلى أسفلها بمدماك من حجارة ومدماك من خشب وكان الخشب خمسة عشر مدماكًا والحجارة ستة عشر مدماكًا وجعلوا ميزابها يسكب في الحِجْر وجعلوا درجة من خشب في بطنها في الركن الشامي يصعد منها إلى ظهرها، وزوقوا سقفها وجدرانها من بطنها ودعائمها، وجعلوا في دعائمها صور الأنبياء، وصور الشجر، وصور الملائكة، فكان فيها صورة إبراهيم خليل الرحمن شيخ يستقسم بالأزلام، (وصورة إسماعيل وفي يده الأزلام) وصورة عيسي ابن مريم وأمه (وكان تمثال مريم مزوقا في حِجْرها عيسي ابنها قاعدا مزوقا، في العمود الأوسط من اللاتي تلين الباب) وصورة الملائكة عليهم السلام أجمعين، (وكان فيها حمامة من عيدان)، وجعلوا لها باب واحد فكان يغلق ويفتح وكانوا قد أخرجوا ما كان في البيت من حلية ومال، (وقرني الكبش) وجعلوه عند أبي طلحة عبد الله بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار بن قصي، وأخرجوا هبل وكان على الجب الذي فيه نصبه عمرو بن لحي هنالك، ونصب عند المقام حتى فرغوا من بناء البيت فردوا ذلك المال في الجب، وعلقوا فيه الحلية (وقرني الكبش) وردوا الجب في مكانه فيما يلي الشق الشامي، ونصبوا هبل على الجب كما كان قبل ذلك، وجعلوا له سلما يصعد عليه إلى بطنها، وكسوها حين فرغوا من بنائها حبرات يمانية).

(ولم يكن حول البيت حائط) (وكان حوله ثلاثماثة وستون صنما)

وُلدت فاطمة رضي الله عنها قبل البعثة بسنتين وتزوجها علي بن أبي طالب رضي الله عنه في الإسلام وأنجبت له الحسن والحسين وزينب وأم كلثوم توفيت وعمرها 27 عامًا سنة 11هـ 643م

1- إِخبار اليهود عن بعثته (صلى الله عليه وسلم):
عن سلمة بن سلامة بن وقش -رضي الله عنه – وكان من أصحاب بدر قال: كان لنا جار يهودي من يهود بني عبد الأشهل فخرج علينا يومًا من بيته قبل مبعث النبي بيسير فوقف على المجلس قال سلمة: وأنا يومئذ أحدث من فيه سنًا عليّ بردة مضطبعًا فيها، فذكر البعث والقيامة والحساب والميزان والجنة والنار، فقال ذلك لقوم أهل شرك وأصحاب أوثان لا يرون أن بعثًا كائن بعد الموت. فقالوا: ويحك يا فلان، ترى هذا كائنًا. قال: نعم، قالوا: ويحك وما آية ذلك؟ قال: نبي يبعث من نحو هذه البلاد وأشار بيده نحو مكة📍 واليمن📍. قالوا: ومتى تراه؟ قال: فنظر إِليّ فقال: إِن يستنفذ هذا الغلام عمره يدركه قال: سلمة: فوالله ما ذهب الليل والنهار حتى بعث الله تعالى رسوله – صلى الله عليه وسلم – وهو حي بين أظهرنا يعني اليهودي فآمنا به وكفر به بغياً وحسدًا”.

2-تسليم الحجر والشجر على النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم:
نقل ابن إسحاق عن بعض أهل العلم، أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم -حين أراده الله بكرامته، وابتدأه بالنبوة- كان إذا خرج لحاجته أبعد حتى تحسر عنه البيوت، ويفضي إلى شعاب، مكة وبطون أوديتها، فلا يمر رسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم بحجر ولا شجر إلا قال: السلام عليكم يا رسول الله، قال: فيلتفت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم حوله وعن يمينه وشماله وخلفه فلا يرى إلَّا الشجر والحجارة، فمكث رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم كذلك يرى ويسمع ما شاء الله أن يمكث، ثم جاءه جبريل بما جاءه من كرامة الله وهو بحراء في شهر رمضان.
روى مسلم بسنده عن جابر بن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: “إني لأعرف حجرًا بمكة كان يسلم عليّ قبل أن أبعث، إني لأعرفه الآن”.
روى أحمد بسنده عن جابر بن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: إن بمكة لحجرًا كان يسلم عليّ ليالي بعثت، إني لأعرفه إذا مررت به”.
روى الترمذيُّ بسنده عن علي بن أبي طالب قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم بمكة، فخرجنا في بعض نواحيها، فما استقبله جبلٌ ولا شَجرٌ إلا وهو يقول: السلام عليك يا رسول الله.

3-إخبار الكهان والجان ببعثته (صلى الله عليه وسلم):
كان الجن يسترقون السمع فيأخذون الكلمة والكلمتان من الحق ثم يلقون بها إِلى أولياءهم من الأنس، وهم الكهان فيخلطونها بكهانتهم، ومن هذا ما كان من الأخبار عن بعثة النبي – صلى الله عليه وسلم – واقتراب زمانها، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: ما سمعت عمر لشيء قط يقول: إِني لأظنه كذا إِلا كان كما يظن. قال: وبينما عمر جالس إِذ مر به رجل جميل، فقال عمر: لقد أخطأ ظني أو إِنّ هذا على دينه في الجاهلية، أو لقد كان كاهنهم، عليّ الرجل، فدعي له، فقال له ذلك. فقال: ما رأيت كاليوم استقبل به رجل مسلم! قال: فإِني أعزم عليك إِلا ما أخبرتني قال: كنت كاهنهم في الجاهلية.
قال: فما أعجب ما جاءتك به جنيتك؟ قال: بينما أنا يومًا في السوق، جاءتني أعرف منها الفزع فقالت:
ألم تر الجن وإِبلاسَها
ويأسها من بعد إِنكاسِها
ولحوقها بالقلاص وأحلاسها قال عمر: صدق، بينما أنا عند آلهتهم إِذ جاء رجل بعجل فذبحه، فصرخ به صارخ لم أسمع صارخًا قط أشد صوتًا منه يقول: يا جليح، أمر نجيح، رجل فصيح يقول: لا إِله إِلا أنت، فوثب القوم، قلت: لا أبرح حتى أعلم ما وراء هذا. ثم نادى: يا جليح، أمر نجيح، رجل فصيح، يقول: لا إِله إِلا أنت، فقمت فما نشبنا أن قيل: هذا نبي .
ومن حديث جابر – رضي الله عنه – قال: إِن أول خبر قدم علينا عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أن امرأة كان لها تابع قال: فأتاها في صورة طير، فوقع على جذع لهم، قال: فقالت: ألا تنزل فنخبرك وتخبرنا، قال: إِنه قد خرج رجل بمكة حَرّم علينا الزنا ومنع منا القرار.

وهي أول ما بدئ به رسول الله -صلى الله عليه وسلم – من الوحي، فكان لا يرى رؤيا إِلا جاءت مثل فلق الصبح .
ومن حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال لخديجة: إِني أرى ضوءًا وأسمع صوتًا، وإني أخشى على نفسي

مثال على رؤى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم الصادقة في منامه.
عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أتاه فيما يرى النائم ملكان، فقعد أحدهما عند رجليه، والآخر عند رأسه، فقال الذي عند رجليه للذي عند رأسه: اضرب مثل هذا ومثل أمتِه، فقال: إن مثله ومثل أمته كمثل قوم سفر انتهوا إلى رأس مفازة، فلم يكن معهم من الزاد ما يقطعون به المفازة ولا ما يرجعون به، فبينما هم كذلك إذ أتاهم رجل في حلة حبرة، فقال: أرأيتم إن وردت بكم رياضًا معشبةً وحياضًا رواءً، أتتبعوني؟ فقالوا: نعم، قال فانطلق بهم فأوردهم رياضًا معشبةً وحياضًا رواءً، فأكلوا وشربوا وسمنوا، فقال لهم: ألم ألقكم على تلك الحال فجعلتم لي إن وردت بكم رياضًا معشبةً وحياضًا رواءً أن تتبعوني؟ فقالوا: بلى، قال: فإن بين أيديكم رياضًا أعشب من هذه وحياضًا هي أروى من هذه، فاتبعوني، قال: فقالت طائفة: صدق والله لنتبعنَّه، وقالت طائفة: قد رضينا بهذا نقيم عليه .
 عن جابر بن عبد الله قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، فقال: رأيت في المنام كأن جبريل عند رأسي وميكائيل عند رجلي يقول أحدهما لصاحبه اضرب له مثلًا، فقال: اسمع سمعت أذُنُكَ -وَاعقِلْ عَقَلَ قلبُك، إنَّما مَثلُك ومثل أمّتك مثل ملك اتخذ دارًا ثم بنى فيها بيتًا ثم جعل فيها مائدة ثم بعث رسولًا يدعو الناس إلى طعامه فمنهم من أجاب الرسول ومنهم من تركه، فالله هو الملك والدار هي الإِسلام والبيت الجنة، وأنت يا محمَّد الرسول من أجابك يا محمَّد دخل الإِسلام ومن دخل الإِسلام دخل الجنة ومن دخل الجنة أكل ما فيها

كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يجاور في حراء📍، في كل سنة شهرًا يتحنث، وكان ذلك مما تحنث به قريش في الجاهلية -والتحنث: التبرر- فكان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يجاور ذلك الشهر من كل سنة، يطعم من جاءه من المساكين، فإذا قضى جواره من شهره ذلك كان أول ما يبدأ به إذا انصرف من جواره الكعبة📍 قبل أن يدخل بيته، فيطوف بها سبعًا أو ما شاء الله من ذلك، ثم يرجع إلى بيته📍. حتى إذا كان الشهر الذي أراد الله به فيه ما أراد من كرامته من السنة التي بعثه فيها، وذلك الشهر (رمضان) خرج إلى حراء كما كان يخرج لجواره ومعه أهله، حتى إذا كانت الليلة التي أكرمه الله فيها برسالته، ورحم العباد به جاءه جبريل بأمر الله تعالى.

وعن عائشة رضي الله عنها قالت : “أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم من الوحي: الرؤيا الصالحة في النوم، وكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء، وكان يخلو بغار حراء، فيحنث فيه، وهو التعبد الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله، ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة، فيتزود لمثلها، حتى جاءه الحق -وفي رواية: حتى فجأه الحق- وهو في غار حراء.